بعدما عُلقت آمال على أن تكون محادثات القاهرة المحطة الأخيرة قبل شهر رمضان للتوصل إلى أول وقف طويل الأجل لإطلاق النار فى غزة، وإنجاز هدنة مدتها 40 يوما، يتم خلالها إطلاق سراح عشرات الرهائن وضخ المساعدات إلى غزة للحيلولة دون وقوع مجاعة، لم تظهر بعد مؤشرات قوية على أن هذه الحرب التى دخلت شهرها السادس، ستنتهى قريبا بالطبع لكل حرب تعقيداتها، وظروفها الخاصة، وفيما يخص الحرب فى غزة فهى من دون شك صعبة ومتحرّكة وشرسة، ولم يقتصر أثرُها على جغرافيا المكان، وليست محدودة بساحلٍ وأرضٍ، إنها حرب كبيرة ومرشحة للتوسع وامتدت تداعياتها إلى البحر الأحمر وباب المندب، كما أنها مرتبطة بشبكة معقدة من المشاريع والمصالح للفاعلين السياسيين ومثل هذه الحروب حتى بعد انتهائها يظل أثرها طويلاً.
السؤال الذى يطرح نفسه لماذا لم تتوقف هذه الحرب رغم كل هذه الجهود من قبل الوسطاء الدوليين؟ والحقيقة أن هذا السؤال يحتمل إجابات كثيرة يتم تداولها فى الإعلام من عينة أن الطرفين المتحاربين إسرائيل وحركة حماس كل منهما يعلى سقف شروطه و مطالبه و يتعنت وهذا ما يجعل الجهود المبذولة بلا فائدة فحماس تقول إن الحركة قدمت مقترحها بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار إلى الوسطاء خلال يومين من المحادثات، وانتظرت ردا من الإسرائيليين الذين غابوا عن هذه الجولة ولم يردوا مما جعل حماس تقول إن نتنياهو، لا يريد اتفاقا، بينما تقول إسرائيل إنها قاطعت المحادثات؛ لأن حماس رفضت طلبها بتقديم قائمة بأسماء جميع الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة وتقول واشنطن، الحليف الأقرب لإسرائيل وأحد رعاة المحادثات، إن اتفاقا قبلت به إسرائيل كان مطروحا بالفعل على الطاولة، وإن الأمر متروك لحماس لقبوله وترفض حماس هذه التصريحات وتراها محاولة لإبعاد اللائمة عن إسرائيل إذا انهارت المحادثات دون التوصل لاتفاق خلاصة هذه الإجابة أن التعنت هو الذى يطيل أمد الحرب ولكن فى حالة غزة فأتصور أن الأمر مختلف نوعا ما حتى مع وجود هذا التعنت لآخر لحظة فى مباحثات القاهرة وهذا الاختلاف ينبع من طبيعة الصراع العربى الإسرائيلى نفسه فهناك سبب آخر يحول فى رأيى دون توقف هذه الحرب وهو محاولة الحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل استغلال الحرب لتصفية القضية الفلسطينية، عبر وسائل مختلفة ووضح هذا منذ الساعات الأولى للحرب عندما صرح نتنياهو ووزير دفاعه يؤافجالنت أن الهدف هو تغير الواقع على الأرض وهذا معناه بمنتهى الوضوح أن لا تكون هناك غزة وهذا هدف كبير أتصور أنه يسبق الهدفين المعلنين كأساسيين من قبل إسرائيل وهما «القضاء على حماس»، و«تحرير المختطفين»، بدليل أنه برغم وجود مسار فى الداخل الإسرائيلى يقول بأن على حكومة الحرب الاكتفاء بالهدف الثانى لتفادى المزيد من الإنهاك العسكري، والخسائر الميدانية، يمضى نتنياهو فى الحرب حتى النهاية فالحرب بالنسبة له مشتبكة بين الشخصى حيث يريد تعزيز حظوظ بقائه، وبين العسكري، إذ يريد أن يثبت للداخل الإسرائيلى قدرته على الانتصار،والذى يراه بكل وضوح محو غزة من على الأرض وهذا يذكرنى بالمقولة الشهيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق رابين:»تمنيت لو استيقظت يوما و وجدت غزة وقد ابتلعها البحر» وها هو نتنياهو يقولها صراحة فى كل مكان أنه سيقف ضد أى محاولة لحل الدولتين أومجرد التفكير فى إقامة دولة فلسطينية.
كما أنها حرب ليست تقليدية وإنما مختلفة كلياً عن الحروب التى خاضتها إسرائيل على جنوب لبنان، أو على الانتفاضة الفلسطينية، أو حرب غزة عام 2008 هذه الحرب تنظر إليها إسرائيل على أنها حرب وجود،هكذا يفكر نتنياهو وحكومته ومن ثم يريد فرض رؤيته لواقع جديد ببنود تعامل جديدة مع القضية الفلسطينية برمتها، وإعادة صياغة وتوصيف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ومن ثم فالحرب فى الميدان تحركها أهداف قديمة جديدة ليس مجرد هدف الانتقام من حماس على هجوم السابع من أكتوبر وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بمدى هذه الحروب التى تكبر مثل كرة الثلج.
الغريب فى الأمر أن الطرف الفاعل الحقيقى والرئيسى فى هذه الحرب وهو الولايات المتحدة الأمريكية –التى بإمكانها فى دقائق إنهاء هذه الحرب بالضغط على نتنياهو ومنع الأسلحة والمساعدات عنه– لم تبد حتى الآن رغبة حقيقية فاعلة لإنها هذه الحرب فقط يتحدث الرئيس الأمريكى جو بايدن و نائبته كاميلا هاريس و وزير خارجيته عن المساعدات الإنسانية، والضغط قدر الإمكان على إسرائيل لتسهيل دخولها، و إنشاء ميناء على ساحل غزة من أجل تلقى وإدخال المساعدات للقطاع، وهذا فى رأيى ما هو إلا استمرار لحالة الدوران حول النار المستعرة دون محاولة جدية لإطفائها، أتصور أن إنقاذ غزة من الجوع يجب أن لا يسبق إنقاذها من الموت المحقق على يد الجيش الإسرائيلى بالأسلحة الأمريكية.