> قرأت مؤخراً خبراً عما يسمونه السياحة المفرطة.. ويقصد بذلك فى معظم الأحوال قصور دولة أو مكان أو اثر معين أو معلم ما عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الحركة السياحية.. وكذلك التأثيرات السلبية لهذه السياحة.. ومحاولات بعض الدول والمدن لمواجهة آثار هذه السياحة المفرطة.. ويذكر ان منظمة السياحة العالمية كانت قد عقدت مؤخراً عدة اجتماعات ومؤتمرات لبحث آثار هذه السياحة والتدابير التى يمكن اتخاذها فى حالة التعرض للسياحة المفرطة..
> ما نشر مؤخراً كان عن مدينة امستردام الهولندية والتى تحاول منذ عام 2021 الحد من تدفق السياح عليها حتى انه صدر فى ذلك العام قانون يسمح بالعمل على توازن السياحة فى امستردام.. ويلزم هذا القانون مجلس المدينة بالتدخل عندما تزيد اعداد السياح الوافدين إليها على 18 مليون زائر.
> ومن اجل هذا اتخذ هذا المجلس عدة إجراءات مهمة.. بينها عدم السماح ببناء فنادق جديدة فى المدينة.. وكذلك حظر استقبال السفن السياحية.. وهى السفن التى تنظم رحلات بين موانئ البحر المتوسط.. ويهبط فى المدينة فى المرة الواحدة عدة مئات.. أو ربما عدة آلاف من السياح الذين يتركون السفينة ليزوروا المدينة ومعالمها.. وقد يتجهون للداخل أيضاً.. وحتى تؤكد على منعها لاستقبال هذه السفن أغلقت امستردام محطة الركاب البحرية التى كانت تستقبل هذه السفن.
> لتقليل الإقبال على زيارة المدينة منعت بعض عوامل الجذب التى كانت تجذب إليها السياح.. ومنها على سبيل المثال ما يمكن ان يسمى سياحة المخدرات التى تسمح بها عدة بلاد ومدن أوروبية.. وحظرت امستردام تدخين الماريجوانا فى شوارع ما يسمى بمنطقة الضوء الأحمر.. واوقفت جولات السياح بصحبة مرشدين لهذه المنطقة.. مما يعنى ان جانباً من زوار امستردام ممن كانوا يقصدونها لهذه المنطقة سواء لتدخين الماريجوانا أو لإغراض أخري.. مرورا بالمنازل ذات النوافذ الحمراء.. لن يذهبوا إلى امستردام.. وقد يذهبون بدلا من ذلك إلى مدن أوروبية أخرى تسمح بتدخين المارجوانا فى أماكن محددة..
<<<
> مصر بحمد الله لم تصل إلى مرحلة السياحة المفرطة.. بحيث تمنع السفن السياحية فى البحر المتوسط.. وهى سفن تتنافس موانئ المتوسط على جذبها لزيارة موانئها.. ويصل الأمر احياناً إلى دفع اكراميات لقادتها لاغرائهم على تضمين موانئهم ضمن برامج زيارتهم..
> لكن مع هذا يمكن أن نقول إن مصر تصل احياناً إلى مرحلة السياحة المفرطة عندما ينزل ألف أو ألفين من ركاب البواخر السياحية إلى بورسعيد أو الإسكندرية وتتوجه هذه الأعداد الكبيرة لزيارة المناطق السياحية فى قافلة تضم عشرات الأتوبيسات.. كما يحدث مثلا فى زيارتهم لمتاحف ومعالم الإسكندرية أو المتحف المصرى فى التحرير أو أهرامات الجيزة.. وعندئذ يتصرف المرشدون المرافقون بجعل فارق زمنى بين كل فوج يرافقونه والفوج الآخر..
> لكن فى تقدير الكثيرين من علماء الآثار ان الخطورة الكبيرة لهذه الأفواج الكبيرة التى تزور المعابد أو المقابر فى الأقصر مرة واحدة على دفعة واحدة أو حتى دفعات متوسطة.. خاصة من ركاب الفنادق العائمة فى النيل الذين قد يبلغون عدة مئات فى وقت واحد، هى فى تواجدهم بأعداد كثيفة لزيارة المعابد أو المقابر فى وادى الملوك مثلاً.. ويؤثر بخار الماء الناتج عن تنفسهم داخل المقابر على ألوان ونقوش هذه المقابر.. وعندئذ يوزعهم المرشدون المرافقون لهم على عدة مقابر يتبادلون زيارتها.. ولكن هذا لا ينفى التأثير السلبي.. وهو ما جعل بعض المتشائمين إلى القول إن نقوش بعض هذه المقابر ستختفى خلال مائة عام.. وهو ما لا نتمناه أبداً.
