اتفق خبراء الاقتصاد على أن الدولة المصرية وتحركات الحكومة فى وقت الأزمات السابقة، فيروس كورونا والأزمة الروسية– الأوكرانية أثبتت نجاحات كبيرة عبر التحركات الاستباقية التى أدت إلى تجاوز التداعيات بنجاح وهو التحرك الذى أشادت به المؤسسات الدولية.. أشاروا فى تعليق لـ»الجمهورية الأسبوعي» إلى تصريحات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى والتى استخدم فيها مصطلح «اقتصاد الحرب» إلى امكانية التعامل معه حال تواصل الصراع الإقليمى الحالى ودخول المنطقة «حالة الحرب الصريحة».
وقالوا انه بات من الضرورى إعادة استخدام فكرة «الإجراءات الاستباقية» مع العمل على تنشيط جذب الاستثمارات وتعزيز قوة الإنتاج المحلى والحفاظ على استقرار السوق المصرفى وخفض فاتورة الاستيراد والحفاظ على المخزون الإستراتيجى من السلع الأساسية.
قال د.محمد البهواشى خبير الاقتصاد والباحث فى كلية السياسة والاقتصاد جامعة قناة السويس انه فى ظل تداعيات عدوان الكيان الصهيونى المتصاعد على قطاع غزة المحتل واتساع رقعة الصراع والعدوان الصهيونى على دول المنطقة حتى وصلت آثار الصراع إلى باب المندب عن طريق دخول الحوثيين فى العمليات العسكرية، وتبعها إيران وسوريا ولبنان، كل هذه الأمور تجعل المستقبل فى حالة من الضبابية وعدم اليقين، وتضع الاقتصاد المصرى أمام المفترق طرق لابد من اتخاذ التدابير الجيدة لعبوره مفترق، وهو هل سينتهى الصراع ونصل الى حل للقضية الفلسطينية أو على الاقل نصل الى وقف اطلاق النيران ووقف العدوان على غزة ولبنان، أم سيمتد الصراع وستزداد آثاره السلبية التى ألمت بالمنطقة جميعا وتضررت مصر مباشرة عن طريق تحملها الجزء الأكبر من فاتورة دعم أهلنا فى غزة، و تضرر الملاحة بالبحر الاحمر مما أثر بتراجع عدد الناقلات البحرية العابرة من قناة السويس وبالتالى تأثرت إيرادات وعوائد قناة السويس والتى تعد من أهم مصادر النقد الأجنبى للدولة المصرية.
قرارات إستراتيجية
أضاف، ان اللجوء الى ما يعرف «باقتصاد الحرب»، وهو القائم على الاستغلال الأمثل لكافة الموارد واستخدام مبدأ الترشيد والرشادة فى الإنفاق تحسبا لأى أحداث أو مستجدات قد تحدث بالمنطقة، لذلك فان اتخاذ هذا النهج مع ما نشهده من حالة من الضبابية وعدم اليقين بل ما يتخطى ذلك باتساع رقعة الصراع يوما بعد يوم فان استخدام هذا النهج من الاقتصاد هو اقتصاد الحرب أعتقد هو انه هو المناسب فى هذا الوقت تحسبا لأى مستجدات وهذا ما تعودناه من القيادة السياسية وهو الاستعداد والاستباقية فى اتخاذ القرارات الإستراتيجية، بزيادة الاحتياطات من السلع الإستراتيجية و تدبير الاتاحات المالية اللازمة للتعامل مع اى مستجد قبل حدوثه.
وأوضح الدكتور البهواشى ان هذه الاستباقية فى اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية، كانت صعبة الحدوث بدون ما تم من اجراءات اصلاحية أعادت صياغة بناء الاقتصاد المصرى ليتوافق مع كافة مستجدات الاحداث العالمية أو كما يعرف وتم وصفه من قبل مؤسسات التصنيف العالمية بالقدرة على امتصاص الصدمات فما زالت ايجابيات الخطوات الاستباقية التى اتخذتها القيادة السياسية من اعادة صياغة الواقع المصرى ليتواكب مع مستجدات الأحداث من خلال سياسة اصلاحية طالت كل قطاعات الدولة بداية من اصلاح اقتصادى وهيكلى مرورا بما تم استحداثه والإنفاق عليه من مشروعات قومية كان صعب الوصول اليها لولا تكاتف الشعب حول قيادته،ومن أهمها فى وقتنا الحالى المشروع القومى للصوامع وانشاء المخازن الإستراتيجية التى تم انشائها وتوزيعها جغرافيا لخلق عدم مركزية فى توفير السلع الاساسية، وذلك بجانب ما شهده قطاع الطاقة من تحديثات كبيرة رفعت من قدراته الانتاجية اضافة الى التوسع فى انشاء أماكن التخزين للاستفادة من الطاقات التكريبية للبترول بجانب التوسع فى ادخال مصادر طاقة جديدة تتنوع من خلالها محفظة الطاقة من كهرباء ووقود احفورى وطاقة جديدة ومتجددة إلى ان وصلنا إلى الهيدروجين الاخضر، وكل ذلك اضافة إلى تسليح وتأهيل قواتنا المسلحة وتدريبها على أعلى مستوى لتصل الى أعلى المراتب فى لتصبح ضمن الدول المتصدرة لأعلى تصنيف الجيوش العسكرية، فانه لن تستقر دولة تسعى الى بناء نفسها بدون قوة تحميها، لذلك فان الأستباقية فيما اتخذته القيادة السياسية منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى السبب فى تحقيق أعلى درجات الاستجابة لتقليل الاثر السلبى للصدمات وتأهيل الاقتصاد المصرى للتعامل مع كافة المستجدات بالطريقة المثلى التى تحافظ على ما تحقق من مكتسبات وتصون كرامة دولتنا.
