قد يتبادر للمرء أن عنوان هذه المقالة، أو مجرد تنظير فارغ المضمون، يأتى ممن يدعى العلم، وفى واقع الأمر يطرح أفكارًا ورؤى بعيدة كل البعد عن الواقعية كبعد المشرق والمغرب!
لذا أرجو منكم أيها الأعزاء أن تصبروا معى لنهاية المقال، لنرى هل التكنولوجيا حقاً من الممكن أن تكون قبل العيش، كما أدعى!
نحن على بعد أسابيع من افتتاح أهم متاحف العالم وأكبرها، المتحف المصرى الكبير، الذى سيعتبر هدية مصر للعالم كله، كونه يضم أكبر مجموعة من مقتنيات لحضارة واحدة فى العالم، تقدر بحوالى 100 ألف قطعة أثرية، بما فى ذلك المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، على مساحة 490 ألف متر مربع، أى ضعف مساحة متحف اللوفر الشهير القابع فى قلب عاصمة النور، باريس.
وهنا علينا أن نتساءل، لماذا هذه الحضارة العظمية، على مدار آلاف السنين، كانت قادرة على كل هذا الإبهار، الذى يصل فى بعض الأحيان إلى درجة الإعجاز، والتى يعجز الكثير من العلماء على فك طلاسمها حتى وقتنا هذا، حتى مع التقدم العلمى المذهل الذى نعيشه الآن؟هل هذا كله وليد الصدفة؟ أم كانت تلك الحضارة الأقدم والأعظم فى تاريخ البشرية نتاج مساعدة الكائنات الفضائية لأجدادنا، كما يدعى ثلة من الجهلة والمغرضين؟
الإجابة قطعاً لا …
فأجدادنا العظماء كانوا قادرين على إنتاج وتسجيل العلوم، وتطوير التكنولوجيا وتوطينها فى شتى المجالات، بما فيها المجالات الهندسية والطبية، والزراعة والري، فكانت الزراعة فى مصر القديمة متقدمة للغاية، مما يعكس إبداع وقدرة المصريين القدماء على الابتكار فى زراعة المحاصيل المختلفة، فى منظومة متكاملة ومعتمدة على نظام رى معقد، لتوفير الغذاء، وكذلك استخدامها فى صناعة الدواء ومستحضرات التجميل وللأغراض الصناعية، مثل صناعة النسيج، والذى كان صناعة متقدمة للغاية تكنولوجياً، حتى بالنسبة لوقتنا الراهن.
والعمارة التى مازالت شواهدها تبهر العالم حتى وقتنا هذا، بدءاً من أهرامات الجيزة، المتراصة على خط واحد بمنتهى الدقة الهندسية، والتى ما زالت تبهر العالم ولم تبح بكامل أسرارها للآن، ومروراً بمعابد الأقصر واسوان وأدفو وأسنا، تلك المعابد بديعة التصميم، بل دقيقة التصميم، وصولاً إلى المسلات، والتى تزين أهم عواصم العالم، مثل القاهرة وباريس وروما ولندن وواشنطن، والتى كانت ذات تصميم هندسى فريد، قادر على تحدى الطبيعة لأكثر من ثلاثة آلاف عام، بما فيما ذلك الزلازل والرعد والبرق والحر الشديد والبرد القارس.
كما تكشف دراسة البرديات المصرية القديمة، خاصة بردية موسكو المحفوظة فى متحف موسكو للفنون، عن مساهمات المصريين القدماء فى تأسيس علوم الرياضيات وحساب المثلثات، فهذه البردية التى يعود تاريخها إلى حوالى عام 1850 قبل الميلاد، أى قبل ولادة فيثاغورس بأكثر من ألف عام. ومن بين محتوياتها الرياضية البارزة، التمرين السادس الذى يوضح طرقًا لإنشاء مستطيلات ذات ضلعين متعامدين يشكلان زاوية 90 درجة، ويتماشى هذا المفهوم مع المبادئ المرتبطة لاحقًا بنظرية فيثاغورس حول المثلثات القائمة الزاوية. وهذا الفهم المتقدم للهندسة والرياضيات يفسر كيف تمكن المصريون القدماء من تحقيق زوايا قائمة دقيقة فى تصميماتهم المعمارية، كما هو واضح فى بناء الهرم الأكبر للملك خوفو، الذى يعد شاهدًا على براعتهم فى الرياضيات والهندسة.
