بمهارة واحترافية فائقة، تمكنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من صناعة التاريخ بمسلسل تاريخي، يكشف أسرار الجماعات السرية، وكيف تتحرك على خريطة الأوطان؛ لتدميرها بالإرهاب والفتنة ونشر الكراهية، من أجل تحقيق مصالحها الشيطانية. .مسلسل «الحشاشين» ليس مجرد عمل فنى «مهم»، وإنما هو ـ بالإضافة إلى ذلك ـ عمل «توثيقي» على أعلى درجات الأهمية، فالحكمة تقول: لا يقتل «الفكرة» إلا «الفكرة». لذلك، تحرك صُنَّاع الدراما فى هذا العمل بوعى شديد، ومهارة أشد؛ لتشكيل الوعى العام من جديد على قواعد صحيحة من «الحقائق.. والمنطق.. والحق»، وليس «الأكاذيب.. والخيانة.. الضلال» كما تصنع الجماعات السرية، بدءًا من «الحشاشين» وحتى «الإخوان المتأسلمين»، «الجمهورية» فى هذا الملف، تغوص فى أعماق التاريخ والدراما والتحليل؛ لرسم صورة «متكاملة» أمام المواطن المصري؛ ليتعرف عن قرب على هذه الجماعات من حيث النشأة، وأبرز أفكار الضلال، وكيف تكون المواجهة، فمع نشر الوعى بما حدث ويحدث وسيحدث، نستطيع ـ كوطن ومواطن ـ أن نكتب بأيدينا النهاية «الحتمية» لحشاشى هذا العصر.
تحليل «فنى جدًا» عن «العصابة» التى تحاول السيطرة على العالم
مفاتيح «الهلوسة»
«كمال» يكشف كوارث
«جماعة الأباطيل».. «ميمى»
يعيد الاعتبار للدراما المصرية.. «كريم» فى أعلى مستويات النضج
يستحق مسلسل «الحشاسين» النجاح الجماهيرى الكبير والحرص على مشاهدة حلقاته اليومية ، فقد أصبحت مسلسلات رمضان لها هوية وشخصية فى السنوات القليلة الماضية بقيادة الشركة «المتحدة»، ولم يعد المسلسل التاريخى بعيد المنال كما كان فى الماضى ، لذلك فإن مسلسل «الحشاشين» الذى كتبه عبد الرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمى جاء فى وقته لفتح صفحات الماضى لنعرف الجذور التاريخية للتنظيمات الارهابية فى المنطقة التى نعيش فيها.
وأول مايلفت الانتباه هو الاسم الفرعى للمسلسل بعد «الحشاشين» : «أباطيل وأبطال من وحى التاريخ» ، والأباطيل جمع «باطل» وهى الصفة التى لازمت فكر هؤلاء المجرمين منذ حسن الصباح فى القرن الحادى عشر وحتى حسن البنا فى القرن العشرين .. وأما «الأبطال» فهم الذين يتصدون لهذا الفكر الضال ويعملون على نشر الوعى الصحيح بالدين والتاريخ الاسلامى.
وتكون البداية اليومية بالمقدمة بصوت الفنان «وائل الفشنى» يغنى من شعر «عمر الخيام»، وترجمة أحمد رامى أبيات من رائعة أم كلثوم «رباعيات الخيام» وهو يخاطب عامة الناس قائلا : «سمعت صوتا هاتفا فى السحر» «نادى من الغيب غفاة البشر» .. ثم ينصح بعدها هؤلاء الغافلين بأن ينتبهوا لجمال الحياة قبل أن ينتهى العمر، وينصحهم بالابتعاد عن القتل وكراهية الآخر وأن يعيشوا من أجل السلام والمحبة ، وهى أول رسالة من رسائل المسلسل.
يقولون أن التاريخ يعيد نفسه وما أقرب الليلة بالبارحة، وكاتب الدراما المثقف عبد الرحيم كمال يعشق التاريخ قديمه وحديثه،والوعى بالتاريخ يفتح أبواب الفهم لوقائع الحاضر بعد أن كدنا أن نفقد مصر وهى تواجه أطماع الفئة الضالة المسماه بالأخوان،لذلك فأن مسلسل «الحشاشين» يحكى لنا من صفحات التاريخ ماذا فعل أتباع حسن الصباح بالدولة السلجوقية بين عامى 1090 و 1124 م وكيف أيقظوا الفتنة ،وكيف شق الصباح الصف الوطنى وأستولى على قلعة «ألموت» يعيش فيها هو وعصابته من السفاحين .