قال د.ياسر شويتة عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والخبير الاقتصادى والمحاضر فى جامعة حلوان، انه مع نشوب الصراعات العسكرية بين الدول تتزايد وتيرة الحديث عن «اقتصاد الحرب» وهو مصطلح يعنى إعادة هيكلة اقتصادات تلك الدول وهو ما يستلزم تعبئة كافة الموارد الاقتصادية لتلبية احتياجات الدولة وما يحقق الأمن القومى فى تلك الدول من خلال توجيه كافة عناصر الإنتاج لخدمة تداعيات حالة التوتر ووضع كافة الموارد المتاحة فى تلك الدول لخدمة الأغراض العسكرية ويأتى هذا على حساب الأسواق المحلية بها حيث يعلوا شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» وهنا تقوم حكومات تلك الدول بالاشراف على عملية الإنتاج وتوزيع السلع.
وأضاف، ان الحالة المصرية الراهنة تحكمها رؤية استراتيجية واضحة من خلال قيادتها الرشيدة والحكيمة تقوم على انتهاج السلام خيارا استراتيجيا ومن ثم فإن مصر لم تكن دوما طرفا فى نزاع مسلح مباشر على المستوى الإقليمى والدولى، وتسعى دوما لترسيخ دعائم الاستقرار والسلم والأمن على المستوى الإقليمى والدولى وبالتالى لسنا فى حاجة بالشكل الحرفى للمعانى السابقة لاقتصاد الحرب فنحن الآن لسنا فى حالة حرب، ولكن بإمعان النظر فى الأوضاع الإقليمية والدولية نرى تزايد حدة الأزمات الجيوسياسية فى منطقة الشرق الأوسط وهناك مخاوف كبيرة من إندلاع حرب إقليمية واسعة قد تطول دولا عدة فى منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح الدكتور شويتة ان الصراع الدائر فى المحيط المجاور للدولة المصرية كان له تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية فى الداخل المصرى من خلال تراجع إيرادات قناة السويس خلال الأشهر الثمانية الأخيرة بما يقرب من 6 مليارات دولار نظرا لهجمات الحوثيين على التجارة الدولية العابرة فى البحر الاحمر ومنه إلى قناة السويس بالإضافة إلى التخوف من تراجع معدلات إيرادات السياحة فى أى وقت نظرا للحرب الدائرة على قطاع غزة ولبنان من جانب إسرائيل وأيضا الصراع الدائر بين إيران وأذرعها العسكرية فى منطقة الشرق الأوسط من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وأيضاً تراجع إمدادات الغاز الطبيعى الوارد من الشرق نظرا للأحداث السابقة وتراجع معدلات الاستثمار فى دول منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة لتصاعد وتيرة الصراع الدائر وتزايد المخاوف من اندلاع حرب إقليمية شاملة.
وأشار إلى أن التوتر الحالى أثر بالطبع على الأوضاع الاقتصادية للدولة المصرية، وهو ما يستوجب بشكل عاجل وضع خطة طوارئ تحدد الأهداف المطلوب تحقيقها على مستويات زمنية قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل وطويلة الأجل وتأخذ شكلا تدريجيا تصاعديا وذلك لمراعاة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لفئات الشعب الفقيرة ومحدودة الدخل والعمل على تأمين احتياجات الدولة المصرية من السلع الإستراتيجية، وتأمين احتياجات مصر من الطاقة لفترات طويلة تتناسب مع طبيعة الأزمات الحيوسياسية والوضع فى الإعتبار إطالة أمد تلك الأزمات، وهو ما يعنى أننا فى أمس الحاجة فى الوقت الراهن للإعلان عن خطط استثنائية نواجه بها الحالة التى نمر بها على المستوى الداخلى والإقليمى وذلك من أجل الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية التى تحققت على مدار الأعوام الاخيرة من خلال اتخاذ مسار الإصلاح الاقتصادى، وتهيئة بيئة الاستثمار لتكون بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتتمثل الخطوات العاجلة دون الإعلان عن الدخول فى اقتصاد حرب فى ترشيد الإنفاق الحكومى فى كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات والمصالح الحكومية، وترشيد الاستهلاك وأن يكون ثقافة وسلوك لدى كل مواطن من خلال نشر الوعى فى كافة وسائل الإعلام والإعتماد الكلى على الإنتاج المحلى وزيادة معدلات الصادرات وتقليل الواردات، وتأمين سلاسل الإمداد مع دول خارج نطاق دائرة الصراع فى منطقة الشرق الأوسط كأحد الاستراتيجيات الهامة خلال المرحلة المقبلة لتأمين احتياجات مصر من السلع الغذائية الإستراتيجية وامدادات الطاقة.