أما فيما يخص العلوم الطبية، فحدث ولا حرج، ففن التحنيط مازال سر الأسرار حتى فى عصر الذكاء الاصطناعي. وكانت رؤية المصرى القديم للطب كـ «فن أساسي»،وأنشأ المصريون مراكز تدريب حيث تمكن الرجال والنساء، على حد سواء، من أن يصبحوا أطباء، ويعود أول ذكر مسجل للأطباء إلى عصر الدولة القديمة «حوالى 2500 قبل الميلاد»، بما فى ذلك طبيب قام بمعالجة أنف أحد الفراعنة، وإمحوتب، الذى كان شخصًا من عامة الشعب، تحول إلى عبقرية طبية، ثم أصبح رمزًا فيما بعد، ووضعه فى مصاف الآلهة.
كما توصل أجدادنا العظماء إلى تقنيات النانو تكنولوجي، فاللون الأزرق المصرى Egyptian Blue هو مادة متميزة استخدمها المصريون القدماء فى العمارة والفنون، ويتميز بعدم احتوائه على طبقة زجاجية ولونه الأزرق المتجانس الناتج عن بلورات سيليكات الكالسيوم والنحاس CaCuSi4O10، وقد ظهر لأول مرة خلال الدولة القديمة «2613-2181 قبل الميلاد»، وكان يُصنع بتسخين مزيج من المواد الخام عند درجات حرارة بين 900-1000 درجة مئوية، مما أدى إلى إنتاج مادة ذات لون أزرق يتراوح بين الداكن والفاتح، بناءً على حجم البلورات. وتم استُخدمها كصبغة وفى صناعة الحلى والتماثيل، إلى جانب قيمته التاريخية.وقد جذب الأزرق المصرى اهتمامًا علميًا حديثًا بسبب خواصه الفلورية الفريدة، خاصة فى نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة Near-Infrared NIR، مما يجعله مادة أساسية فى التصوير الطبى والاتصالات الليزرية فى وقتنا الراهن. كما تم اكتشاف أنه يتحلل إلى صفائح نانوية Nanosheets، مما يفتح المجال لاستخدامه فى الأحبار الأمنية لمنع التزوير. كما تفوقت مساحيقه على تقنيات كشف البصمات التقليدية، وساهم فى الأبحاث المتعلقة بتقنيات التبريد وكفاءة الطاقة الشمسية.
لذا كانت لدينا دولة عظيمة متقدمة بالعلم والتكنولوجيا، أبهرت العالم، وما زالت!
ولكن دعونا ننسى الماضى البعيد قليلاً، ونعود للماضى القريب، خاصة إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء على دول المحور. فلقد كانت التكنولوجيا وتطورها هى السبب وراء هذا النصر، فمن خلال مشروع آلان تورنج، عالم الرياضيات البريطاني، والخاص ببناء آلة يمكنها فك شفرة الغواصات الألمانية، سلاح الألمان الأخطر والأشرس، والتى جعلت حياة دول الحلفاء جحيماً لا يطاق، بجعل المحيط الأطلسى مقبرة لسفن إمداد العتاد والغذاء. وكانت تلك الآلة بمثابة إعلان لدخول البشرية عصر الذكاء الاصطناعي. كذلك التكنولوجيا النووية، والتى مكنت الولايات المتحدة من تدمير هيروشيما وناجازاكي، وإعلان استسلام اليابان فى نهاية المطاف، بعد استسلام جيوش هتلر وموسوليني.
ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية، تصور الأمريكان أن غريمهم الجديد، الاتحاد السوفيتي، يحتاج إلى عقدين من الزمان للحاق بهم، ولكن هذا ما لم يحدث، فقد تم الانتهاء من البرنامج النووى السوفيتى فى أقل من أربع سنوات بعد الحرب، وخلال عام 1957 قام السوفييت بإطلاق أول قمر صناعي، وإرسال الكلبة لايكا إلى الفضاء، ومن ثم إرسال يورى جاجارين فى مركبة فضائية تدور حول الأرض، ليكون أول إنسان يخرج من نطاق الكرة الأرضية، فى عام 1961.