وقد يسأل المشاهد: لماذا سميت عصابة حسن الصباح بالحشاشين؟ ويجيب المسلسل على هذا السؤال عندما قام مساعد الصباح «زيد بن سيحون» بقطف حشائش لنبات مخدر عندما يحترق تصعد منه أبخرة تذهب بعقل من يستنشقها وأراد الصباح الاستفادة من ذلك لأقناع المختارين من أتباعه بأنه يمتلك مفاتيح الجنة،ويجعل الجوارى الحسان يرقصن أمام التابع المختار وهو يستنشق الحشيش ،وبعد أن يذهب تأثير المخدر يعود الى طبيعته ،لكن تبقى فى ذاكرته صور الجوارى وهن بالملابس البيضاء مثل الحور العين فى الجنة ،ويؤكد الصباح للمختار بأنه اذا قام بتنفيذ ما أراد فإنه يذهب الى الجنة الموعودة ومفتاحها مع الصباح ويعيش الى الأبد مع الحور العين ،وبهذه الحيلة نجح الصباح فى قتل صديقه الوزير «نظام الملك» ودس السم فى طعام السلطان «ملك شاه» وحاول قتل الامام أبو حامد الغزالى وكلها جرائم بشعة قدمها المسلسل فى مشاهد درامية جذابة ،تؤكد أن الكاتب عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمى اهتما بالجودة الفنية لأحداث المسلسل ، لأن الانبهار بالوقائع التاريخية أحيانا يكون على حساب المستوى الفنى للمسلسل وهذا لم يحدث فى «الحشاشين».
قام بدور حسن الصباح النجم كريم عبد العزيز الذى أصبح أداؤه فى أعلى مستويات النضج فى تقمص الشخصية ،وقد تدرج فى الأداء من الشخص الطيب فى الحلقات الأولى الى الرجل الشرير زعيم عصابة الحشاشين ،والذى يبرر جرائمه بأنه عاش حياته يحلم بالعدل لكنه تحول الى سفاح يأمر بقتل كل من يختلف معه ،وقد أعترف لعمر الخيام بأن عصابته لا تستطيع محاربة جيش الدولة السلجوقية ، لكنها تستطيع قتل شخصيات مؤثرة فى تلك الدولة ،لذلك كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه.
نجح المؤلف عبد الرحيم كمال فى تطعيم الدراما ببعض التفاصيل والمعلومات التى تكشف عن حجم الكارثة الانسانية التى يمثلها حسن الصباح ،لأنه بعد قتل «ملك شاه» سلطان الدولة السلجوقية تولى ابنه «باركيا موك» الحكم وبدأه بالانتقام وقتل 800 من أهالى أصفهان الذين ينتمون لطائفة الباطنيين التى كان ينتمى اليها حسن الصباح فى شبابه قبل تكوين «الحشاشين» ،وهنا يشير المسلسل الى أن هؤلاء ضحايا لحسن الصباح أيضا ،بمعنى أن ضحاياه ليسوا بالضرورة الذين يأمر بقتلهم ولكن الكارثة تأتى بما يترتب على أوامر القتل.
أعاد المخرج بيتر ميمى الأعتبار للدراما التاريخية من الانتاج المصرى ،لأنه استطاع قيادة مجموعة كبيرة من المبدعين فى كافة العناصر الفنية خاصة فى الديكور والجرافيك والتصوير وتصميم الملابس والموسيقى ،ولم تبخل الشركة المتحدة فى توفير كافة مفردات الانتاج الضخم الذى كان يقف فى السابق عقبة كبرى امام تقديم الدراما التاريخية ،لذلك التحية واجبة للمنتج تامر مرسى والمشرف العام حسام شوقى ومدير التصوير حسين عسر ومصممة الملابس كريستينا أمير ومونتاج أحمد حمدى وموسيقى أمين بوحافة ومصمم المناظر أحمد فايز وصوت ومكساج طارق علوش والمهندس علمى عبد الستار.
