لا خلاف ولاشك أن حكومة الدكتور مدبولى بذلت جهوداً غير عادية، وحققت نجاحات وإنجازات واضحة فى مجالات عديدة، وعملت فى توقيت صعب وبالغ الدقة، بعد أن تلاحقت الأزمات العالمية والإقليمية سواء من «كورونا» أو الحرب الروسية ـ الأوكرانية، أو التوترات والصراعات الإقليمية، وما أصاب الاقتصاد العالمى بصفة عامة باضطرابات وحافظت على الاستقرار الاقتصادي، وشيدت الكثير من المشروعات والقلاع العملاقة، وجذبت الكثير من الاستثمارات.
حكومة الدكتور مدبولى السابقة أدت دوراً عظيماً فى استعادة حق الدولة سواء فى التعدى على أموال الدولة وأراضيها، أو عدلت عقوداً ظالمة جرت فى العقود الماضية.. ورسخت العدالة وفصلت بين حق الدولة وحق المواطن، بعد عقود الفوضى والفساد، لكن مازالت هناك حقوق أخرى للدولة لم تسترد، وهى فى أشد الحاجة إليها، فطالما أن المواطن يطالب ويحصل على حقه، فالدولة تتولى الإنفاق على احتياجات المواطنين، ولابد أن يكونوا فى هذا الحق سواسية، لذلك فإن الحكومة الجديدة عليها أن تستكمل مشوار نظيرتها السابقة بكل جدية وموضوعية، ونزاهة وشفافية وألا تخشى فى حق الدولة لومة متعد أو فاسد أو متهرب من السداد لخزينة الدولة، وأيضاً مكافحة فساد الموظفين الصغار خاصة بعض موظفى الأحياء، الذين يحصلون على أموال طائلة جراء هذا الفساد، والتفريط فى حقوق الدولة.
الحكومة الجديدة أمامها تحديات كثيرة وأهداف كثيرة أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الحفاظ على محددات الأمن القومى المصري، أو مواصلة الإصلاح، وجذب الاستثمارات، أو بناء الإنسان، أو ضبط الأسواق وخفض الأسعار ومعدلات التضخم أو مواصلة بناء الوعى الحقيقي، والمواطنة، وتجديد الخطاب الدينى لكننى أرى أن هناك أهدافاً أخرى ربما مع كثرة التحديات ننساها ونتغافل عنها ويمكن أن تعيد للدولة حقوقاً مشروعة وأموالاً طائلة، كالتالي:
أولاً: لك أن تتخيل عندما يخبرك الناس أن موظفاً فى أحد الأحياء يحصل على 50 ألف جنيه شهرياً من شارع واحد، لكن لماذا؟، بطبيعة الحال أن عشرات الآلاف من المقاهى المنتشره فى ربوع مصر لا تحصل على تراخيص، وتحقق مكاسب طائلة لأن مستلزمات الإنتاج بسيطة ويتم بيعها للزبون والمواطن بأضعاف أسعارها الحقيقية، يكفى أن أخبرك أن أقل كوب من الشاى بـ 10 جنيهات فى حين يتكلف ملعقة شاى وملعقتيِّ سكر وماء ساخن وناهيك عن قائمة طويلة من المشروبات الساخنة و»الساقعة» والعصائر، التى يحصلون مقابلها على عشرة أضعاف تكلفتها أو أكثر، ويكفى أن أخبرك أن كوب الشاى بلبن فى المقهى البلدى بـ 30 جنيهاً وسعر زجاجة المياه المعدنية درجة عاشرة وصغيرة 10 جنيهات.
ليس هذا فحسب، المقهى يتعدى على حرم الطريق ويضع طاولات وكراسى رغم أن الشارع من حق المواطن، وملك للدولة أو ملك عام لا أعرف تحديداً عدد المقاهى فى مصر، ولكن بالرصد وجدت أنه لا يوجد شارع يخلو من ٥ مقاهى على الأقل وربما أكثر، فى حين أن المقهى لا يسدد أى التزامات للدولة، ويعمل تحت حماية موظف فاسد فى الحي، يحصل منه على الآلاف شهرياً مقابل غض البصر عن عدم الترخيص، وبالتالى صاحب المقهي، لم يسدد رسومات الترخيص ولم يسدد الضرائب، وأترك الأمر للدولة أو الحكومة التى تعمل بنظرية «بتشده ليه علشان يلسعني» وهى نظرية الفنان سعيد صالح، يمكن للحكومة أن تدرك أن المقاهى باتت أمراً واقعياً.. لذلك عليها أن تبحث عن حقوقها فى ترخيص مؤقت سنوى مقابل ما لا يقل عن 20 ألف جنيه سنوياً، لتذهب لخزينة الدولة بدلاً من جيب الموظف الفاسد، ولك أن تتخيل أن صاحب محل يؤجر الرصيف الذى هو أمام محله التجارى للبائع الجائل بـ 300 جنيه يومياً، رغم أنه ليس من حقه ولا يملك سلطة ذلك لأن الرصيف ملك المواطن.
