أستكمل الحديث حول الخطوات الجادة والفعّالة التى انتهى إليها الحوار الوطنى فى مسيرته نحو الجمهورية الجديدة،حتى يتم التوافق من خلال الجلسات النقاشية العامة والتخصصية إلى الصياغة النهائية للحزمة الأولى من التوصيات والتى بلغت 13 لجنة نوعية فى المحاور الثلاثة؛ السياسى والاقتصادي، والمجتمعي.
واستمراراً لتأكيد حق الرأى العام فى المعرفة والمتابعة الفورية والشفافة لمجريات الحوار، تم نشر نصوص الصياغة النهائية لتوصيات المرحلة الأولى من الحوار الوطني، والتى تم رفعها إلى رئيس الجمهورية.
واتفق الجميع على خارطة آمنة للعبور بالوطن إلى بر الأمان، إذ تضمنت وثيقة الحوار الوطنى معالجات للماضي، وقواعد متينة لبناء المستقبل القائم على الشراكة والعدالة والمواطنة وتكافؤ الفرص.
وقد حظيت مخرجات الحوار الوطنى بتوافق المكونات السياسية والمجتمعية التى التقت على طاولة الحوار لأول مرة فى حوار جاد وشفاف وشامل لكافة القضايا الوطنية الهامة، وعكست رسالة قيمة بأهمية المشاركة الواسعة السياسية والمجتمعية باعتبارها الطريق الحضارى لحل مختلف القضايا الوطنية، ليصبح الحوار تجربة فريدة على مستوى المنطقة وفقاً لشهادة الخبراء.
وأثمرت النقاشات والحوار الجاد الذى شاركت فيه كل القوى السياسية والمجتمعية، بالخروج بوثيقة ضمانات حقيقية للتنفيذ، تلبى تطلعات الشعب فى تحقيق التغيير المنشود، وتضع أسس ومقومات بناء الجمهورية الجديدة، مع معالجات حقيقية لمشاكل الماضى وأزماته.
وحقق الحوار الوطنى عدداً من المكاسب الفّعالة منذ انطلاقه فى أكثر من موضوع مختلف تهم المواطن المصرى على مختلف المحاور والموضوعات بين السياسى والاقتصادى والمجتمعي.
واستطاع الحوار استقبال المشاركات من كافة أطياف الشعب المختلفة، مما ساهم فى النجاح فى تحقيق خلق حالة من الحوارات المجتمعية وإعلاء لغة الحوار بين مختلف التيارات السياسية والفكرية و إحداث حراك إيجابى على مستوى الحياة السياسية المصرية وتفعيل لجنة العفو الرئاسى واستمرار خروج عدد من المحكوم عليهم والمحبوسين على دفعات متتالية وتطوير القدرة على إدارة الاختلاف لا الخلاف. وثمن الشعب المصرى استجابة الرئيس الفورية بتلقى مجموعة من مخرجات الحوار الوطني، والتى تنوعت ما بين مقترحات تشريعية، وإجراءات تنفيذية، فى كافة المحاور السياسية و الاقتصادية و المجتمعية، وتوجيه الرئيس إلى الجهات المعنية بالدولة لدراستها وتطبيق ما يمكن منها فى إطار الصلاحيات القانونية و الدستورية.
لقد جاءت دعوة الرئيس إلى حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى لتمثل خطوة جديدة تضاف إلى مجموعة من الخطوات المهمة فى إطار بناء نموذج مصرى فى الانفتاح والإصلاح السياسي.
وقد نجح مجلس أمناء الحوار الوطنى فى إنجاز العديد من الخطوات بدءا من تجاوز محاولات تسييس الحوار والانتصار لطبيعته الشاملة، من خلال تضمينه القضايا السياسية جنبا إلى جنب مع القضايا الاقتصادية والمجتمعية، وانتهاء بتجاوز الإشكاليات التى واجهته، ومرورا بمؤسسية عملية الحوار الوطنى نفسها، سواء من خلال فلسفة تأسيس مجلس الأمناء، أو تحديد المرجعيات الحاكمة للحوار، أو اعتماد مجموعة من الوثائق المنظمة لعمل مجلس الأمناء واللجان الفرعية.
حقيقة الأمر، إن متابعة تطور الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر، منذ عام 2014 وحتى الآن، تشير إلى أن هناك «نموذجًا» فى التطور الاقتصادى والسياسى المصري. هذا النموذج تتضح ملامحه مع الوقت، ويجرى وفق أولويات وفلسفة محددة. فى البداية، كان التركيز على أولوية «تثبيت الدولة»، التى تعرضت مؤسساتها لتحديات ضخمة، على خلفية أحداث يناير 2011، ثم فترة نظام الإخوان وحلفائهم، الذين حاولوا فرض مشروعهم السياسى الخاص على الدولة والمجتمع، وما تبع ذلك من موجة إرهاب واسعة عقب إزاحة هذا النظام فى عام 2013 بالتوازي، مع أولوية تثبيت الدولة ومواجهة الإرهاب، كانت هناك أولوية أخري، هى تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التى اعتمدت على توفير شرطين أساسيين؛ هما: تنمية وتحديث البنية التحتية والمؤسسية، والإصلاح الاقتصادى والمالى الذى بدأ تطبيقه بدءا من نوفمبر 2016.
فى هذا السياق، ركزت الدولة خلال السنوات الماضية على حزمة كبيرة من المشروعات القومية التى طالت جميع الأقاليم المصرية ومختلف القطاعات الاقتصادية، جنبًا إلى جنب مع برنامج الإصلاح الاقتصادى والمالى لإنهاء التشوهات التى طالت الاقتصاد المصري، والتى تراكمت عبر العقود، وإصلاح البيئة التشريعية ذات الصلة. وبعد إنجاز العديد من الاستحقاقات على مستوى هاتين الأولويتين، ينتقل هذا «النموذج المصري» إلى ما يمكن وصفه باتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام على صعيد الإصلاح السياسي، من خلال الفتح التدريجى للمجال العام، وخلق حالة من الحراك السياسي، فى إطار متوافق عليه بين القوى الوطنية، ومن خلال مراجعة القوانين المنظمة للحياة السياسية، جنبًا إلى جنب مع الانتقال إلى عملية إصلاح هيكلى للبيئة الاقتصادية.
ويمكن طرح مؤشرين مهمين للتأكيد على أن تطور «النموذج المصري» يسير وفق فلسفة وديناميكية متكاملة بين السياسى والاقتصادي.
،،وللحديث بقية،