الحاجة أم الاختراع.. نستطيع أن نوفر احتياجاتنا اعتماداً على أنفسنا.. نوفرها محلياً.. حتى ولو بنسبة كبيرة كبداية.. فالمحن والشدائد تتحول إلى منح إذا أجدنا التعامل معها.. لذلك علينا كشعب مراجعة النفس.. وقوائم الأولويات ..ونستغنى عما نستطيع الاستغناء عنه.. فالدولة لا يجب أن تستورد «رفاهيات» مهما كانت الأسباب.. وتكتفى فقط بمستلزمات الإنتاج والحياة.. الحلول كثيرة.. فمن الثابت أننا قادرون على العبور وكسب المعركة.. والتغلب على التضييق والخنق والحصار الاقتصادي.. والمؤامرات على مصر.
نحن المصريين أثقلتنا الأيام.. وقهرتنا الظروف والصعاب والشدائد التى لطالما صبرنا وعبرنا.. وذهبت ورحلت.. وبقيت مصر وشعبها.. الذى اعتاد على الصلابة والقوة والتحدى والتضحية.. والاصطفاف خلف وطنه.. فهناك فترات كثيرة عاشت فيها البلاد والعباد تحديات قاسية ومؤلمة.. لكن لم يزايد المصريون على بلدهم أو يقدموا على فعل ما ينال منه ويضره ويلحق به الأذى والضعف.. وقفوا إلى جواره فى الشدائد والمحن والانكسارات وبإراداتهم وصبرهم وتحملهم حولوها إلى انتصارات وأمجاد وبطولات.. والأمثلة والنماذج لدينا على قوة إرادة المصريين وصلابتهم فى الأزمات.. كثيرة، فبعد ٥ يونيو ٧٦٩١ وقرار مصر بأن ما «أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة».. شهد اصطفاف ووقفة كبيرة للمصريين بجوار بلدهم .. إذن نحن أمام هدف إستراتيجى واضح ومعلن لكافة عموم المصريين.. أن سيناء التى احتلها العدو الصهيوني.. لن تعود إلا بالقوة والثأر.. هذا الهدف كان له تداعياته ونتائجه وآثاره الصعبة على المصريين.. فالناتج المحلى أو القومى سوف يذهب وبنسبة ٠٨٪ إلى المجهود الحربي.. أى أنه سوف تبقى ٠٢٪ يعيش بها وعليها المصريون.. الحقيقة أن هذا الشعب لم يضجر ولم يسخط.. ولم يعترض.. بل تحمل وصبر وقبل التحدي.. وعاش حياة صعبة.. يقف بالساعات أمام الجمعيات لكى يتحصل على سلعة قد لا يحصل عليها بعد وقوفه فى الطوابير ساعات طويلة.. فاكرين «قرطاس» السكر.. و«قرطاس» الشاي.. كل ذلك على مدار ٦ سنوات حتى تحقق النصر فى ملحمة العبور أكتوبر ٣٧٩١.. واستردت مصر الأرض والكرامة.. وأخذت بالثأر.. ولم يكن الجيش فقط هو البطل.. ولكن الشعب أيضاً هو البطل.. الذى صبر وتحمل وساند.. والتف حول قيادته وجيشه حتى بات الهدف الإستراتيجى الذى كان فى عداد المستحيل واقعاً على الأرض بفضل وحدة وصبر واصطفاف المصريين.
أنا لا أقول إن الأزمة الراهنة التى نعيشها بسبب صراعات ومشاكل واضطرابات إقليمية ودولية وأثرت على الاقتصاد والظروف الحياتية تشبه الفترة «من ٧٦91 – ٣٧٩١» أبداً على الإطلاق فنحن فى وضع أفضل مئات المرات.. كل شيء متوافر.. السلع الأساسية والمعروض منها متوافر بأى كميات.. ليس هناك نقص أو عجز.. أو حتى مشكلة فى تدبير أى احتياجات.. متوافر كل شيء.. فهذا إنجاز كبير فى ظل هذه الظروف حتى وإن ارتفعت أسعار السلع فرغم هذا الارتفاع الدولة لا تحاسب المواطنين بسعر الدولار.. فهى تستورد السلع بالدولار.. ويحصل عليها المواطن بالجنيه.. والدولة تتحمل الفارق.. أى أن المواطن لا يحصل على السلع بسعرها العالمي.. فالدولة لديها قناعة أن المواطن لا يتحمل ذلك.
لا ينطبق على ما بين «٧٦91 – ٣٧٩١».. والأزمة الراهنة.. قول «ما أشبه الليلة بالبارحة» على الإطلاق.. فليس لدينا أى مشكلة سوى مشكلة وحيدة.. هى أزمة الدولار.. وسوف تحل -ولن أقول لو اتحل- لن تبقى أى مشكلة أخرى كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي.. إذن أزمتنا معروفة وواضحة.. ونتعامل معها الآن سواء على المستوى القريب أو البعيد حتى لا تكون موجودة مرة أخري.. أى القضاء النهائى على هذه المشكلة التى تتجدد من حين لآخر.. وهى مدرسة الرئيس السيسي.. يعمل دائماً على القضاء على مسببات أى أزمة.. واقتلاع جذورها.. وبالتالى لن تكون هناك مشكلة.