> نرجو ان يستكمل مشروع استبدال بعض هذه المقابر المهمة بنماذج لها.. ليزور السياح هذه النماذج بدلاً من الأصل.. فضلاً عن اختصار وقت الزيارة عن طريق استماع السياح إلى الشرح خارج المقبرة أو المقابر أو فى مراكز الزوار.. أو فى المكان قبل دخول المقبرة.. كما يكون الأمر كذلك برفع قيمة دخول المقابر المهمة إلى أرقام كبيرة للحد من اعداد الزائرين لها.. كما يحدث مع مقبرة نفرتاري.. غير ان اعداد نماذج لبعض المقابر تظل هى الوسيلة المثلى للحفاظ على الاصل.. رغم ان هذا ليس أمراً سهلاً..
> رغم التعليمات الموجودة بعدم لمس الآثار فان مراقبة ذلك أمر صعب.. ما يؤثر عليها بمرور الوقت.. كما انه للأسف فان بعض المرشدين الذين يصحبون السياح يستخدمون عصا تلامس الأثر عندما يشرح بعض تفاصيله.. وهو ما نراه فى التليفزيون أيضاً مع برنامج لغتنا القديمة عندما تلامس مقدمته الآثار ونقوشها عند شرحها للمشاهدين.. وهو أمر مؤسف
<<<
> زرت فى إسبانيا نموذجاً لكهف كان يعيش فيه الإنسان فى العصور القديمة ما قبل التاريخ.. وتمتلئ جدرانه برسوم الحيوانات التى كانت تتواجد فى المنطقة فيذلك الزمان.. وقد بنى النموذج إلى جانب الكهف الأصلى المتواجد فى منطقة جبلية.. ويعطيك نفس احساس الزائر للكهف الأصلي.. للمحافظة على هذا الكهف الأصلي.
> ومصر تمتلك العديد من هذه الكهوف لعل اهمها ما فى منطقة الجلف الكبير فى الصحراء الغربية على الجنوب من حدودنا مع ليبيا.. ويحظى هذا الكهف بأهمية كبرى توضح معيشة الإنسان المصرى القديم فى عصور ما قبل التاريخ.. ولكنه للأسف ونظراً لبعده السحيق فى جنوب الصحراء يتعرض من حين لآخر لبعض سرقات لبعض لوحاته.. وهناك سرقة متكررة ومشهورة لإحدى هذه اللوحات وقد سرقت على عدة سنوات.. وفسر ذلك بأن السارق كرر الزيارة ليقتطع فى كل زيارة جزءاً حتى تكتمل اللوحة لديه.
<<<
> مع كل هذا فان مصر لم تصل إلى مرحلة التشبع فى الحركة السياحية بحيث نقول إن السياحة اصبحت مفرطة.. وما زال من آمالنا ان نصل فى يوم من الأيام إلى خمسين مليون سائح فأكثر.. ونحن نخطط لنصل إلى 30 مليون سائح فى عام 2028، وفى تقدير اكثر تفاؤلاً إلى 45 مليون سائح فى عام 2030، وهى أرقام لن تتحقق بغير توفير أدواتها من أماكن إقامة من فنادق وغيرها ووسائل انتقال من طائرات واتوبيسات سياحية وقوى مدربة لازمة لخدمة الأعداد المطلوبة أو المتوقعة للسياحة.
>أشرت إلى هذا فى مقالات سابقة كان آخرها الاسبوع الماضى حين أشرت إلى ذلك خاصة احتياجنا إلى توفير مائتين وخمسين ألف غرفة فندقية أو ما يعادل نحو ألف فندق بمتوسط مائتين وخمسين غرفة لكل فندق وهو رقم مهول ولا أدرى كيف يتم الوصول إليه بدون تيسيرات كبرى فى التمويل وأسعار الأراضى حتى لو قدمت بسعر رمزى كما كان الحال سابقاً الذى رفعنا من نحو 18 ألف غرفة فى أوائل الثمانينيات إلى نحو مائتين وعشرين ألف غرفة الآن.
<<<
> يبقى لى أن أشير إلى تجارب بعض الدول فى إطار السياحة المفرطة وأرجو ان يأذن لى القارئ ان يكون هذا فى مرة قادمة بإذن الله.