معايير «النصر والهزيمة».. الأهداف والنتائج
هناك أهداف معلنة وأخرى غير معلنة للعدوان الإسرآئيلى الهمجى على قطاع غزة، فالمعلن هو تدمير حماس والافراج عن الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين لديها، أو لدى باقى فصائل المقاومة الفلسطينية، والسيطرة على قطاع غزة حتى وصل الأمر إلى تحويلها إلى مستوطنات مع وجود عسكرى إسرائيلى دائم فى القطاع.
الجانب الأخطر، هو الأهداف غير المعلنة ولكنها هى أسباب العدوان البربرى والوحشى وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال على الفلسطينيين فى قطاع غزة حيث دمر 70٪ من منشأتها ومبانيها، وقضى على مقومات الحياة فيها، فلا مرافق ولا خدمات، واستهدف وقتل المدنيين الابرياء خاصة الأطفال والنساء وتجاوزت اعداد الشهداء ما يزيد على 36 ألف شهيد، وتجاوزت اعداد المصابين أكثر من 80 ألف مصاب كل هذا الدمار والخراب والإفراط غير المسبوق فى استخدام القوة العسكرية لم يحقق أى أهداف سواء المعلنة أو غير المعلنة.
الأهداف غير المعلنة التى تصف بالنسبة للكيان الصهيونى بأنها أهداف استراتيجية وهى تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير سكان غزة خارج القطاع من خلال القضاء على مقومات الحياة، ومواصلة التدمير والقتل والقصف على مدار الساعة من أجل اجبارهم ودفعهم نحو الحدود المصرية لتحقيق الهدف الصهيونى الخبيث وهو محاولة توطينهم فى سيناء المصرية.. وهو ما واجهته مصر بحسم قاطع واعتبرته «خط أحمر» يمس أمنها القومى الذى لا تهاون ولا تفريط فى حمايته، وأنه تهديد مباشر للأمن المصرى أو السيادة المصرية، ونجحت مصر باقتدار فى فضح نوايا وأهداف الصهاينة الخبيثة، وايضا نجحت بإقتدار وقوة وقدره فى إجهاض هذا المخطط، ويقيناً وستبقى سيناء خطاً أحمر.
أى حرب لابد أن تكون لها دوافع وأهداف، اذا تحققت فهذا هو النصر، واذا فشلت فهذه هى الهزيمة، بمعايير النصر والهزيمة فإن إسرآئيل لم تحقق أى هدف سواء معلن أو غير معلن، لم تنجح فى فرض الأمر الواقع، بل تكبدت خسائر فادحة على كافه المستويات والاصعدة، عسكرياً استنزاف وتكلفة باهظة فى الأرواح والآليات والمعدات وسقطت نظرية جيش الدفاع الذى لا يشق له غبار فعلى مدار 8 أشهر سقط جيش الاحتلال فى المستنقع ولا يدرى كيف يخرج منه، وأظهر حالة من الخوف والذعر بين ضباطه وجنوده، وفشل منظومات تسليحه المتطورة خاصة القبة الحديدية، وعلى الصعيد الاقتصادى فإن التقارير ولحديث رئيس البنك المركزى الأمريكى وتقرير بلومبيرج يشير إلى 68 مليار دولار تكلفة العدوان على غزة ناهيك عن باقى الديون مع تراجع فى كافة الأنشطة الاقتصادية السياق، والانتاج والاستثمارات حتى شركات السلاح الإسرائيلية تم طردها من معارضة عالمية واخرها فى فرنسا بسبب احتجاجات شعبية أجبرت باريس على التراجع وطرد الجانب الإسرائيلى أما على الصعيد الدولى والعالمى وعلى مستوى الرأى العام الدولي، فالفضائح والعزله حدث ولا حرج، باتت اسرائيل معزولة إقليمياً ودولياً وسقط قناع الشيطان عن وجه قبيح يتشدق بالقوة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان على درب الراعى الرسمى الأمريكى لشيطان وسرطان المنطقة وهو الكيان الإسرائيلي.
بكافة الحسابات والتقديرات، وبواقعية الفشل الذريع، والانفاق العسكرى والخسائر الاقتصادية والمادية والأدبية والمعنوية فإن إسرائيل خسرت الحرب، ولم تحقق أى نجاح، تلك هى النتيجة الحقيقية والحصيلة الرئيسية على مدار ما يقرب من 8 أشهر.