كان الكاتب الراحل توفيق الحكيم يكتب مسرحياته بلغة دارجة كان يطلق عليها اسم «اللغة الثالثة» بمعنى أنها لا فصحى ولا عامية ولكنها لغة «وسط» يفهمها المشاهد المصرى والعربى،وقد حرص عبدالرحيم كمال على أستخدام هذه اللغة الواضحة والتى تجعل الكلمات تتدفق بسهولة ويسر على لسان الشخصيات دون صعوبة فى فهم المعنى ،فعل المؤلف ذلك وهو يهدف الى التواصل مع المشاهد سواء كان من صفوة المتعلمين أو من عامة المشاهدين ،كما حرص فى بداية كل حلقة على تلخيص أحداث الحلقة السابقة حتى يربط المشاهد بين الأحداث ولا يفقد البوصلة فى متابعة العدد الكبير لشخصيات المسلسل.
بعد أن تخلص حسن الصباح من الوزير «نظام الملك» والسلطان «ملك شاه» أدرك أن الامام أبو حامد الغزالى هو أخطر أعدائه لأنه يعرف صحيح الدين ويملك من الوعى والفهم ما يجعله يكشف للعامة حقيقة ضلال الفكر الظلامى الذى يعتنقه حسن الصباح ،لذلك وقع اختياره على الشاب «منصور» من أتباعه وأخذه فى جلسة «حشيش» وبعدها شاهد الجوارى الحسان أو «الحور العين» يرقصن ويقدمن له اللبن والخمر ثم التقى بعد ذلك لأول مرة مع حسن الصباح الذى يملك مفاتيح الجنة وطلب منه الذهاب الى القدس لقتل الامام الغزالى والعودة لأصفهان واذا حدث له مكروه فإن الصباح نفسه سوف ينتظره على باب الجنة ويفتح له الفردوس ثوابا لقتل الامام الغزالى.
وكان مشهد مواجهة الامام الغزالى والشاب منصور واحدا من أجمل مشاهد المسلسل كتابة واداء وقام بدور الغزالى الفنان نضال الشافعى الذى أضاف مسحة صوفية على شخصية الامام الغزالى وتحدث الى الشاب بأسلوب العارف بنية القتل التى جاء بها اليه والغزالى يعرف أيضا ما فعله الشاب فى طريقه الى القدس مع الرجل الذى رحب به كعابر سبيل ولكن عندما علم الشاب بشك الرجل فى نوايا حسن الصباح قرر قتله على الفور وكأن جزاء ايواء عابر السبيل هو القتل وذلك عكس ماتدعو اليه كل الأديان ،وكأن أتباع حسن الصباح يدينون بدين جديد لا علاقة له بالاسلام الذى يأمر بالمعروف وينصح بالدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
اعتبر الامام الغزالى أن الانتماء لجماعة ضالة والأيمان بقدرات شخص واحد «فتنة» تحول دون وصول الانسان الى الايمان بالله ،ومن يريد معرفة الله حق المعرفة لابد أن يكون «حرا» لايقع أسيرا لفكرة شريرة او لشخص مثل حسن الصباح ،والجميل أن الشاب منصور اقتنع بحكمة الامام الغزالى ورفض أن يقتله ولكن الصباح عندما علم بذلك كان له رأيا آخر.
تميز المسلسل بجودة الاداء التمثيلى لكافة الممثلين وعلى رأسهم كريم عبد العزيز فى دور «حسن الصباح» وفتحى عبد الوهاب فى دور «نظام الملك» وأحمد عيد فى دور «زيد بن سيحون» ونيقولا معوض فى دور «عمر الخيام» وميرنا نور الدين فى دور «دنيا زاد» زوجة حسن الصباح والسورية سوزان نجم الدين فى دور قائدة الجوارى «ألينار» وسارة الشامى فى دور «نورهان» وسامى الشيخ فى دور «برزك أميد» خليفة الصباح.
ثلاثية النجاح «المضمون» لعمل درامى «متكامل» يستعيد القوة الناعمة لمصر
الرمز.. الرسالة.. والتوقيت
انطلاق الأعمال الهادفة
بدأ مع «الاختيار» .. و«الإخوان»
أصبحت «مكشوفة» أمام المصريين
احمد سليمان
قبل عشر سنوات كانت الدراما المصرية تسير بعشوائية ودون انسجام أوتناسق أو توجه عام يحقق الهدف منها، خاصة تلك المسلسلات التى كانت تبث خلال شهر رمضان المبارك، حيث كانت تتجمع الأسر المصرية لمتابعة مسلسل أو اثنين وربما ثلاثة مسلسلات على الاكثر، وخاصة المسلسلات الكوميدية كنوع من الترفيه، ولكن منذ أن أصبح هناك هدف أعلى للدراما المصرية أصبحنا نشاهد مسلسلات تتناول قضايا تشكل الوعى وتخاطب العقول بسهولة ويسر وتصل للمشاهد البسيط المستهدف من كل المسلسلات والذى يكون هدفا لكل محاولات تغييبه من جماعات الظلام لتشكيل وعى مزيف لديه يخالف الحقيقة والفطرة البشرية.
