يخجل الكثيرون من طرح أسئلة يغلب عليها طابع المكاشفة والخروج على المألوف ويظن هؤلاء أن دخولهم فى بعض المناطق بأسئلة وتساؤلات من خارج المنهج قد تصل بهم إلى مناطق نائية عن جغرافية الحكمة والعقول الراجحة، يتوقف البعض عن إلقاء الأسئلة المهمة والصعبة ويفضلون الصمت التام، لكن نظراتهم المترددة وشفاههم التى تشتاط غضبا من حرمانها الاختيارى من الحديث وإلقاء الأسئلة فى سياقات الحوارات والنقاشات، هؤلاء المنسحبون من مباريات الحياة دون مبرر.
>>>
عندما تجلس مع أحدهم ويبدأ فى النقاش معك بطريقة “ما بال أقوام” ويبدو متردداً خجولاً فى البداية ثم يعبر عن امتعاضه وغضبه من حديثك حتى ولو كانت مسائل هندسية لا تحتمل الرؤى والآراء، وعندما تبتسم وتضحك متسامحا ومحتوياً وتجد المبرر لهذا السلوك وتترفع عن الدخول فى مبارزات هشة لا طائل منها، تجد هؤلاء وقد تحولوا تماما ولا ترى أمامك إلا استدارة كاملة ويتبعها الاعتدال فى الحديث وصولاً إلى حالة من الاتزان والتوازن، هنا يتلاشى وهم الخلاف غير الموجود وتتبدد سحب الانطباعات المسبقة الخاطئة، تجد أمامك شخصاً طبيعياً لا يحمل أحكامنا مسبقة، هنا تبدأ الأسئلة السطحية، ماذا فعلت مصر للقضية الفلسطينية؟ وماذا قدمت لأبناء غزة المحاصرين؟ ولماذا تقف مصر موقف المحايد أمام اسرائيل وأمريكا؟ لماذا لم تحرك مصر جيوشها تجاه الشرق نصرة للحق ووقفا لانهار الدم الجارية؟ ولماذا تهتمون بالجيش تدريبا وتسليحا طالما انتم لم ولن تحاربو وعقيدتكم عقيدة سلام؟ لماذا تقفون على الحياد فى سياساتكم الخارجية؟ ويعود مجدداً صاحبنا المشوش المشوه ويتساءل فى بلاهة ما فائدة العاصمة الجديدة؟ ألم يكن من الأولى أن نستخدم تلك الأموال.. فى بناء المدارس والمستشفيات؟ وما أهمية العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وكل ما هو جديد؟ ولماذا الإصرار على ازدواج وتوسعة قناة السويس؟ لماذا أفرطت الدولة فى مشروعات الطرق والكبارى والمحاور الضخمة فوق النيل؟ لماذا توسعت الدولة فى إنشاء الموانيء والمطارات والمناطق اللوجيستية؟ لماذا أنشأت الدولة كل هذه المحطات الكهربائية؟ ولماذا التوسع فى مشروعات معالجة المياه وتحليتها؟ لماذا أنفقت الدولة كل هذه المليارات على تنمية سيناء وإقامة انفاق تحت القناة؟ هذه الاسئلة كانت تحتاج إلى إجابة جارحة وكلمات قد تخرج عن السياق الذى أريده للحوار، لكننى ابتسمت دون سخرية واعتدلت فى جلستى وامسكت بيد محدثى وقلت له بحق كل ما يمكن القسم به، هل حقاًً تنتظر منى إجابات على هذه التساؤلات الدرامية المكررة والمملة والتى أجيب عنها مراراً وتكراراً ومن كل الزوايا؟ هل تسأل حقا كى تعرف؟ أم تسأل لتعبر عن رفضك أو اعتراضك واستعراضك؟ أم أن الاسئلة المطروحة لأجل تبرير الابتعاد عن قطار الدولة والانسحاب طواعية تحت مظلة خلافات فى سلم الأولويات؟ بحق السماء هل تؤمن بما تقول؟ هل مازالت هناك اسئلة يمكن ان تكون فى موضعها خاصة بكل هذه المشروعات العملاقة التى تمت بكلفة اجمالية تزيد على ١١ تريليون جنيه انفقت خلال أحد عشر عاماً من العرق والكفاح، رفعت نسبة المعمور فى مصر من 7 ٪ إلى 14.7٪؟ بيد أن السؤال المغرض لا يحتاج إلا إجابة جارحة وأنا هنا وفى هذا الموضع أتعفف عن جرح مشاعر أحد حتى ولو كانت الحماقة مذهبه، يبدو أن عدم اندفاعى فى الإجابة عن هذه التساؤلات الضحلة وعدم سقوطى فى مستنقع الجدال والمراء، قد أحبط محدثى ويبدوا انه قد شعر بضياع فرصة تاريخية لاستعراض جهله، وعندما قلت له أثق فى ضميرك وعليك بسؤاله والاحتكام إليه، هنا استيقظ صاحبى على حقيقة مزعجة وهى انه مصاب بداء التفاهة وما كان ينبغى ان يكون كذلك، فكان بين خيارين، الأول أن يعترف انه كان على خطأ وبالتالى جاءات اسئلته بهذا الشكل الخجول، أما الثانى فكان محاولة اخيرة للذهاب بى إلى منطقة أخرى من مناطق الجدال، وقد كان الجدال أكثر سهولة بالنسبة له، قال بسرعة ما علينا من هذه الموضوعات “ وانت مين هيغلبك فى الكلام ده “قلت انت تعرف أكثر منى أن ما جرى فى مصر معجزة بكل المقايس، لكنك وارجو ان تتقبل منى ذلك بصدر رحب “ تخجل أو تتكبر من الاعتراف بالخطأ .. خطأ احكامك السابقة على كل تلك المشروعات وخطأ هجومك عليها دون علم ،وبادرته ماذا لديك ايضا، قال سد النهضة والسودان وغزة وليبيا ! قلت ماذا تقصد؟ هل يعجبك الوضع فى هذه الملفات؟ قلت بالتأكيد لا يعجبنى ما يجرى فى غزة ولا السودان ولا ليبيا ولا يعجبنى السلوك الإثيوبي، وبالمناسبة الدولة الرسمية والشعبية كذلك لا يعجبها كل ذلك وقد خرجت الجماهير أكثر من مرة للتعبير عن ذلك، واضفت الدولة تتحرك على كل هذه الملفات بحكمة بالغة وصبر استراتيجى فى ظل أوضاع شديدة الخطورة والتعقيد، بادرته محتدا ماذا تريد هنا؟ وماذا تتوقع من الدولة أكثر مما تفعل؟ هل تريد للدولة ان تخوض حروباً على كل الجبهات؟ قال لا بالطبع ولكن، قاطعته قائلا: “لعن الله” لكن وكل ما اشتق منها بمكان.