ومن هنا فقدت الولايات المتحدة السبق، بل التنافسية، وكان للرئيس كيندى تساؤلاً واضحاً وهو لماذا هذا التدهور وكيف استطاع السوفييت التفوق علينا؟ وقام مستشاروه العقلاء، بل المخلصون، بالإجابة عن سؤاله، وقالوا له: سيادة الرئيس … لدينا مشكلة فى التعليم، وعلينا إصلاحه قبل فوات الأوان! لذا سعى فريق التعليم التابع للرئيس كينيدى إلى إعادة هيكلة النظام التعليمى الأمريكى استجابةً لتقدم الاتحاد السوفيتى فى التكنولوجيا النووية واستكشاف الفضاء. فقد كان النهج المركزى للتعليم التقنى فى الاتحاد السوفيتى ينتج علماء ذوى مهارات عالية، بينما واجه النظام الأمريكى اللامركزى تحديات مثل المناهج غير المتسقة، نقص التمويل، وضعف التعاون بين الجامعات والوكالات الحكومية، كما حدد الفريق أوجه القصور فى التعليم العلمى والتقنى وأوصى بإصلاحات جوهرية، شملت زيادة الاستثمارات الفيدرالية، وتعزيز الروابط بين المؤسسات الأكاديمية والأبحاث الحكومية، وتحديث المناهج الدراسية،وهدفت هذه الجهود إلى تعزيز الابتكار العلمى الأمريكى وضمان تنافسية البلاد عالميًا.
توازى هذا المسعى مع توسع وكالة ناسا، التى تأسست عقب إطلاق الاتحاد السوفيتى للقمر الصناعى سبوتنك عام 1957 وقد دفع طموح كينيدى لهبوط إنسان على القمر إلى إطلاق برنامج أبولو، الذى تُوج بهبوط رائد الفضاء الأمريكى نيل أرمسترونج التاريخى على القمر عام 1969 كما امتدت تأثيرات فريق التعليم إلى ما هو أبعد من الإصلاحات المباشرة، إذ أسهمت توصياته فى تطوير برامج التوعية العلمية وإنشاء أكاديميات متخصصة لتعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا، بما يضمن استمرار تفوق الولايات المتحدة فى الابتكارات التقنية.
وفى وقت لاحق، كشف أزمة الطاقةالناجمة عن وقف تصدير البترول العربى للولايات المتحدة أثناء حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 عن ضعف نظم الإدارة وتقلص تطور المنظومة الصناعية فى الولايات المتحدة، مما أعاد تشكيل الأسواق العالمية لصالح اقتصاديات جديدة ناشئة مثل اليابان وألمانيا، والتى كانت تحت خط الصفر تماماً نتيجة الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى النمور الآسيوية الأربعة وهم هونغ كونج، سنغافورة، كوريا الجنوبية، وتايوان. واستجابة لهذه التحديات، شكل وزير التعليم تيريل بيل، تحت إدارة الرئيس ريجان، اللجنة الوطنية للتميز فى التعليم عام 1981 لدراسة حالة التعليم الأمريكى وسط مخاوف متزايدة بشأن تراجع القدرة التنافسية للولايات المتحدة عالميًا. وأصدرت اللجنة تقريرها «أمة فى خطر» فى 1983، محذرًا من فقدان التفوق الاقتصادى والتقنى لصالح دول تلك الدول، مما عزز هيمنتها فى الصناعات الإلكترونية والصناعات المتقدمة الأخري، بينما استمرت الولايات المتحدة فى فقدان التفوق فى هذه المجالات.وقدكشف التقرير عن تراجع الأداء التعليمى الأمريكى مقارنة بالدول المنافسة، حيث تفوقت اليابان بفضل مناهجها الصارمة وساعات الدراسة الطويلة، بينما ساهم النظام الألمانى المزدوج- الذى يدمج التعليم الأكاديمى والمهني- فى بناء قوة عاملة ماهرة دعمت قطاعها الصناعي. وانتقد التقرير المناهج الأمريكية غير الفعالة ودعا إلى إطار تعليمى جديد يركز على المواد الأساسية: الإنجليزية، الرياضيات، العلوم، والدراسات الاجتماعية لتعزيز القدرة التنافسية العالمية للولايات المتحدة، كما أبرز ضعف المعايير الأكاديمية وقلة ساعات التدريس كعوامل رئيسية فى هذا التراجع، بالإضافة إلى نقص تأهيل المعلمين، مطالبًا برفع أجورهم وتحديد معايير أعلى لجذب الكفاءات.