القفزة الأولى ظهرت بمسلسل «الاختيار» باجزائه الثلاثة الذى استحوذ على أعلى نسب مشاهدة فى مصر والوطن العربى وساهم بشكل كبير فى توضيح الحقائق وكشف زيف روايات جماعات الارهاب وتغييب العقول عن دور أبطال القوات المسلحة المصرية ورجال الشرطة البواسل فى مواجهة الارهاب، ثم سنة بعد الاخرى توالت المسلسلات ذات المغزى والرسالة الموجهة للمواطن المصرى من انتاج جهات تمثل الدولة سواء أكانت شركة «سنيرجى» للمنتج تامر مرسى أو «الشركة المتحدة» التى أحدثت قفزة عالية للدراما المصرية واصبحت تساهم بقوة فى تشكيل وعى المصريين بكل فئاتهم، سواء أكان الانتاج لمسلسلات وطنية أو دينية او حتى كوميدية تهدف لترسيخ القيم المصرية الاصيلة بعيدا عن الاسفاف والخروج عن الاداب العامة، فعندما تكون هناك جهة واحدة تتبع الدولة مسئولة عن تشكيل الوعى للمواطنين نجد تناسقاً وتناغما يحقق فى النهاية الهدف من رسالة كل عمل درامى.
أحدث هذه الأعمال التى استحوذت على اهتمام المشاهدين بمختلف فئاتهم هو مسلسل «الحشاشين» الذى حقق اعلى نسب مشاهدة حتى الآن لأكثر من سبب، اولها توقيت عرضه حيث تتجمع الأسر المصرية بعد تناول الإفطار، ثم لبساطة اللغة التى يخاطب بها المسلسل المشاهد فلم يلجأ للغة العربية الفصحى التى قد يجد المواطن البسيط صعوبة فى فهم عبارة وردت على ألسنة ابطال العمل فينصرف عن استكمال مشاهدة بقية الحلقات فيفقد المسلسل الهدف من انتاجه أصلا وهو أن يشاهده اكبر عدد من المشاهدين لتصل الرسالة من العمل.
ثالث عناصر نجاح مسلسل «الحشاشين» هو القضية التى يتناولها والتى لن يجد المشاهد صعوبة فى فهمها عندما يربط الاحداث التى تدور فى القرن الحادى عشر الميلادى بالواقع المصرى القريب والمعاش حاليا، فالمشهد الأول من الحلقة الأولى من مسلسل «الحشاشين» التى حملت عنوان (العهد) يحمل لنا جزءاً كبيرا من مغزى ورسالة المسلسل عندما جاء رسول من ملك فرنسا إلى ملك قلعة «الموت» حسن بن الصباح الذى يجسد دوره النجم كريم عبدالعزيز بطل المسلسل طالبا أن يكون ولاء القلعة باتباعها لملك فرنسا، لكن رجال حسن الصباغ قابلوا رسول ملك فرنسا ودار جدال بينهم عن ان ولاء القلعة بمن فيها هو لملك القلعة للشيخ حسن الصباح، وخلال الجدال يظهر حسن الصباح خارجا من باب القلعة وينادي- بنظره الحاد- على أحد جنوده الذين كانوا يقفون مصطفّين وعندما اقترب الجندى من الشيخ حسن الصباح بادره الصباح بأول عبارة له فى المسلسل كله فقال للجندى: (تفدى الدعوة بإيه؟).. رد الجندى: (بروحي) ثم قام الجندى بتقبيل يد حسن الصباح وتوجه فورا لأعلى مكان فى القلعة وقبل أن يلقى بنفسه قال عبارة «روحى فدا صاحب مفتاح الجنة ـ يقصد حسن الصباح»، ثم ألقى بنفسه فسقط صريعاً وتحطمت رأسه أمام رسول ملك فرنسا، فكانت الرسالة الأولى من المشهد الأول هى الولاء المطلق لحسن الصباح باسم الدعوة والدين حتى لو كان هذا الولاء ثمنه حياة الشخص الموالى لـ»الشيخ حسن».