فى ظنى أن عدد المقاهى فى المحافظة الواحدة لا يقل عن 50 ألفاً ويمكن أن يصل إلى 100 ألف مقهى فى المحافظات الكبري.. لأن القرى الآن أصبحت فيها عشرات المقاهي، والدولة لا تحصل على شيء، بل إن المقاهى أصبحت خطراً على شباب القرى خاصة فى ظل ما يتردد عن توزيع المخدرات خاصة «الشابو» على بعض الشباب من خلال التخفى وبأساليب ملتوية يعرفها أهل القري، لكن هل من المعقول أن نترك بعض الموظفين الفاسدين، يحصدون الأموال الطائلة بدون وجه حق فى حين أن الحكومة غافلة عن حقوقها.
ثانياً: قضية أخرى مهمة، يقولون إن «السناتر» أو مراكز الدروس الخصوصية، تعمل فى استثمارات لا تقل عن 100 مليار جنيه سنوياً ويكفى أنها تدمر التعليم، وتضعف من دور المدارس ووزارة التربية والتعليم بل وصلت الأمور إلى التعليم الجامعى الذى يستأجر أباطرة الدروس الخصوصية ـ قاعات يسددون عليها 100 ألف جنيه وأكثر شهرياً مقابل محاضرات أو دروس خاصة لطلاب الجامعات، إذن أين حق الدولة رغم أنها غير مرخصة، ولا تسمح الدولة بوجودها، وتحارب الدروس الخصوصية، إذن لماذا السكوت والصمت على هذه المراكز أو السناتر التى تكسب وتحقق وتستثمر بالمليارات دون أى عائد حقيقى للدولة سواء فى شكل رسوم أو ضرائب، لذلك لابد من القضاء على هذه الفوضي، وإهدار حقوق الدولة، أو تدمير التعليم.
ثالثاً: لابد من تعميم «كروت الشحن» للكهرباء فطالما أن المواطن يشكو من انقطاع التيار، على البعض أيضاً أن يتقى الله فى سرقة التيار الذى هو حق الدولة وهنا لا أعنى فقط الكهرباء أو التيار المسروق فى الشوارع، وعربات الفاكهة أو الباعة الجائلين، أو كسارات الذهب والرخام ولكن أقصد سرقة التيار فى المنازل فمع شدة الحر وتشغيل أجهزة التكييف يقوم البعض بفصل سلك الكهرباء عن العداد، وبالتالى فإن الاستهلاك لا يحسب، ولا يوجد فى الأساس رغم أنه حرام ومجرم، وسحت، لكن لابد من وجود حلول، تعطى للمواطن حقه، وللدولة حقها، لا أقول إن هذا سلوك سائد ولكنه موجود.. وهناك مواطنون لا يقبلون ذلك تماماً بدوافع دينية وأخلاقية ووطنية.
رابعاً: قلنا مراراً وتكراراً، فى مقالات كثيرة ووجهنا الحديث لوزارة التموين، بضرورة إنتاج رغيف خبز سياحى أو حر تحقق منه هامش ربح تقدمه للمواطن الذى ليس له حق فى الخبز «المدعم»، فإذا كانت التكلفة 125 قرشاً، تبيعه للمواطن بـ 150 قرشاً ولكن بجودة ووزن مناسبين، وهامش الربح يذهب لدعم الرغيف «المدعم» لصالح الفئات الأكثر احتياجاً.
وأنا أؤيد تماماً رفع سعر رغيف الخبز إلى 20 قرشاً والذى استمر لمدة 30 عاماً على نفس السعر، فى ظل ضغوط على الموازنة العامة للدولة بسبب تداعيات الأزمات العالمية، لكن فى ذات الوقت يجب حذف 50٪ من قوائم المستحقين للدعم لأن هناك ملايين من أصحاب الأفدنة، والأموال والموظفين الذين يحصلون على مرتبات تزيد على الـ 20 ألف جنيه شهرياً لا يستحقون الدعم أو بطاقة التموين أو رغيف الخبز، وحصولهم عليه حرام ويجب إفساح المجال للأكثر احتياجاً.. لذلك التنقية واجبة.. بالإضافة إلى تمكين الفئات الأكثر احتياجاً اقتصادياً، وإيجاد باب رزق لهم «مشروع صغير» يدر عليهم دخلاً بدلاً من معاشات شهرية وعلينا أن نضع ذلك هدفاً رئيسياً واستراتيجياً.