من أجمل ما قرأت فى معنى الخشوع لله، أنه مطلق الانتباه مع الله.. وهذا التعريف لا يقصد معنى الخشوع فى ذاته، وإنما ركز على أثر الخشوع، لأن الخشوع فى ذاته هو الخضوع لمن هو أقوى فى شيء ما أو الخضوع لمن لدينا حاجة ماسة إليه.. والناس يتفاوتون فى درجات الخشوع الذى هو الانتباه.. فهناك انتباه للحظات وهناك انتباه لساعات وهناك انتباه طوال العمر.. وهذا الانتباه هو مرتبة الاحسان الذى عرفها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك».. وقد وصف بعض الصوفية هذا الحال بقوله: «ألا يكون فى قلبك سوى الله».
يقول ابن الجوزى الخشوع يأتى بأربعة معانى هي: الذل، ونجده فى قوله تعالي: «خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ»، وسكون الجوارح فى قوله تعالى وهو يصف المومنين: «الَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»، وبمعنى الخوف فى قوله تعالى واصفا سيدنا زكريا وزوجته: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ»، وتأتى بمعنى التواضع وهو ما نجده فى قوله تعالي: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ».
وهناك فرق بين الخشية والخشوع.. فالخشية فى تعريف الراغب الأصفهاني: خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، لذلك خص العلماء بها فى قوله: «إنما يخشى الله من عباده العلماء» وقال: «وأما من جاءك يسعى وهو يخشي» فى إشارة إلى سيدنا عبدالله بن أم مكتوم المؤمن العارف بحدود الله القادم ليستزيد.. أما الخشوع فى مطلقه، فهو الخضوع والذل.
والقلوب الخاشعة لله، هى قلوب فى حالة انتباه إلى الله.. وإذا انتبه القلب وصار فى يقظة، انتبهت الجوارح وانساقت لأمره.. لذا عندما خاطب الله المؤمنين متسائلا: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ»، فهو يخاطب مؤمنين به، لكنهم فى غفلة لأن قلوبهم غير منتبهة، فأثر ذلك فى أعمال الجوارح.. لذا خاطبهم برفق المحب الذى لا يقسو على حبيبه ويتلطف إليه فى العتاب ويلتمس له الأعذار.. فكأن الله يقرر أن خشوع قلب المؤمن أمر مفروغ منه، ولكنه يسأل عن الوقت.
من هنا، فإننا نستطيع أن نعرف أنه كلما وجد الخشوع الذى هو الانتباه إلى الله، وجد المجتمع الأمن.. وكلما غاب هذا الانتباه، تراجعت درجات الأمان بكل درجاتها وأنواعها.
بقى أن نقول أن الخشوع ذكر فى القرآن الكريم بمشتقاته 13 مرة وهو يدور حول ما ذكرنا.