لست من مؤيدى التنظير للحروب بتقسيمها إلى أجيال كتصنيفات الجيل الأول والثانى و… حتى الجيل الخامس!ّ لأننى بمنتهى البساطة لا أجد السند الكافى لتوثيق هذا التنظير وتحويله إلى نظرية راسخة كافية بأن تطرح مصطلحاً علمياً موثقاً لكل جيل ومن ثم تبقى «أجيال الحروب» بالنسبة لى مجرد مسميات أو بالأحرى توصيفات إعلامية لاقت رواجاً فى الإعلام السياسى ليس أكثر وبالطبع لا ضرر من استخدامها بينما تصنيفات الحروب الموثقة بالنسبة لى صنفان لا ثالث لهما,الصنف الأول: «الحروب التقليدية» وهى بمفهومها المبسط حروب الميدان والنزال والمواجهات المسلحة والصنف الثاني: «الحروب الحديثة» التى تعتمد على الأفكار المبتكرة فى المواجهات وتستخدم التطور التقنى المتسارع وتحت كل صنف منهما عدة أنواع بحسب التطور المرتبط بنوع التسليح والعتاد وما شابه.
سأتحدث عن نوعين من الحروب يندرجان تحت «الحروب الحديثة» نجحا بالفعل فى إزاحة الاهتمام عن الحروب التقليدية النوع الأول: «حرب العقول»، وهذه قديمة نسبياً رغم تصنيفها من ضمن الحروب الحديثة! وملخصها «اللعب فى الأدمغة» وتغيبر الأفكار والمعتقدات وضرب الثوابت وما يستتبع ذلك من اقتتال داخلى وتكفير وحروب دينية، وبروز مصطلح «العدو القريب» وجواز مقاتلته قبل «العدو البعيد»، مثلما روج قادة التنظيمات الإرهابية مثل داعش» وغيرها، ناهيك عن أن المقصود بالعدو القريب هو المختلف فى الرأى ولو كان من نفس الدين والوطن؟!، بينما العدو البعيد قد يكون الغازى أو المحتل المعتدى الأجنبى ولكن «باللعب فى الأدمغة» قد يصبح العدو البعيد «الأجنبى المحتل» أقل خطراً ممن يسمونه «العدو القريب».
بالإشارة إلى قدم «حرب العقول» أذكر أنه فى كتاب» بروتوكولات حكماء صهيون» الذى ظهر فى 1903 هناك إشارة إلى حرب العقول وإلى أن السيطرة على العقل ينبغى أن تكون الخطوة الأولى فى طريق السيطرة على الأرض.
النوع الثانى من الحروب الحديثة هو»حرب التكنولوجيا» وهذه خطورتها تكمن فى أنها متطورة سريعة التحديث بتقدم العلم والتقنيات المستخدمة فيها إلى جانب أنها تتسم بالدقة الشديدة والسرعة وإمكانية ضبط الزمان والمكان للحظة الحرب المحتملة ظهرت النسخة الأولى من حرب التكنولوجيا باكتشاف السلاح النووى وهو سلاح تدمير فتاك محرم دولياً يستخدم التفاعل النووي، يعتمد فى قوته التدميرية على عمليات الانشطار أو الاندماج النووي؛ ونتيجة لذلك قد تكون قوة انفجار قنبلة نووية صغيرة أكبر بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية، حيث بإمكان قنبلة نووية واحدة تدمير أو إلحاق أضرار فادحة بمدينة بكاملها، وقتل مئات الآلاف من سكانها لذا تعتبر الأسلحة النووية أسلحة دمار شامل ويخضع تصنيعها واستعمالها إلى ضوابط دولية حرجة.
اُستُعمِلَت القنبلة الذرية مرتين فى تاريخ الحروب؛ أثناء الحرب العالمية الثانية عندما أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان فى أواخر أيام الحرب، أوقعت أكثر من 120 ألف شخص معظمهم من المدنيين فى نفس اللحظة، كما أدت إلى مقتل ما يزيد على ضعفى هذا الرقم فى السنوات اللاحقة نتيجة التسمم الاشعاعي.
قبل أيام تعرضت ضاحية لبنان الجنوبية على مدار يومين إلى تفجيرات فى أجهزة اتصالات يدوية باستخدام التكنولوجيا الحديثة راح ضحيتها العشرات ووقعت إصابات بالآلاف، واتهم حزب الله إسرائيل بأنها وراء هذه التفجيرات وتوعد بالرد.
أقرب السيناريوات التى فسرت التفجيرات قالت إنه تم تفخيخ بطاريات هذه الأجهزة بمادة تم تفجيرها عن بعد ولا يزال البحث جارياً حول متى وكيف وأين تم تفخيخ هذه الأجهزة بالمادة المتفجرة؟
الشاهد أننا أمام تطور رهيب ومخيف فى حروب التكنولوجيا تخيل مثلا أن يتم تفجير ملايين بطاريات الليثيوم عن بُعد فى وقت واحد، مع العلم أن ملايين الناس حول العالم يستخدمون الأجهزة بأيديهم أو فى بيوتهم ومكاتبهم ومتأجرهم وكل الأجهزة بداخلها بطاريات ليثيوم بما فى ذلك طبعاً السيارات الحديثة.