نحن على بعد أيام قليلة أو ربما ساعات لإعلان تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي.. وإذا كانت الحكومة السابقة قد واجهت صعوبات وتحديات قاسية بسبب تداعيات الظروف والأزمات والصراعات العالمية والإقليمية خاصة الأبعاد الاقتصادية ذات الوطأة الصعبة التى نالت من كل شعوب العالم ومختلف الطبقات خاصة البسيطة والمتوسطة وأصبح الجميع يواجه معاناة عميقة فى ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع مؤشرات التضخم وصعوبات الحياة ومتطلباتها.
من أهم القضايا والتحديات بل وهى الأهم التى تواجه الحكومة الجديدة هى قضية الأسعار وتفاوتها من مكان إلى آخر فقد باتت قضية ارتفاع الأسعار هى القضية الأهم التى تشغل عقول وهموم المواطنين خاصة الفئات الأكثر احتياجاً وأحدثت خللاً واضطراباً فى مستوى معيشة الطبقة المتوسطة وأصبحت تواجه معاناة صعبة.
قضية الارتفاع فى الأسعار التى جاءت من رحم تداعيات الأزمات العالمية والإقليمية ليست قضية وزارة بعينها مثل وزارة التموين مثلاً.. فدورها مجرد موزع أو مستورد للسلع لكن هى قضية حكومة بكافة وزاراتها وأجهزتها.. لا يجب أن يقوم دورها على مجرد توفير السلع باستيرادها من الخارج فى ظل الارتفاع العالمى غير المسبوق فى أسعار السلع والطاقة.. وهذا الوضع يفرض علينا معالجة من بعد آخر أكثر شمولية فى التعامل مع القضية من جذورها.. لذلك أتوقف عن إعلان الحكومة أنها أفرجت عن سلع وبضائع من الجمارك بقيمة 17 مليار دولار منذ شهر أبريل الماضى وهو رقم كبير للغاية فى ظل احتياجنا للعملات الصعبة وخاصة الدولار.. لذلك التوقف عند هذا الرقم الكبير بل وأرقام أكبر منه منذ يناير الماضى هو مفتاح الحل لقضية ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخيم من وجهة نظري.. ومن ثم علينا استكمال الطريق والرؤية التى بدأها الرئيس عبدالفتاح السيسى على مدار السنوات الماضية وهى تعتمد على العمل والإنتاج والتوسع الزراعى والصناعى وتعميق وتوطين الصناعة وتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتى والاعتماد على المنتج المحلى بنسب غير مسبوقة ويعمق صناعة الزيوت فى مصر والتى تستورد منها مصر أكثر من 90٪ وكذلك التوسع فى زراعة البنجر لتوفير المياه وأيضاً تحقيق الاكتفاء من السكر.
فى الحرب على ارتفاع الأسعار المعالجة لا يجب ان تقتصر فقط على تحقيق ضبط الأسواق وتفعيل الرقابة ومكافحة الجشع والاحتكار والمغالاة وهى أمور ضرورية وحتمية ولكن لابد من معالجة شاملة من الجذور وأساسها زيادة الإنتاج ومعالجة النقص والعجز فى بعض المجالات والقطاعات من خلال أهداف واضحة ورؤية محددة وواقعية تستطيع ان تصنع الفارق.
لابد من التعرف الجيد على احتياجاتنا وما هى أكثر السلع ومستلزمات الإنتاج التى نحتاجها ونستوردها ولماذا لا نفكر فى ايجاد بدائلها فى الداخل من خلال توطين الصناعة.. ومصر قطعت شوطاً كبيراً فالمبدأ المعروف انه كلما استمر الاعتماد على الخارج فى توفير الكثير من الاحتياجات والسلع تأثرنا بموجات الاضطرابات والأزمات والصراعات العالمية والإقليمية ولن يحمينا إلا الاعتماد على الداخل والإنتاج والمنتج المحلي.