جيل «ما بعد ٧٦٩١ – ٣٧٩١» تحمل أكثر من طاقة البشر.. تحمل وصبر ورضى وتفانى وأعطى وضحي.. وكان أمامه هدف إستراتيجى وجودى مصيرى واضح لم يقبل إلا بتحقيقه مهما بلغت التحديات والتضحيات.. ومهما بلغ الثمن.. المصريون من أجل ذلك ربطوا على بطونهم.. وشتان الفارق بيننا وبينهم.. لكن عقيدة المواطن المصري.. ومعدنه النفيس لا يتغير أبداً.. وعندما يعى ويدرك ويستشعر الخطر.. ويضع هدفاً أمامه.. فإنه يتضخم مثل المارد.. يصبر ويتحمل.. وليس بعيداً علينا.. عندما قرر الرئيس السيسى تطبيق قرار الإصلاح الشامل الذى ظل عالقاً وغائباً ومجمداً على مدار ٠٥ عاماً.. بسبب الخوف من الشعب وردة فعله.. لكن المصريين عندما وثقوا فى قائدهم وأدركوا أهمية قرار الإصلاح.. ساعدوا والتفوا وتحملوا وصبروا ولكن بعد ثقة ووعي.. وحقق الإصلاح الشامل نتائج وثمار فاقت كل التوقعات.. هذه هى المعادلة.. التى حفظت لمصر أمنها وحضورها وانتصاراتها وأمجادها.. فالأزمات ترحل وتنتهي.. ومصر تبقي.
المواقف كثيرة على مدار التاريخ.. التى تجسد صبر وتضحيات ووعى واصطفاف ودفاع المصريين عن مصر الوطن.. وحقها فى الوجود والتقدم والقوة والقدرة.. وهناك ٠٣ يونيو ٣١٠٢ أعظم معركة خاضها المصريون.. استعادة لوطنهم.. وأشرف ثورة أنقذت البلاد والعباد من براثن مؤامرة شيطانية.. ثم تفويض المصريين لقائدهم مرات ومرات للدفاع عن الوطن والحفاظ على أمنه القومي.. واستقراره.. ثم الانتخابات الرئاسية التى عبرت بالفعل عن جوهر وعقيدة المصريين عندما يعون ويدركون ويستشعرون الخطر.. فرغم الأزمة الاقتصادية إلا أن الشعب شارك بشكل غير مسبوق فى ملحمة وطنية.. عبرت عنها نسبة المشاركة التاريخية التى وصلت إلى ٨.٦٦٪.
لا توجد أزمة تستطيع أن تهزم المصريين على الإطلاق.. ونحن فى وضع ليس بالسيئ على الإطلاق.. ودعونا نؤكد على مجموعة من المبادئ والنقاط المهمة.. كالتالي:
أولاً: على مدار ٠١ سنوات حققت مصر نجاحات وإنجازات ومشروعات قومية عملاقة.. وإصلاحاً حقيقياً فى كافة المجالات والقطاعات والمشروعات القومية فى جميع ربوع البلاد.. وإحداث قفزات وطفرات فى الزراعة والصناعة.. والبنية التحتية والاستثمار والطاقة والرعاية الصحية.. والأمن الغذائي.. ولولا هذه الإنجازات غير المسبوقة ما استطاعت مصر الصمود فى وجه أعتى وأعقد الأزمات العالمية مثل «كورونا» والحرب الروسية – الأوكرانية.. ثم الاضطرابات والصراعات.. وهو ما أدى إلى أن مصر على أرض صلبة.. تستطيع أن تجابه أعراض وتداعيات الأزمات الإقليمية والعالمية.
ثانياً: الدولة شخصت الأزمة فى مصر وحددتها.. ووضعت يدها تحديداً على سبب الألم.. وهو أزمة ومشكلة الدولار.. ووجود سعرين للصرف وليس «سعراً موحداً» أو قل فجوة دولارية.. لذلك الدولة على موعد مع رؤية شاملة ومتكاملة تستطيع من خلال توفير موارد هائلة من الدولار من خلال أمرين:
– زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء من سلع كثيرة بدلاً من استيرادها والعمل على توفيرها محلياً.. فهناك فعلاً خطة لتصنيع ١٥١ سلعة محلياً توفر ٥٢ مليار دولار.