وهنا يستحضر المشاهد ـ أيا كان عمره او ميوله ـ ما كان يفعله قادة جماعة الاخوان الارهابية طوال ثمانين سنة من غسيل لعقول الشباب باسم الدين حتى لو ضحوا بانفسهم من أجل أغراض وأهداف كبيرهم أو مرشدهم العام أملاً فى الفوز بالجنة والحور العين كما ورد فى أحد مشاهد المسلسل فيما بعد.
وتتوالى رسائل المسلسل المهمة فى الحلقات المتتالية فمثلا فى الحلقة الرابعة أنقذ حسن الصباح أحد تابعى مذهبه «الباطنية» من بطش أتباع أحد العلماء الذين حاولوا اقناعه بالحجج والمنطق لكنه تجاوز فى حديثه مع عالم الدين، تماما كما يفعل عناصر الاخوان الذين يكرهون علماء الدين، لأنهم ـ الاخوان ـ يرون أنفسهم واخوانهم هم وحدهم الأوصياء على الدين ولديهم مفتاح الجنة، فأخذ حسن الصباح هذا التابع إلى أحد الأماكن الخالية وقال له الآتى: «الأفضل ما تجادلش العلماء، وكفاية إنك تشوه صورتهم أمام الفقراء والغلابة والمساكين وبس، فالعلماء فى المساجد بيكلموا الناس اللى زيهم يعنى كلهم فى الضلمة واحد، ولكن الفقير المظلوم اللى قاعد فى بيته هو ده اللى تروح له وتخبط على بابه وتعيش تحت رجليه كمان ولازم يشوف رحمتك وصلاحك، بعد كده تدعيه لمذهبك بالعاطفة مش بالعقل ساعتها هيكره العالم ويكره عبوديته للدولة وللسلطان لحد ما ييجى اليوم المعلوم، يوم ما يكون العلماء فى المساجد مش لاقيين حد يسمعهم، أنا ممكن اهربك وتنشر الدعوة فى مكان تانى وممكن أعذبك وده يثبت مكانتى ومكانة الدعوة أكثر وتكون جروحك وآلامك دليل صدق فى قلب كل مظلوم شاف أو سمع بعذابك فى سبيل الدعوة، وفى كل الاحوال انا باحبك»، وبالفعل أمر بتعذيب هذا التابع، وأثناء تعذيبه يقول حسن الصباح أمام العامة الذين يشهدون تعذيب التابع: «طاعة العلماء واجبة» عكس اعتقاده وهدفه الخفى.. هذا هو اسلوب جماعة الاخوان الارهابية ورسالة المشهد وصلت بمنتهى السهولة للمشاهد الذى جذبته تصرفات حسن الصباح التى تشبه تماما تصرفات حسن البنا زعيم ومؤسس جماعة الإخوان الإرهابية.
وفى مشهد آخر يتفاجأ حسن الصباح بحالة عناد من ابنه الطفل حسين فيخيره بين ان يبيت فى الظلام بمفرده حتى الصباح او ان يؤدى الواجبات المفروضة عليه، فيختار ابنه ان يبيت فى الظلام بمفرده، فيأخذه حسن الصباغ ويتركه فى غرفة مظلمة حتى الصباح، ثم يذهب اليه فى الصباح ويسأله:»اتعلمت ايه من تجربة امبارح؟» فاجاب الطفل: «اتعلمت انى عمرى ما هاسامحك أبدا».. تماما كما يفعل المواطن البسيط صاحب الفطرة السليمة عندما يكتشف أسلوب الاخوان الارهابى وطريقتهم فى فرض الرأى وتخيير الفرد بين اتباع تعليماتهم أو مواجهة الظلام والمصير السيئ، حتى لو كان هذا الشخص هو اقرب الناس إليه .. ابنه الطفل.
