وسط ضجيج متواصل يحاصر الآذان، وُلدت فرقة “الحضرة” لتحيي تراثًا لا تغيب شمسه، وتبعث في القلوب نبضًا صوفيًا خالصًا.. منذ تأسيسها، حملت الفرقة على عاتقها رسالة سامية، تمثلت، إلى جانب الإنشاد الديني، في بعث أجواء الحضرات الصوفية في رحاب المسارح؛ لتستحضر روح الأولياء وأهل الذكر في نسق فني فريد.
وموسيقى “الحضرة” تنبع من الأعماق.. من أنفاس المحبين وأصوات المنشدين الذين يتماهون مع كلمات ابن الفارض، والبوصيري، والحلاج، فتصير الأناشيد نوافذ للروح، وتصبح الابتهالات مدارات تدور فيها القلوب؛ بحثًا عن النور..
تعتمد الفرقة على الإنشاد الجماعي، ذلك الصوت الواحد الذي تنصهر فيه الأصوات الفردية، مترافقة مع إيقاع الدفوف الشجي، وهمسات العود.. وكأنها تعيد تشكيل سيمفونية صوفية تُلهم المستمع وتُحلق به في فضاءات العشق الإلهي.
لم تبقَ “الحضرة” أسيرة الزوايا الضيقة وحلقات الساحات، بل انطلقت الفرقة إلى رحابة المسارح، حيث استقبلتها دار الأوبرا المصرية، واحتضنتها ساقية الصاوي.
كما فتحت لها مكتبة الإسكندرية أبوابها مرحبة بذلك الفن الراقي.. رحلات الحضرة امتدت أيضًا إلى خارج مصر، فحملت الفرقة رسالة الصوفية المصرية إلى المهرجانات الدولية، ناشرة أطياف الروحانية في آفاق لم تعتد الاحتفاء بهذا اللون من الفن الجميل.
الصدق وحده هو سرّ القبول الذي يجعل فرقة “الحضرة” ملتقى لمختلف الفئات، من الشباب الباحث عن جذوره، إلى الشيوخ الذين يستعيدون ذكريات الحضرات القديمة.. ذاك النور الخفي الذي يطل من أعين المنشدين، وينساب من أصواتهم، حين ينشدون: “دايما على الخاطر.. دايما في النية.. سيدنا النبي حاضر.. اتهني يا عنيا.. أدعج كحيل العين.. والكحل رباني.. حريص علينا ضمين.. والأصل عدناني”.
لا تملك ـ حينئذٍ ـ إلا أن تنطلق بصحبتهم نحو عالمهم الروحاني الخاص.
إلتقينا الفنان المنشد عمر مسعد ـ مدير فرقة الحضرة ـ الذي أوضح أن نشأة الفرقة تعود إلى عام 2015، حيث كانت البداية بين مجموعة من الأصدقاء تجمعهم تجارب فنية، اجتمعوا على إنشاء كيان فنى يقدم المدائح الصوفية، مضيفًا: فى أول الأمر لم تكن المدائح لدينا اتخذت اتجاهًا واضحًا، ثم بدأ الأمر يتبلور من خلال التفاعل بين المنشدين وباختلاف خلفياتهم وطرقهم ومشاربهم ليكون لنا مديحنا الخاص بلون وشكل معين واضح إلى أن تم الاستقرار بعد عدة شهور من انطلاق الفرقة على تقديم المدائح المصرية التي تتردد فى الساحات والمساجد فى الطرق الصوفية بحيث يكون لكل ما نقدمه على المسرح أصل شعبي.
فالمدائح التى نقدمها هي تراث مصري ديني شعبي أصيل يُقدم فى صورة قالب موسيقي جميل وخفيف على الأسماع، وفى الوقت نفسه يحمل رسالة مهمة هي المحبة والتودد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآل بيته، وهى “الخلطة الفنية” المستمرة حتى الآن.
وحول أعضاء الفرقة يوضح الفنان عمر مسعد: تتكون الفرقة الآن من 8 منشدين هم الفنانون أشرف مغازى، ومعاذ الجعفرى، وباسم جمال، وخالد أسامة، وبلال رأفت، وعبد القدوس عكاشة، ومحمد عبد العزيز النقشبندى وأنا، بالإضافة الى الموسيقيين سعيد طلعت عازف العود، ويحيى عمر عازف الكمان، وكذلك مصطفى عبد الله وأحمد القط ووائل عازفى الإيقاع، ود. حاتم عازف الناي، وأحيانا يكون معنا أيضًا الفنان سيف عازف الكيبورد.
وبسؤاله حول الفئات العمرية التى تمثل الشريحة الأكبر من جمهور الإنشاد الدينى فى مصر يجيب “مسعد”: مع الوقت بدأنا نكتشف أن جمهورنا متنوع جدًا، حيث يستمع إلينا جمهور من كل الأطياف ومختلف الأعمار والخلفيات الثقافية، ولكل فئة لونها المفضل في الإنشاد، فهناك من يميلون إلى الأنشودات الطربية، وهناك من يفضلون اللون الشعبي الخفيف، بينما يستمتع آخرون بأنشودات العشق الإلهي بشكل أكبر، لكن هناك قصائد يجمع عليها الجميع منها:”مدد يا سيدة”، و”دايما على الخاطر”، و”هنا الحسين”، وغيرها.
ووفقا لـ عمر مسعد ـ مدير فرقة الحضرة ـ فإن: فن الإنشاد يجد صدًى كبيرًا حاليًا لدى الشباب، ونفاجأ أحيانًا بمدى تفاعلهم معنا، لكن الأمر يتطلب جهدًا وبحثًا دائمين ليظل الجمهور مقبلًا على ذلك الفن، وفى النهاية فإن جودة ما يُقدم للناس هى الفيصل فى الأمر، وتراثنا الديني المصري ثري جدًا ويستحق منا أن نجتمع حوله ونعمل على إحيائه والانتفاع منه وألا ننفصل عنه.. حينها سندرك روعة ديننا وجمال بلدنا، كما سندرك أيضًا أن لنا كمصريين بصمتنا الخاصة فى كل المجالات.