وبالنظر إلى عصرنا الحالي، فمنذ العقد الأخير من القرن العشرين، وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، استطاع العملاق الصينى من مضاعفة ناتجه القومى إلى أكثر من 17 ضعفاً، ليصبح القوة الاقتصادية الثانية فى العالم، بناتج قومى أكثر من 17 تريليون دولار فى عام 2023، طبقاً لبيانات البنك الدولي. ولكن هل هذا نتيجة الصدفة أم العلم؟
قطعاً العلم، فالصين فى بداية نهضتها الاقتصادية فى بداية التسعينات قامت بالاستعانة بالتكنولوجيات الملائمة، أغلبها من التكنولوجيات غير التقدمة، لبناء قاعدة تصنيع فعالة وتنافسية، ثم تحولت خلال العقديين الأخريين إلى الاستثمار الكبير فى البحوث والتطوير، وصل إلى أكثر من 500 مليار دولار سنوياً، مع دعم منظومة التعليم لديها، لتخريج أفضل المهندسين والفنيين، مع إرسال أفضل العقول الوطنية إلى الولايات المتحدة، للدراسة فى أفضل جامعاتها، لنقل الخبرات والمعارف، وأصبح لديها شركات تكنولوجيا عملاقة مثل هواوى والتى تقود صناعة الاتصالات حول العالم الآن، وخاصة فى مجال الجيل الخامس من الاتصالات المحمولة، وهذا أيضاً ليس وليد صدفة، فالشركة تقوم بتسجيل حوالى 6000 براءة اختراع فى السنة، بما يعادل عدد براءات الاختراع المسجلة ككل فى بريطانيا.
وكانت تلك القفزة نتاج تطبيق إستراتيجية تحت مسمى «صُنع فى الصين 2025»، وهى مبادرة أطلقتها الحكومة الصينية عام 2015 بهدف تحويل الصين إلى دولة رائدة عالمياً فى التصنيع المتقدم. وتسعى المبادرة إلى تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية من خلال تعزيز الابتكار، وتطوير القدرات الصناعية، وزيادة الإنتاجية فى عشرة قطاعات رئيسية، مثل الروبوتات، والطيران، والصناعات الدوائية، والمركبات المعتمدة على الطاقة الجديدة. كما تم التركيز على دمج الذكاء الاصطناعي، والتصنيع الذكي، والأتمتة لدفع الصين نحو الاكتفاء الذاتى فى الصناعات عالية التقنية. كما هدفت المبادرة إلى تحسين مرونة سلاسل التوريد، وزيادة الاستثمار فى البحث والتطوير،وإنشاء شركات صينية قادرة على المنافسة عالميًا فى الأسواق الدولية، كما أوردت سلفاُ.والأكيد أن مبادرة صُنع فى الصين 2025 مثلت تحولاً جوهريًا فى الإستراتيجية الصناعية للصين، حيث مكنتها من الانتقال من كونها قوة تصنيعية تعتمد على الإنتاج الضخم إلى قوة ابتكارية قادرة على وضع معايير عالمية فى التقنيات المتطورة، وتحتل صدارة سباق التنافسية العالمية. وهذا ما جعلها تزيد من استثماراتها فى الذكاء الاصطناعى بمقدار تريليون دولار خلال عشر سنوات، مثلها مثل الولايات المتحدة أيضاً، وبحوالى ضعف استثمارات دول الاتحاد الأوروبى فى ذات المجال.