وفى مشهد مختلف وفى سؤال منطقى وجه أحد التلاميذ للإمام ابى حامد الغزالى أثناء القائه محاضرة فى المسجد قال: «كيف أن اتباع مذهب «الباطنية» هؤلاء على باطل ومع ذلك انتشروا بشكل كبير؟- تماما كما حدث لجماعة الاخوان الارهابية- فرد عليه الامام الغزالى: «ما الشيطان برضه له اتباع كتير وممكن يظهروا فى صورة زاهد أو عالم أو فقير أو اى حد، ولو عاوز تعرف حقيقة مذهبهم اعرف اتباعهم، فيه منهم اللى نفسه فى الشهرة والصيت ده هيلاقى نفسه فى الجماعة دى، لان عندهم وعود براقة فيقول لك انت الامام وانت الحُجة، وفيه نوع ثانى عنده ضيق الحال وعاوز مال وغنى فهيلاقى مبتغاه معاهم برضه، لانه اول ما بينضم ليهم هيفتحوا له باب الغنى، والاخطر من كل دول نصف الجاهل لان مافيش حاجة اسمها نصف عالم، فنصف الجاهل ده هو اللى اخد الخطوة الاولى فى العلم وبعدين كسّل فقرر يدخل الجماعة علشان يختصر الطريق لانه ماكانش بيتعلم للعلم لا، كان بيتعلم علشان يتميز على الناس فهيلاقى بغيته فى الجماعة دى لانها مليانة خرافات واساطير هترضى جهله، واخر نوع منهم اللى هو لا متدين ولا حاجة وهو اللى والعياذ بالله بيحب الشهوات والجماعة هتحقق له ده لانهم هيرفعوا عنه كل التكاليف وفى الاخر هيتربطوا كلهم برباط شيطانى يشد اجسامهم وارواحهم وقلوبهم للأسف».
بعد هذه المحاضرة التى كان يستمع إليها حسن الصباح من بعيد، اجتمع حسن الصباح باتباعه وقال لهم: «الغزالى اخطر من السلطان ونظام الحكم لانه قوى الحجة وزاهد وللاسف سمعته كويسة» فيقررون تشويه صورته ثم قتله، تماما كما هى سياسة الاخوان المتمثلة فى الاغتيال النفسى والجسمانى لكل من يخالفهم الرأى.
وتأتى عبارات واضحة وصريحة على لسان حسن الصباح وهو يتحدث إلى اتباعه وجيشه الذى أطلق عليه «الحشاشين» تكشف أهداف وأسلوب جماعة حسن الصباح ولن يجد المشاهد اختلافا بينها وبين أهداف واسلوب جماعة حسن البنا فى تغييب العقول وغسيلها وشحنها بالخرافات والاخطاء حيث يقول: «انتم الاحباب ما عليكم الا الطاعة، وماعلينا الا تحقيق الوعد واولادكم اولادى ويتعلموا ويكونوا ضامنين لأهلهم دخول الجنة..اختفوا فى الجبال وانتظروا الوعد والاشارة لتحقيق المراد.. سيروا على بركة الله حتى وعد النصر وقيام قيامة الأعداء ان نحكم العالم.. اوهبوا ارواحكم للطاعة واعدوا انفسكم للفوز بالجنة لانى ابشركم بانى صاحب مفتاح الجنة، فيصيح العوام: الله الله.. الله الله».
وكلمة «الحشاشين» على الرغم من أنها اسم لجماعة عاشت فى العصر الفاطمى إلا أن حسن الصباح كان يستخدم مخدر الحشيش لتخدير الاشخاص الذين يريد التأثير فيهم والسيطرة عليهم كما ورد فى احد المشاهد لشاب تم اعطاؤه مخدر الحشيش حتى غاب عن الوعى وتخيل انه نائم وتم ادخال فتيات جميلات عليه بعد ان تمت تهيئتهن عن طريق احدى السيدات ليظهرن وكأنهن الحور العين ثم تم إيهام الشاب المخدر أنه دخل الجنة وكان يتمتع بالحور العين.
أما من الناحية الفنية فإننى أرى أن مسلسل «الحشاشين» اجتمعت فيه كل عناصر الإبداع والابهار والنجاح سواء من حيث أداء الممثلين وفى مقدمتهم كريم عبدالعزيز وفتحى عبدالوهاب او اختيار أماكن التصوير وطريقة وزوايا التصوير والإضاءة والموسيقى التصويرية وضخامة الانتاج، وقبل كل ذلك المخرج العبقرى بيتر ميمى الذى ارتبط اسمه بمسلسلات تشكيل وعى المصريين خلال السنوات الأخيرة، وأرى أن مسلسل الحشاشين يمكن أن يحصد العديد من الجوائز إذا شارك فى اى مهرجان فنى محلى او اقليمى أو دولى.