لا شك أن مبدأ الحق والواجب، أو الحق مقابل الواجب، أحد أهم المبادئ العادلة التي تسهم في إصلاح المجتمع، فديننا الحنيف يؤكد على الوفاء بالحقوق المتقابلة، حيث يقول الحق سبحانه : «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة: 228)، ويقول سبحانه في الحديث القدسي: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ» (رواه البخاري( ويقول نبينا صلى عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: «ألا وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا» (سنن الترمذي)، وخطب الإمام علي )رضي الله عنه( يوما، فقال: «أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقًّا بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ اَلْحَقِّ مِثْلُ اَلَّذِي لِي عَلَيْكُمْ، وَاَلْحَقُّ أَوْسَعُ اَلْأَشْيَاءِ فِي اَلتَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي اَلتَّنَاصُفِ، لاَ يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ».
ورأي بعض الناس رجلا مسنًّا يزرع نخلة لا ينتظر أن يجني شيئًا من ثمارها في حياته، فقيل له: وهل تنتظر أن تدرك جني ثمارها؟ فقال الرجل: زرع من قبلنا فحصدنا، ونحن نزرع ليحصد من بعدنا، «افعل ما شئت كما تدين تدان».
والقاعدة: أن من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل، وأن العقد شريعة المتعاقدين، وقد أمرنا رب العزة بالوفاء بالعقود، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (المائدة:1)، وحذرنا سبحانه من خيانة الأمانات في العمل أو في غيره، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الأنفال: 27)، فديننا الحنيف قائم على مراقبة الله )عزوجل( في السر والعلن قبل مراقبة الخلق، لأن الخلق إن غفلوا عن المراقبة أو المتابعة، فهناك من لا يغفل ولا تأخذه سنة ولا نوم، حيث يقول سبحانه: «اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ» )البقرة: 255)، ويقول )عز وجل( «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» )المجادلة : 7)، ويقول سبحانه: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ» )الأنعام: 59)، ويقول على لسان لقمان )عليه السلام( مخاطبًا ولده «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» )لقمان: 16) .
فما أحوجنا إلى ترسيخ مبدأ الحق مقابل الواجب في كل مجالات حياتنا وعلاقاتنا، وبخاصة في مجال العمل، وفي مجال علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، إذ لا يمكن للحياة ولا العلاقات أن تستقيم من جانب واحد، فيكون أحد الشقين معتدلا والآخر مائلا، إنما تستقيم الأمور باستواء الجانبين معا ، نؤدي الذي علينا حتى يبارك الله )عز وجل( في الذي لنا.