وقد وجدنا التكنولوجيا هى التى تحكم نتائج الحروب ، وهذا ما حدث مؤخراً وشاهدناه فى الحرب الروسية الاوكرانية إو الحرب على غزة أو الحرب الاسرائيلية وجدنا التكنولوجيا عنصر التميز والتفوق مثل طائرات بدون طيار .
ومن هنا علينا أن نرجع مرة ثانية إلى التساؤل المطروح من خلال عنوان المقال، وهو هل التكنولوجيا قبل العيش أحياناً؟ وقطعاً مما سبق فالإجابة هى التكنولوجيا قبل العيش أحياناً، بل دوماً. فبدون التكنولوجيا لما كان لدينا حضارة مبهرة على ضفاف نهرنا العظيم، وما استطاعت بريطانيا سيادة العالم بعد الثورة الصناعية الأولى فى أواخر القرن الثامن عشر، وما كانت الولايات المتحدة دولة عظمى منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن، وما كانت الصين تخرج كمارد من قمقم، خلال ثلاثة عقود، لتنافس الولايات المتحدة، على قيادة العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
وبما أن التساؤلات لا تنتهي، يحضر إلى خاطرى تساؤل جديد، وهو ماذا نحن فاعلون لنكون لاعباً فى سباق التنافسية، وليس مجرد واحد من المتفرجين على هذا السباق المحموم فى المدرجات أو أمام شاشات التليفزيون؟
ومن وجهة نظرى المتواضعة فالحل فى الإصلاح الهيكلى الحقيقى لمنظومة التعليم من أول التعليم الأساسي، ووصولاً إلى التعليم الجامعى وما بعد الجامعي. وهنا أؤكد على مفهوم الإصلاح الحقيقي، الذى يتحدث عنه دائماً الرئيس السيسى.
كما أن البحث العلمى ونقل الخبرات من الدول المتقدمة روشتة نجاح، تمت تجربتها هنا فى مصر فى عهد محمد على باشا، كما هو الحال فى الصين أو الهند أو غيرهما. وأن يكون معيار نجاح منظومة التعليم الأساسي، درجات طلابنا فى الامتحانات الدولية القياسية، وليس درجاتهم فى امتحانات محلية، يتنافس الكل ويبدع فى منهجية الغش الجماعي، إلا من رحم ربي، وأن نقيس مدى اجادتهم لأهم مهارة، وهى القدرة على التعلم المستمر بدون توقف، من المهد إلى اللحد. وأن تكون جامعاتنا، القديمة منها قدم الأزل، أو الحديثة، أو المستحدثة، واعية أن معيار النجاح الوحيد لها، هو ليس وضع لافتة جديدة بدلاً من القديمة، أو زيادة عدد طلابها، إنما عدد أبحاثها المنشورة فى الدوريات العلمية المرقومة، وعدد المشروعات البحثية التى قامت بتطويرها لصالح منظومة الصناعة أو الزراعة أو الخدمات، وعدد براءات الاختراع المسجلة باسمها من خلال طلابها وباحثيها، وعدد براءات الاختراعات التى تم تحويلها لقيمة مضافة فى شكل منتج أو خدمة، وعدد شركاتها المبتكرة الناشئة الخارجة من رحمها، ومقدار الاستثمار المباشر فيها، وتطور قيمتها السوقية. وعلى المجتمع، وخاصة الشباب وما أكثرهم فى مجتمعنا، على الرغم من وجود معضلة الجودة لحد كبير كنتاج لتراجع المنظومة التعليمية خلال سنوات كثيرة ماضية، أن يقتنع أن العلم وإنتاج المعرفة هو سبيل خلق الثروات، وليس عمل فيديوهات للطبخ على منصات التواصل الاجتماعي، وهذا واجب الجميع لأثبات هذه الفرضية لهم بالأفعال، وليس العكس!
وهذا كله لن يتحقق إلا بتغليب الجوهر على المظهر، بوجود المعلم والأستاذ المؤهل، كونهم حجر الزاوية، بعيداً عن تحقيق المكسب السريع.
الدولة لديها الإرادة السياسية لتحقيق هذا الهدف .. لكن المهم أن يتشارك الجميع.
علينا أن نستوعب الدرس سريعاً، حتى لا نكون «أمة فى خطر»!