وسط حروب وصراعات فى أماكن متعددة من العالم بداية من أوكرانيا، مرورا بالسودان، وصولا إلى الحرب فى غزة، وانتهاء بمئات الغارات الإسرائيلية فى مناطق عدة بجنوب لبنان، خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحي، فى أعنف قصف جوى يستهدف هذا البلد منذ بدء تبادل إطلاق النار على جانبَى الحدود قبل نحو عام على خلفية الحرب فى غزة، وفى ظل مخاوف من اندلاع حرب إقليمية فى الشرق الأوسط، وسط كل هذا انعقدت الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، وبالطبع هيمن على هذه الدورة الوضع فى لبنان وقطاع غزة باعتباره الأحدث فى قائمة النزاعات.
كالعادة اجتمع قادة العالم تحت الكاميرات واعتلى أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة منبر القاعة العامة للأمم المتحدة، توالياً خلال أسبوع، وفى كل دورة تكون هناك عناوين رنانة حول الصراعات وقد تخصص جلسة أو قمة لكل صراع الكل يدلو بدلوه فيها، على سبيل المثال هذه الدورة خصصت قمة بعنوان «قمة المستقبل» تناولت التحديات الكبرى التى تواجهها البشرية، مع عناوين فرعية أيضا براقة مثل قضايا الحرب والسلام وغيرها.
كل رئيس يصعد إلى المنبر ليتحدث عن موقف دولته ولا بأس من الإدانة والتنديد والشجب والصراخ أحيانا والوعود بحلول وطرح مبادرات ومقترحات وخطط وأفكار وتكوين مجموعات عمل واستصدار بيانات جماعية، على سبيل المثال أيضا خلال اجتماع مجلس الأمم المتحدة لمناقشة الحرب فى أوكرانيا بحضور الرئيس فولوديمير زيلينسكى دعا الأخير كل الدول إلى مواصلة دعم الجهود المشتركة من أجل مستقبل سلمى وأضاف زيلينسكى أنه سيعرض على بايدن والكونجرس خطة النصر التى أعدتها كييف لإنهاء الحرب الدائرة منذ عامين ونصف العام بينها وبين موسكو!، ولم يمنع هذا السياق الدولى زيلينيسكى من إطلاق جملة أو اثنين ليعتلى أيضا منصة التريند مثل قوله أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين سرق الكثير، لكنه لن يسرق مستقبل العالم
الرئيس الأمريكى جو بايدن والذى تمتلك بلاده كلمة عليا فى المنظمة الدولية باعتبارها أحد الخمس المالكة لحق الفيتو فى مجلس الأمن اعتلى المنصة ربما لآخر مرة فى حياته حاملا بعض الجمل العاطفية من عينة أن بلاده تعمل على احتواء التصعيد الأخير فى لبنان، وتعارض غزواً إسرائيليا برياً للبنان وأنها ستقدم أفكاراً ملموسة لشركائها لتخفيف حدة هذا الصراع.
فيما طلبت فرنسا عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث الوضع فى لبنان، وحذّر مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل، الاثنين، من أن النزاع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله يهدد بإغراق الشرق الأوسط برمّته فى حرب شاملة.
فى أول إطلالة له على منصة الجمعية العامة فى تاريخه، اتّهم الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان الذى تدعم بلاده حزب الله وحركة حماس إسرائيل بالسعى إلى توسيع الصراع فى الشرق الأوسط.
الكل تحدث، لكن مع الأسف فى الأخير النتيجة تساوى صفرا، يعجز قادة العالم فى كل مرة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الالتزام باتخاذ إجراءات جريئة لإنهاء الفظائع التى ترتكب فى أسوأ الأزمات فى العالم ومحاسبة المسئولين عنها، فى ظل عجز مجلس الأمن عن الاضطلاع بدوره فى حماية السلم والأمن الدوليين لعلة استخدام الفيتو، الحرب دائرة والاجتماعات الأممية أيضا دائرة، لا الاجتماعات توقف حربا ولا المتحاربين يخشون القانون الدولى ومؤسساته، الأمم المتحدة داهمتها الشيخوخة بشكل كبير ولم تعد قادرة حتى على تخفيف حدة الصراعات لا وقفها، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فى كل مرة يظهر فيها يتحدث عن قلة حيلته ولا بأس من أن يطلق هو الآخر بعض التصريحات من عينة «السلام يتعرض للهجوم من كل الجهات»، داعياً إلى وضع حد للمآسى التى تواجهها البشرية.
ستظل يد المنظمة الدولية مغلولة ما لم يعاد هيكلتها وإعادة النظر فى ألية اتخاذ القرارات بداخلها.