معروف فى الدول التى تخاطب جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية أنها دائمًا ما تستهدف تطبيق منظومة ضريبية سلسة تضم مزايا وحوافز عديدة من ناحية ومن ناحية أخرى تضم عنصراً بشرياً يدرك دوره بشكل جيد فى التطبيق دون تعطيل أو التفاف حول بنود القانون ولائحته التنفيذية وخلق ثغرات للمساومة وابتزاز المستثمر.
فى اعتقادى أن العنصر البشرى فى المعادلة هو الأهم إذا صلح صلحت المنظومة بأكملها، وهذا ما يجب أن نركز عليه قبل المزايا وحوافز الضريبة حتى نعظم الاستفادة منها.
نعم الدولة قطعت شوطًا كبيرًا فى تطوير المنظومة الضريبية فى مصر وقدمت إصلاحات كثيرة فى هذا الملف خاصة الإصلاحات التشريعية والإدارية حيث توافقت الدولة مع الأنظمة المعمول بها فى العالم، وخلقت مناخًا طيبًا لتخفيف الأعباء الضريبية وغيرها من الأعباء عن كاهل المستثمر، ولكن كما قلنا إن هذا وحده لا يكفى فلابد أن يكون العنصر البشرى متقدماً بخطوة أو خطوتين حتى يمكننا الاستغلال الأمثل من ثورة التسهيلات الضريبية التى قدمتها الحكومة مؤخراً حيث تضم مجموعة حوافز تشجيعية هائلة تستطيع أن تنقل القدرة التنافسية للاستثمارات الوطنية إلى مرحلة مزدهرة تجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية من كل حدب وصوب حيث لا تعرف هذه الأموال إلا طريق واحد فقط هو المكاسب الوفيرة ومعدلات الربحية الكبيرة.
لابد أن نفهم أن تأكيد الثقة بين أطراف المعادلة الضريبية هو عصب مناخ الاستثمار فى أى دولة تسعى إلى تنمية اقتصادية حقيقية، وهذه الثقة لا تأتى إلا إذا كان هناك وضوح وشفافية وذلك لا يتحقق إلا من خلال الثقافة الضريبية والمعرفة الكاملة لتفاصيل مردود أموالها على خدمة وتلبية احتياجات المجتمع من صحة وتعليم وخلافه.
لابد أن نتوقف طويلًا عند هذا المفهوم وتوصيله للمواطن كما ينبغي، هناك أفراد وشركات كثيرة تسعى لسداد مستلزماتها الضريبية وتطبيق القانون وللأسف لم يجدوا من يساعدهم أو يفهمهم الصح فى وسط مكاتب ضريبية لا يشغلها سوى تحصيل الأموال والتهديد بخطابات غلق حسابات البنوك حتى أصبح المواطن مرعوباً حتى من المرور أمامها، نعم هذا صحيح، فالثقة دائمًا مفقودة لأن ببساطة شديدة الموظف «بيكركب الدنيا» فى دماغ الزائر ولا يسعى إلى تبسيط الأمور أو توضيح المشكلة وفى النهاية يقرر الزائر عدم الزيارة مرة أخرى وينصح الآخر بنفس الرسالة.
لابد من تصحيح المفاهيم وإعادة النظر فى إدارة المنظومة وخلق مناخ ثقة بين أطراف المعادلة الضريبية «ممول –مصلحة–محاسب»، لازم الناس تفهم ببساطة ولا ننتظر مرحلة القبض على المخالف والحبس، لازم نزور الناس فى البيوت والمحلات والشركات والمصانع ونصاحبهم ونسمع لهم وننصحهم ونقدم لهم المشورة بكل حب ومودة، لازم مأموريات الضرائب تنتقل للناس فى مقرات العمل دون ضجيج كما يحدث الآن فى ندوات لا تستهدف إلا الأحاديث الصحفية والتسجيلات التلفزيونية ووسائل التلميع الأخري، لازم كل هذه الأمور تتم إذا كنا نريد إصلاح المنظومة الضريبية، إذا كنا نريد ممول ملتزم يسابق غيره فى سداد الضريبة، إذا كنا نريد مأمور ضرائب مثقف لا يتصيد الأخطاء، إذا كنا نريد محاسباً ضريبياً واضحاً لا يسعى لإيجاد ثغرات ينصح بها الممول لحرمان خزينة الدولة من أموال حقيقية.