يقولون إن «الحرب أولها كلام» ولابد أنه كلامٌ مرذولٌ ذلك الذى يؤدى إلى نشوب حرب تزهق فيها الأرواح وتهلك الأموال.
إن المقاومة الفلسطينية قد غيرت مضمون هذا القول وأفرغته من محتواه بهجومها المفاجئ فى السابع من أكتوبر. إذ كان أساس هذا الهجوم هو «الخيال « الثوري/التكنولوجى المترع بالآلام، الطافح بالمعاناة المتراكمة والمتفاقمة على مدى 75 سنة من عمر الاحتلال الاستيطانى لفلسطين. ولو لم يتسع خيال المقاومة لما هو أبعد من حسابات القوة المادية البحتة لما تمكنت من اجتراحِ أدواتِ ووسائل لم تخطر على بال أعدائها لا من قريب ولا من بعيد.
«الخيال» إبداع. والتقليد جمود. وليس كل خيال يقود إلى النجاح، بل الخيال المتعقل المربوط بحقائق الواقع. وليس كل تعقل قرين النجاح، بل التعقل الموصول بالخيال. وهذا بالضبط ما وقع فى السابع من أكتوبر عندما شنت المقاومة هجومها المباغت وأفقدت العدو توازنه فى ثلاث ساعات فقط. ولا يزال هذا العدو مختلاً حتى اللحظة من هول الصدمة والهزيمة التى لحقت به، وهيهات يحاول محو هذه الهزيمة.
«الخيال» الذى تحركت المقاومة تحت جناحه أبعد ما يكون عن «الوهم»، وأقرب ما يكون إلى الواقع. والجمع بين هذين الضدين هو من عبقرية الخيال الثوري. فالأرض أرضنا: وهذا واقع. ومأساة شعبنا طالت واستطالت ولم يعد فى قوس الصبر منزع: وهذا واقع. وإيماننا بنصر بالله أقوى ما يكون، وعزيمتنا من حديد، وكرامتنا أغلى من كل شيء، واستقلالنا وتحرير الأقصى غاية كبرى يهون فى بيلها كل شيء، وكل هذا ثابت فى أعماق القلوب ثبات الجبال ولا يفارق الخيال، فماذا ننتظر ؟ ولماذا لا نغزوهم ونؤدى الواجب ؟. وهذا ما كان، وشاهده العالم ولا يزال.
«خيال ثوري» وثيق الصلة بجذور مجتمعه وموروثه الشعبي. ومن هذا الموروث قول أهل غزة: إنَّ «الأرضَ لا يحرثُها إلا عجُولُها». والعبرة من هذا المثل بعموم المعنى لا بحرفية النص ولا بخصوص السبب. وبتعديل بسيط كأن المقاومة قالت : «فلسطين لا يحررها إلا رجالها». وإن رجالها يعرفون أرضهم حق المعرفة، وأرضهم تعرفهم حق المعرفة. تحبهم، وتقاوم معهم. وتدلهم على عدوهم. وتحميهم وهم يقاومونه. وتؤويهم وهم شهداء «أحياء عند ربهم يرزقون».