قراءة بنود وتفاصيل الـ17 مليار دولار فى شهرين تقريبا تأخذنا إلى معرفة أكثر ما نحتاجه وفى ظنى أن جل التركيز وعلى رأس الأولويات فى الفترة القادمة هى الصناعة والإنتاج وتعظيم المنتج المحلى والتفكير والاهتمام بسد أوجه النقص والعجز والاعتماد على الذات فى توفير البدائل من هنا يمكننا أن نخفف من وطأة قضية ارتفاع الأسعار المتأثرة بعواطف الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية وتنخفض من الاعتماد على الدولار.. الصناعة والزراعة وتشجيع الأفكار والابتكارات والإصرار على تحقيق الأهداف والنتائج والتشاركية بين الحكومة والمجتمع والقرية المصرية فى توفير احتياجاتنا من خلال أفكار من خارج الصندوق باسناد كل قرية لمشروع معين يمكن ان يسد نقصاً أو عجزاً ونضع مجموعة أو قائمة من النشاطات مثل «الدواجن» والثروة الحيوانية والمزارع السمكية الصغيرة فى المدن الساحلية باستغلال هذه السواحل وبإشراف وخبرات حكومية.
لماذا لا تساعد الحكومة المصانع والشركات على توسيع نشاطها وزيادة إنتاجها أو دخول الاستثمارات الصغيرة أو المستثمرين من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى تعاون مع المصانع الكبرى ونضمن النجاح لوجود خبرات القائمين على هذه المصانع بدلاً من التشتت والانعزالية.. نركز على فكرة (الكيانات العملاقة) فى مجالات معينة سواء الصناعات الغذائية وبنظام المشاركة أو الأسهم بضخ رءوس أموال جديدة وأيضاً بتشجيع ودعم حكومي.. نحن نريد ان نحل أزماتنا وتحدياتنا من خلال التعاون فيما بيننا ومبدأ الجميع رابح أو هناك من يريد اكتساب خبرات ومعرفة بتفاصيل إدارة المشروعات والتعرف على مراحل الإدارة والإنتاج والتسويق.. لماذا لا تتبناهم المصانع الكبرى والعملاقة لاكسابهم الخبرات وبالتالى تمكنهم من إقامة مشروعات توفر لها الإدارة الناجحة والخبرات والقدرة على النجاح.. وتكسب كدولة وحكومة منتجاً جديداً أو سد العجز فى بعض السلع لابد ان نتقارب.. حكومة وقطاع خاص وشباب وخبراء لايجاد حلول لهذه التحديات.. بالإضافة إلى اطلاق يد الجامعات فى إقامة مشروعات إنتاجية وخدمية من خلال استثمار الخبرات والكفاءات والامكانيات والقدرات الهائلة والسؤال.. لدينا كم كلية زراعة فى مصر وكم كلية هندسة واخواتها وكم من الجامعات والكليات التكنولوجية والتطبيقية وأيضا كليات الطب والمستشفيات الجامعية.. هل هناك حضور أو رؤية فى الاستفادة بشكل مختلف واستثنائى يتسق مع التحديات الجديدة التى نمر بها بسبب تحديات وتداعيات الأزمات العالمية والإقليمية.. هل هناك تنسيق بين الجامعات المصرية؟.. هل هناك فكر اقتصادى وصناعى وزراعي؟.. هل نحتاج إلى تشريعات جديدة؟.. فى النهاية مصر هى المستفيدة.. والمواطن أيضاً من تعدد جهات الإنتاج وتوفير السلع والاحتياجات محليا.. وهل رصدنا وحددنا ما نستورده من الخارج؟.. وهل خططنا لكيفية توفيره محليا؟.
تحدى ارتفاع الأسعار وخفض تكلفة متطلبات الحياة بالنسبة للمواطن وتخفيف المعاناة عنه هى التحدى الأهم للحكومة الجديدة ولديها فرص كثيرة وبنية قوية ومقومات نجاح جاءت بها تجربة الـ10 سنوات بناء وتنمية فى كافة المجالات والقطاعات.. والفرصة سانحة للجميع للانطلاق.. ولكن بالأفكار الخلاقة والعمل بآليات وأساليب تتسق مع متطلبات الواقع المتأثر بموجات عنيفة وتداعيات قاسية لأزمات وصراعات عالمية وإقليمية.
تحيا مصر