– أيضاً التوقف عن استيراد بعض السلع غير الضرورية وغير الأساسية والتوسع فى عملية التصدير للخارج من خلال تعظيم ثرواتنا ومواردنا.. لذلك لابد من الاهتمام غير المسبوق والتركيز على الصناعة. وتوفير احتياجاتنا من الأجهزة والمعدات وحتى مستلزمات العمليات الجراحية ودعامات القلب.. أو المستلزمات الطبية.. يجرى الآن دراسة العمل على تصنيعها.. أعتقد أن هناك مبدأ مهماً ذكرته فى مقالات سابقة أن الحاجة أم الاختراع ورب ضارة نافعة.. لابد أن نجمع الباحثين والعلماء والصُناع ورجال الأعمال وأصحاب المصانع والمسئولين أصحاب القرار فى مجال الصناعة بمصر.. والسؤال ماذا نستطيع أن نفعل.. وكيف يكون هذا الفعل غير مسبوق.. وكيف نستطيع أن نصل بفاتورة الاستيراد إلى النصف على أقل تقدير.. وهو نفس المعنى للمواطن.. كيف يمكنه الاستغناء عن أشياء غير أساسية.. وكيف يستطيع أن يعد جدول أولوياته.. وفى ظنى أنها أشياء غير مؤثرة فى حياته.. فهناك أمور ذات رفاهية غريبة علينا نحن المصريين وعلى الدولة أيضاً.. أن تفرض أشياء وسلعاً تافهة يمكن الاستغناء عنها ولا نستوردها ولا ندفع فيها دولاراً واحداً.. والحقيقة أننا على بُعد أيام من شهر رمضان.. علينا أن نمنع قائمة «الرفاهيات» من مكسرات وتفانين رمضان.. وفوانيس وسبح وطواقى وسجاجيد.. فالإصرار على شراء مثل هذه الأمور هو إصرار على الإضرار بالوطن.. فى وقت الأزمة خلينا نطرح مبادرات كثيرة.. «وماله البلح واللبن.. وماله العصير والكنافة والقطايف.. حاجة بلدنا.. إللى تربينا عليها».. وبلاها «إفطار جماعي» والعزومات هذا العام.. نعطيها للفقير والبسيط والغلبان».. بأقل القليل نفطر وبلاها إسراف وتبذير.. علشان مصلحة بلدنا.. الدولة لابد أن تحسن أمرها وتكشر عن أنيابها.. ممنوع استيراد أى شيء سوى مستلزمات الإنتاج والحياة.. لكن الإنفاق على توافه الأمور والسلع غير الضرورية فهذا قمة الاستهتار.
فى اعتقادي.. علينا أن نستغل ما فرضته الأزمة.. والأوضاع الإقليمية والعالمية وضرورة عبور المحن والشدائد.. أن نفرض على أنفسنا بعض الأمور التى يُقال عنها إنها قاسية لكن من وجهة نظرى ليست قاسية.. ولا يحزنون بل هى كماليات وسلع غير أساسية مثل الرفاهيات.. بل وربما أزيد فى وضعها أنها تنطع ومبالغة فى المظاهر.. خاصة أننا ننفق الكثير على أمور لا تبدو مهمة أبداً.. ونستورد أشياء لا عائد منها ولا طائل.. وهنا يجب أن نوفر احتياجاتنا محلياً وداخلياً اعتماداً على أنفسنا.. نستطيع أن نطوع ما بين أيدينا.. نجلس سوياً.. كل المعنيين بالأمر.. أو بأمر معين.. على مائدة واحدة.. نسأل ماذا نحن فاعلون.. ماذا عسانا أن نفعل.. ماذا نستطيع أن نفعل؟ لو نجحنا بنسبة ٠٤ – ٠٥٪ فهذا إنجاز كبير فى كل المجالات ونجاح كبير.
ثالثاً: الدولة ترفض الانكماش والانطلاق التام.. وهذا ما يراه بعض الخبراء الاقتصاديين.. نتوقف عن الإنتاج والاستيراد.. وإيقاف المشروعات.. أعتقد أن هذا الطرح لا يجب أن يكون بهذا الشكل.. لكن الأفضل أن نأخذ منه ونرفض بعضه.. فأنا ضد الانكماش وإيقاف المشروعات.. لذلك لو حدث ذلك فأين يذهب الملايين الذين يعملون فى هذه المشروعات وتمثل لهم باب رزق.. لكن الأفضل النظر إلى أنفسنا.. ماذا نحتاج من الخارج وما يحتاجه الخارج منا.. وينقص الكثير من الأسواق فى الخارج لنعمل على توفيرها ونزيد من الحصيلة «الدولارية».. لا سبيل عن العمل والإنتاج والصبر والتضحية.. والتحمل والتحدي.. «فالطبطبة» والخواطر والكلام المعسول لا يخدم فكرة بناء والحفاظ على الأوطان وعلى الشعب أن يتحمل مسئوليته ويشارك فى مسئولية هذا الوطن.. ليس المواطن البسيط فحسب ولكن كل الفئات البسيط والمتوسط والأثرياء والأغنياء.. جميعاً نساعد هذا الوطن ليقف على أرض صلبة بالاستغناء عن أمور يستوردها المقتدرون.. ولماذا لا يقدم المواطن على استخدام وسائل المواصلات مثل المترو وتوفير البنزين.. علينا أن ننظر من جديد فى طريقة حياتنا وقائمة أولوياتنا.. ولا نمضى بطريقة «عادة ربنا لا يقطعها» ماشى ولكن نحن فى ظروف طارئة.. وأزمة طاحنة وظروف عالمية وإقليمية قاسية علينا أن نتعاون ونتلاحم لعبورها.