منصور» الشاب المختار الفدائى الذى اختاره حسن الصباح ليقتل أكبر أعدائه – حسب قوله – وهو الامام ابو حامد الغزالى ولكن هذا الشاب تحول من قاصد لقتل الغزالى الى مريد للرجل وعلمه وفكره المعتدل.. وعرف وتعلم مدى فساد اعتقاد وفكر الحسن بن الصباح.. فما كان من زعيم الحشاشين- اخطر الجماعات السرية- الا انه استدعى اهم رجاله وأقواهم (برزك أوميد) لقتل المنصور الشاب التائب عن فكر الحشاشين الفاسد، حيث انه من وجهة نظره هو الخطر الحقيقى عليهم، حيث انه عاش فى قلعة «آلموت» ويعرف الكثير عنهم.
وهذا هو ديدن كل الجماعات السرية باستهداف اى عضو بها عرف وعلم بفساد وخطأ عقيدتهم إما بالقتل الحقيقى او المعنوي.. وجاء الحوار بين برزك أوميد والمنصور يؤكد ذلك فقال له «المنصور» : لماذا لم تقتلنى غدرا كما تعلمت؟، فيجيبه «برزك» : حتى أرى عينيك وهى فى طريقها إلى جهنم.. وتنتهى المعركة الحامية بينهما بقتل المنصور.
اسلوب الجماعات والتنظيمات السرية فى التعامل مع اتباعهم وضحه الحسن بن الصباح وكل حسن بعده حينما يقول لأحد اتباعه: «أسمع منى أنا، لأنى بقولك الحق، ولم ولن تجد الحق غير عندي، ومن يخالفونى باطل وأباطيل».. تلك الجملة معبرة ومختصرة لسياق فهم شيوخ الجماعات لأتباعهم، وقيادات التنظيمات لعناصرهم.
فإن قادة تلك التنظيمات السرية يُشكلون وجدان عناصرهم على معتقدات لا تقبل المناقشات، ويزرعون بداخلهم مبادئ لا تتزحزح، ويدسون بقلوبهم وجهات نظر كأنها صحيح الدين، تتمثل فى أنهم هم فقط الفرقة الناجية الظافرة بنعيم الجنة وغيرهم فى النار وبئس المصير، حتى لو كان غيرهم الجميع.
حسن الصباح الذى يجسده ببراعة النجم كريم عبد العزيز تجد فى خطاباته لمن حوله بقلعة آلموت وتحديدا زيد بن سيحون وبرزك أوميد، نوعية كلمات وجمل تظهر أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنه يُدخل من يشاء الجنة ويدخل من يريد النار، ليس هذا فسحب بل أنه ينتظر من يكلفه- من الفدائيين- بالأعمال القذرة والاغتيالات، على باب الجنة حال الانتهاء من العملية الدموية والتصفية الجسدية لأعدائه.
فحسن الصباح زعيم الحشاشين، غسل ادمغة تابعيه بأنه يمتلك مفتاح الجنة، وهو أسلوب أو نهج رؤساء التنظيمات السرية، فهم يمتلكون الطريقة التى تمكنهم من إقناع أتباعهم بأن حُسن المصير وسوء المصير فى أيديهم، وعندهم استطاعة رهيبة فى غسل أدمغة أتباعهم وإقناعهم بأن كل من خرج عن إطار تنظيمهم هم كفار أعداء الله، ولذا أموالهم ودمائهم حلال، بل سفك دماؤهم عبادة يمكن التقرب بها إلى الله.
لقد استطاع العمل تحفيز البحث والتفكير عند المشاهد حتى ذلك الذى لم يقرأ ولم يعرف التاريخ وحسنا فعل صناع (الحشاشين) بأن تكون لغة العمل بالعامية المصرية، كما ان المؤلف عبد الرحيم كمال أعلن ان العمل بالاساس هو عمل فنى مستوحى من التاريخ وهذا مكتوب على التتر.. ولقد قرأت للمؤلف جملة مهمة بأنه ليس مؤرخا، ورغم ذاك لا يتجاهل الأحداث التاريخية المحورية، ولكن لديه هامش فى السرد والخيال، فهو حسب وصفه «دراماتورجي» أى أنه يجمع ما بين الأمرين فى سرد حكاية حسن الصباح.
فالمشاهد لم يكتشف تنافرا فى المسلسل، كما هو الحال فى أى دراما تاريخية ناضجة، بين استلهام شخصية من التاريخ، واستلهام شخصية من الخيال، وهذا بالضبط دور «الدراماتورجي» الذى يكتب دراما بالأساس، ويعيد بناء وهضم وصياغة كل ما قرأ من مراجع، حيث يهتم المؤرخ أكثر بالحدث وبالنتيجة، ولكن كاتب الدراما يسأل عن دوافع السلوك، وعن طبيعة الشخصية، وعن لحظات التحول، يتوقف كاتب الدراما طويلا عند الظروف والملابسات، وعند الإنسان ككائن معقد، لا يمكن تلخيصه فى سطرين، أو فى معركة حربية انتصر أو انهزم فيها.
فالدراماتولوجى او كاتب النص الدرامى يستدعى التاريخ من باب الأسئلة المعاصرة، وهو لا يريد أن يكون مؤرخا، ولكنه يطرح أسئلة تشغله، من خلال أحداث التاريخ، ويمتلك بصيرة نافذة فى قراءة الحاضر والمستقبل أيضا، مثلما حدث مع وحيد حامد ورؤيتة المذهلة فى فيلم «طيور الظلام»، التى تحققت حرفيا فيما بعد.
السجال الدائر خاصة مع بداية عرض الحلقات الاولى من المسلسل هى دلالات نجاح.. تؤكد مهارة صانعى المسلسل التى تقودنا إلى مهارة مخرجه بيتر ميمي، وبراعته فى استخدام التقنيات التى توازى ثقل النص الدرامي، تجلى ذلك فى الصورة البصرية المتكاملة «الصورة، الديكور، الملابس، الماكياج، الجرافيك، المونتاج» وكافة العناصر الفنية التى تسهم فى تغذية الخيال وتحرض على التأمل، هذا غير الأداء التمثيلى الذى يبين قدرات الممثلين وتغيير جلدهم، قد يتضح هذا مع كريم عبد العزيز فى دور حسن الصباح، أحمد عيد فى دور زيد بن سيحون، فتحى عبد الوهاب فى دور نظام الملك، وإن تفاوت أداء نيقولا معوض فى دور عمر الخيام، لكنه أيضًا يجدد دماء التمثيل بأسماء مثل أحمد عبد الوهاب فى دور الجندى يحيي، ميرنا نور الدين فى دور دنيا زاد، سارة الشامى فى دور نورهان و.. غيرهم.
اعتقد ان تركيز الشركة المتحدة خلال السنوات الماضية بشكل فعال فى معركة الوعي- خاصة من خلال الدراما- لمحاربة الأفكار الظلامية التى اجتاحت المجتمع المصرى بعد عام 2011 وتوغلت بشكل دموى بعد عام 2013، أثمرت تتغييير فى الكثير من الأفكار والقناعات لدى الجماهير التى كانت تعتقد أمورًا إيجابية فى جماعات هدفها الوحيد هدم الوطن من أجل مصلحتهم.
من وجهة نظرى يمثل مسلسل الحشاشين تتويجا لأعمال الشركة المتحدة فى معركة الوعي، فهو يكشف مسارات بداية الأفكار الظلامية وكيف نشأت وأهدافها، وبالتالى نكتشف معها نحن كجمهور بشكل تأصيلى أغراض تلك الجماعات وتأثيرها السلبى على الدول.