فلسطين رغم اعداد الشهداء والمصابين والدمار الهائل، انتصرت وحققت العديد من المكاسب، على المستوى العسكرى من خلال الصمود والقدرة على توجيه ضربات مؤلمة، بل والقدرة على مواصلة القتال على مدار ما يقرب من 8 أشهر بل واستمرار إطلاق الصواريخ إلى عمق إسرائيل وعلى المستوى السياسي، والدولى والعالمي، فإن القضية الفلسطينية التى حاول الكيان الصهيونى وشركاه بتصفيتها إذا بها أهم قضية فى العالم وهى الشغل الشاغل الان للعالم وقد اعترفت 143 دولة بحق فلسطين فى العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، وايضا اعترفت دول أوروبية وغيرها من دول العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة، وهناك تضامن مع جنوب افريقيا ــ سواء مصر أو تشيلى أمام محكمة العدل الدولية، واعتبار أن نتنياهو ويؤاف جالانت مجرمى حرب والقضية الفلسطينيية لآن فى حالة غير مسبوق من التوهج، والحقيقة أن الفضل فى ذلك يعود للدبلوماسية الرئاسية المصرية، والنشاط السياسى الخلاق للدولة المصرية على مستوى العالم، بعد أن تحولت القاهرة لخلية عمل تستقبل كافة زعماء العالم، وهى ايضا تأتيها اتصالات كبار زعماء وقادة العالم، ولم تفوت أى فرصة فى قمم ومحافل دولية وعربية إلا وتحدثت بموقف مبادئ ثابتة لم تحد عنها ابدأ وهى الحق المشروع للاشقاء الفلسطينيين فى اقامة دولتهم المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 والرفض القاطع والحاسم لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير سكان غزة أو التوطين على حساب الأمن القومى المصرى ورفض مصر لتوطين الفلسطينيين ليس فقط للحفاظ على أمن مصر القومى أو عدم السماح لأى من كان بانتهاك سيادتها ولكن ايضا حفاظاً على القضية الفلسطينيية وحقوق الأشقاء المشروعة، وهذا موقف فى منتهى الشرف.
قلت من قبل «أن النصر صبر ساعة» وأن ما يجرى هو محاولة لإستدراج مصر وجرت محاولات للضغوط والابتزاز والاملاءات والاغراءات لكن مصر ــ السيسى كانت ومازالت صامدة مثل الجبل الشامخ لا تحيد عن مواقفها ومبادئها، وأدارت القيادة المصرية، الموقف، بعبقرية وحكمة وتقديرات موقف وحسابات دقيقة من هنا أطرح السؤال المهم، من هو المنتصر فى النهاية، التى تبدو فى الأفق الآن بعد أن اقدم الرئيس الأمريكى جو بايدن على طرح المقترح الذى قال فى البداية انه إسرائيلي، واقتراب الفصل الأخير من العدوان من نهايته خاصة فى ظل بوادر إيجابية فلسطينية وإسرائيلية عن احتمالات قوية بقبول الطرفين للمقترح الامريكى الذى يضم مبادئ ومعايير الطرفين ويحفظ ماء وجه إسرائيل بعد السقوط فى مستنقع الهزيمة والفشل، وايضا يحقق اهداف بايدن فى الداخل الأمريكى مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وتراجع فرصه فى ظل انقلاب الرأى العام الأمريكي، ومقترح بايدن لم يختلف عن الورقة المصرية التى زعمت إسرائيل واطلقت العنان للأكاذيب والإدعاءات عنها.
اقول وبفخر، مصر انتصرت وبجدارة فجميع أهداف إسرائيل سواء المعلنة وغير المعلنة لم تتحقق، وأجهضت مصر كل هذه الأهداف، فلا القضية الفلسطينية تعرضت للتصفية، ولم يتم تهيجر الفلسطينيين خارج قطاع غزة، ولم يتم توطين الفلسطينيين فى سيناء، إذن مصر تحقق أهدافها بالسياسة، والدبلوماسية والأوراق والدور والثقل والحكمة، دون إطلاق رصاصة واحدة ودون أن تتورط أو تستدرج، وهذه أهمية وعبقرية الصبر والإتزان الاستراتيجي، والحكمة، وايضا «صبر ساعة» فالدول العظيمة لا تدار بالاهواء والعواطف والاندفاع والتهور، لكنها تعرف كيف تتعامل، وكيف تنتصر دون أن تتورط، القوى هو من يستطيع ضبط، نفسه عن الغضب، انتصرت مصر، ومعها وبعقلها القضية الفلسطينية، انها مصر السيسى اذا أرادت فعلت، وهذه فلسفة القوة والقدرة الشاملة، وتلك هى قيمة العظماء.