ما بين قازان وريو دي جانيرو كانت مصر حاضرة تعبر عن نفسها وتطرح رؤيتها للقضايا الإقليمية والدولية وتقدم أفكارها وتصوراتها المستقبل العالم.
في مدينة قازان بروسيا كان الحضور الأول لمصر كعضو في تجمع «بريكس»، الذى تمثل دوله نحو 40 بالمائة من الاقتصاد العالمي، انضمام مصر للمجموعة لم يكن سهلا ولا مجاملة، دول كثيرة طلبت الانضمام ولكن تم ارجاء القرار بشأنها، لأن شروط التجمع لا تنطبق عليها، وكون مصر انضمت فمعناه ببساطة أنها استوفت ما يجب من شروط لتكون عضوًا مهمًا بل وصف الرئيس الروسى وجودها بأنه يدعم مسارات عمل التجمع ويساهم في تعزيز دوره.
في قازان كان الحضور الرسمى الأول لمصر قويًا، والرؤية مختلفة وتحمل أفكارًا جادة وجديدة من أجل عالم متعدد الأطراف أكثر وعدالة ومساواة.
أما في ريو دى جانيرو فقد جاء الحضور المصرى في قمة العشرين ترجمة لحضور آخر مهم، حضورها على المستويين الإقليمي والدولي، كرقم لم يعد ممكنا تجاوزه، وكانت مصر كما العادة متميزة في الحضور، بوضوحها ودفاعها عن قضايا العالم النامي من منطلق مبادئها الراسخة، وحديثها بلسان دول الجنوب، وطرحها لخارطة طريق دولية لمكافحة الفقر والجوع في إطار التحالف العالمي لمكافحة الجوع الذي طرحه الرئيس البرازيلي دا سيلفا.
في القمتين يمكن ان نتحدث عن حضور دول تمثل 90 بالمائة من العالم اقتصادا وسكانا وتأثيراً، قمتان تجسدان بمعنى أو بآخر إدارة العالم وصناعة القرار فيه، وعندما تشارك مصر في القمتين فهي حاضرة لأنها بالفعل أصبحت جزءًا من صناعة القرار وأحد المؤثرين في السياسات الدولية والإقليمية، وبالطبع لم يأت هذا من فراغ وإنما نتيجة بناء حقيقي على مدار سنوات ماضية كان أحد أهدافه المعلنة منذ أول يوم استعادة مصر لمكانتها وتأثيرها ونفوذها إقليميًا ودوليًا، ولم يكن هذا ليحدث بالكلام فقط ولا بالمواقف السياسية وحدها ولا التحركات الدبلوماسية وإنما بالقوة المتكاملة التي أصبحت تمتلكها الدولة في طريق السعى إلى امتلاك القوة الشاملة، وهذه القوة المتكاملة جاءت من خلال إصلاح اقتصادي تحقق حتى إن كانت تداعياته الوقتية صعبة لكنه يقود إلى دعم قدرات الدولة وصلابة اقتصادها وتماسكها لصالح المواطن، وأيضا القوة العسكرية الرادعة التي تفرض الاحترام على الجميع وتحمى مصالح الدولة وشعبها فى عالم لا يعترف بالضعف، ثم الرؤية الشاملة ومهارة إدارة ملف العلاقات الدولية بتنوع واستقلالية، والتعامل مع القضايا الإقليمية والعالمية بعقلانية وموضوعية.
لا شك أن حضور مصر في قمتين بهذه الأهمية في توقيت بالغ الخطورة تتغير فيه أدوات المنافسة وتتجاوز فيه الصراعات كل الخطوط المتعارف عليها.. يعتبر رسالة مهمة بأن مصر خلال السنوات العشر الماضية صنعت الاختلاف وطورت إمكاناتها ونجحت فى أن تعيد صياغة دورها وفق التطورات العالمية فاستحقت أن تكون وبشكل دائم بين الكبار اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ويجب التوقف هنا أمام نقطة مهمة وهي أن هذه هي المرة الرابعة التي تشارك فيها مصر فى قمة العشرين وكلها مع الرئيس السيسي خلال السنوات السبع الماضية، وهذا ليس صدفة ولم يكن دعوات ودية من الدول المضيفة للقمم وإنما تقدير واحترام لما حققته مصر، ودورها الكبير.
الأهم أن مصر قدمت نموذجا مهما في كيفية استثمار هذا الحضور، فطرحت بعمق وقوة القضية الفلسطينية وخطورة ما يحدث على استقرار وأمن المنطقة بل والعالم كله، وحددت بوضوح طريق الحل الذى يجب أن يتحرك فيه الجميع وهو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
كما شرحت للعالم معاناة شعوب الدول النامية بسبب الأزمة الاقتصادية والتغيرات المناخية وخاطبت الدول الكبرى بالقيام بدورها في دعم الدول الأكثر فقرا والأقل نموًا.
كما استطاعت مصر في القمتين أن تقدم نفسها كنموذج تنموى جدير بالمتابعة، سواء في خطط البناء أو مكافحة الفقر «حياة كريمة» و«المبادرات الصحية» أو دعم الأكثر احتياجا «الحماية الاجتماعية» أو تحقيق رؤية الأمن القومى ومكافحة الإرهاب أو الالتزام بمبدأ السلام كخيار استراتيجي.
الحضور المصرى فى أهم قمتين فى العالم هو حصاد جهد كبير وبناء عبقرى لدولة كانت قبل 11 عامًا تكاد تخرج من باب العالم الضيق بسبب انهيارها اقتصاديًا وسياسيًا على يد جماعة خائنة، وهذا يستوجب أن نقدر جهد ورؤية رئيس وطنى كافح من أجل انقاذ وطنه واستعادة مكانته المستحقة.