وسط عالم تعجز كل «الخوارزميات» عن التوصل إلى حلول «لوغاريتماية» وفك طلاسمه.. عالم لا تأتى فيه الحروب ولا الكوارث فرادى.. وإنما تأتى متقاربة.. متداخلة، وكأنما يربطها رابط أو تجمعها روابط أو انها تدار بإصبع واحدة تحركها إرادة واحدة، أو قوة واحدة لا تريد لأى كائن من كان أن يشاركها قيادة العالم أو التحكم فى إرادته.
وسط هذا العالم، بل وفى القلب منه مكاناً ومكانة جغرافية وتاريخية.. حضارة وكرامة.. مصر والمصريون.. هكذا شاءت إرادة الله، وهذه هى ضريبة «عبقرية المكان» لجمال حمدان.. تحديات غير مسبوقة تحاصر مصر ومحيطها من كل الاتجاهات الإستراتيجية، وفى الأخطر منها ما يحيط سيناء المصرية، التى يجاورها كيان غاصب محتل بلغ أقصى درجات العربدة الكاملة كما وصفها أبوالغيط، وقتل على الهوية لا يفرق بين طفل أو شيخ أو سيدة فى فلسطين المحتلة.
ويوماً بعد يوم، وكأنما العالم يساق إلى حرب كونية عالمية شاملة لا تبقى ولا تذر.. حرب تجارية بدأها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عبر «فرماناته» الأحادية بفرض رسوم جمركية على دول العالم، حتى الأصدقاء والحلفاء والشركاء.. أصابت وسوف تصيب بنيرانها وشظاياها شعوب العالم أجمع.
تسبقها بـ 18 شهراً ومازالت حرب غير مسبوقة قادتها الحليف الأقرب لأمريكا، دولة الاحتلال الاسرائيلى استهدفت بها قتل الضمير الإنسانى واغتيال القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، ولم يهتز الحلفاء والديمقراطيون والثوريون والحقوقيون لحرب الإبادة والتجويع والتعطيش ضد الشعب الفلسطينى.
والأشد تنكيلاً، هذه التغطية الأمريكية بالدعوة لتهجير الشعب الفلسطينى طوعاً إلى بلاد أجمل ورخاء أعم و»ريفييرا» الشرق الأوسط الجديد ولا عزاء للمطالبين بإعمال القرارات الأممية الدولية وحق العودة وحق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل.
وكأنما هناك تناغم بل وتكامل بين الحربين، فإن حرب إبادة الفلسطينيين وذبح الأطفال والنساء والشيوخ وقتل الضمير الإنسانى لأكثر من 540 يوماً، قد فتحت الباب واسعاً ومهدت الطريق والأرض كى يسود قانون الغاب، وتنفرد دولة العم «سام» من فوق تمثال الحرية بفرض جمارك «كونية» ولا حق لأى كائن أو دولة فى الاغتراض أو المناقشة.
وبين الحربين ومعهما حرب روسية- أوكرانية، فرضت أوضاعاً مأساوية عانى منها العالم أجمع، لكن مصر دفعت ثمناً أكبر، فإن 80٪ من احتياجات الشعب المصرى من القمح يأتى عبر الدولتين، فضلاً عن تهديد سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن ومضاعفة أسعار الحبوب والزيوت وغيرها، وقبلها كانت الحرب الكونية ضد فيروس «كورونا»، لكن مصر والمصريين ورغم كل التحديات بقيت «أم الدنيا» وشعبها وجيشها فى رباط يداً بيد فى اصطفاف وطنى ونسيج شعبى لا ينفصم، حفاظاً على مصر الشامخة.. مصر العظيمة لا تركع ولا تنحنى.. تتعامل بنقاء وشرف مع حقائق الواقع وتبنى أيضا للمستقبل.
إن مهمة مصر فى التعامل مع معطيات الواقع والاحتمالات المستقبلية، ليست أبداً سهلة، فإن مصر- السيسى ومنذ بدأت انطلاقتها الشاملة فى 2014 لم تنج أبداً من نيران الأكاذيب وحروب الشائعات والفبركات والمؤامرات والفتن التى استهدفت مسيرتها والتغطية على إنجازاتها، وبث اليأس والخوف فى قلوب شعبها، لكن وعى المصريين كان الصخرة الكبرى التى تحطمت عليها كل مخططات أهل الشر، وما أثاروه من فتن وشائعات وحروب إلكترونية وذباب إلكترونى.
مهمة مصر أبداً ليست سهلة، فإن جيش مصر القوى يثير مخاوف الجيران ويقلق الخصوم وأصبح الجيش المصرى هدفاً كى يتم تقليم أظافره وتهميش وجوده، وهو الأمر الذى لن يقبل به المصريون أبداً، فإن عقيدة المصريين عقيدة الجيش المصرى، هى عقيدة واحدة تحمى الأرض والعرض وتحمل بكل السبل الأمن القومى المصرى بمفهومه الشامل.
مهمة مصر أبداً ليست سهلة.. إننا نعيش عالماً شديد الاضطراب وأوضاع ملتهبة يكتوى بنيرانها أبناء غزة، شباباً وشيوخاً وأطفالاً، فيما يؤذى مشاعر كل الناطقين بالعربية هذه المناظر وحمامات الدم ومظاهر الخراب والدمار تصيب شظاياها كل أبناء الأمة.
علينا مراجعة النفس والبناء على عوامل القوة والنجاح فينا، تعظيم القدرات وتنحية السلبيات ومحاصرتها ودفنها.
علينا إعادة قراءة ثرواتنا ومقدراتنا ومكامن القوة فينا، علينا توطين الصناعة فعلاً لا قولاً، حماية الصناعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، فإنها تمثل 90٪ من اجمالى الشركات وتوفر 75٪ من الوظائف وتحقق 80٪ من الناتج القومى وتقلل الواردات وترفع قيمة الصادرات.
سوف تنشئ مصر مصانع إنتاج الآلات والمصانع والتجهيزات، وسوف نصنع القطارات والأتوبيسات والمدرعات والطائرات.. سوف نعيد الحياة لكل المصانع التى أصابتها لوثة الإهمال وضربها الشلل، سوف نستفيد بكل سنتيمتر مربع فى أى منطقة صناعية على أرض مصر، سوف نحول المناطق الحرة إلى ساحات للتصدير وكسب العملات.
سوف نحول الليالى السياحية إلى مليارات من الدولارات واليورهات.. سوف نضاعف دخلنا السياحى ونحافظ على آثارنا وممالكنا الأثرية.
سوف ننشئ مزارع الطاقة الجديدة والمتجددة فى ربوع مصر وفى صحرائها وصعيدها نرتوى بالشمس والرياح.
لن نقف عند 16 أو 20 مليون سائح نريدهم 100 مليون سائح ولن نتوقف عن دعم تمويل المركبات للغاز الطبيعى أو تحويل التاكسى إلى غاز.
أبداً.. أبداً.. لن نتوقف، فإن فى داخل كل مصرى «خوارزمية» وقدرات قادرة على قهر كل اللوغاريتمات وإزالة العقبات والأزمات.. ليحيا كل المصريين.