ويرى إنه بطرح تلك الرؤية فى الوقت الراهن لسنا فى حاجة ملحة لاتخاذ الإجراءات المرتبطة باقتصاد الحرب، ولكن مع نشوب حرب إقليمية شاملة واتساع رقعة الصراع لتطول منطقة الشرق الأوسط هنا تتحول الإجراءات الاستثنائية الطارئة إلى الإجراءات المرتبطة باقتصاد الحرب لمواجهة تلك التداعيات ويكون ذلك فى ضوء تقدير الموقف فى حينه وهو ما يستوجب الاستعداد من الآن لمواجهة كل الاحتمالات القادمة.
إجراءات الحماية
قال د.السيد خضرالخبير الاقتصادى ومدرس الاقتصاد ومدير مركز الغد للدراسات الإستراتيجية والاقتصادية، ان منطقة الشرق الأوسط تشهد العديد من التوترات الجيوسياسية وهناك احتمالية امتداد تلك الصراعات والنزاعات إلى العديد من الدول فى المنطقة، وبالتالى يتطلب الأمر اتخاذ استراتيجيات متعددة الجوانب لضمان الاستقرار وتحفيز النمو الاقتصادي.
وأضاف، ان الحكومة المصرية تعمل على مواجهة التحديات الناتجة عن تلك التوترات الإقليمية وتعزيز قدرة الاقتصاد على التكيف مع الظروف المتغيرة، ومع ظهورمصطلح «اقتصاد الحرب» الذى يشير إلى التغيرات التى تطرأ على الاقتصاد نتيجة النزاعات والصراعات المسلحة والأحداث والتوترات فى منطقة الشرق الأوسط، وتأثير ذلك على الأوضاع الاقتصادية فى المنطقة، سوف يتم اتخاذ إجراءات استباقية من الدولة المصرية لمواجهة تلك التغيرات فى المنطقة من خلال تعزيز الأمن والاستقرار والعمل على تحسين الوضع الأمنى لجذب الاستثمارات وضمان استمرارية الأعمال، كذلك العمل على تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على القطاعات المتأثرة بالصراعات، مثل السياحة، وزيادة التركيز على الصناعات المحلية والزراعة، وخلق بيئة استثمارية جاذبة من خلال تقديم حوافز للمستثمرين المحليين والأجانب، مثل تخفيض الضرائب وتسهيل الإجراءات، الاستمرار فى تحسين البنية التحتية والاستثمار فى البنية التحتية لتحسين الإنتاجية وتقليل تكاليف النقل، أيضا تعزيز التعاون الإقليمى والعمل على بناء علاقات تجارية مع الدول المجاورة لتعزيز الاستقرار الاقتصادى، والعمل على زيادة الاحتياطى الاستراتيجى وتكوين احتياطى من السلع الأساسية لمواجهة أى نقص فى المعروض مستقبلا فى ظل استمرار تصاعد وتيرة الأحداث، وبالتالى مع زيادة الطلب على شراء تلك السلع لتخزينها فيعد ذلك من أسباب ارتفاعها بشكل مؤقت.
خطوات ضرورية
قال الدكتور خضر انه سيتم العمل على تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على دولة واحدة فى استيراد السلع كذلك الاتجاه إلى ترشيد الإنفاق والاستهلاك بشكل عام، أيضا تفعيل السياسات النقدية وضبط معدلات التضخم من خلال اتخاذ إجراءات للسيطرة على التضخم وتحقيق استقرار العملة، كذلك تيسير الائتمان وخلق تسهيلات ائتمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير السياسات الاجتماعية من خلال تقديم برامج دعم للفئات الأكثر تضررًا لضمان استقرار المجتمع، أيضا تقليص حجم الاستيراد والحفاظ على العملة الأجنبية مثل الدولار من خلال تشجيع الإنتاج المحلى وتحفيز الصناعات المحلية وتقديم حوافز ضريبية أو دعم مالى للشركات المحلية لزيادة إنتاجها وتلبية احتياجات السوق، وتطوير البنية التحتية وتحسين المصانع والمرافق الإنتاجية لتكون قادرة على المنافسة.
ومن بين الإجراءات أيضا تنويع والبحث عن أسواق جديدة والعمل على فتح أسواق جديدة للدول العربية والإفريقية لتقليل الاعتماد، والتفاوض على اتفاقيات تجارية ووضع اتفاقيات مع الدول التى يمكن أن تقدم منتجات مشابهة بأسعار تنافسية، وتحسين السياسات النقدية وإدارة احتياطيات الدولار وتعزيز إدارة احتياطيات العملة الأجنبية لضمان توافر الدولار للسلع الأساسية، وتحفيز الاستهلاك المحلى وتشجيع العلامات التجارية المحلية وحملات توعية للمستهلكين حول فوائد شراء المنتجات المحلية.