لم يشرع الله العبادات فى الإسلام عبثا..بل جعل لكل عبادة قوى كامنة تدفع بالمسلم والإنسان عموما إلى الأمام تضعه على جادة الصواب تؤمنه من أى محاولة للانحراف تحصنه من عاديات الزمن وغدر الأعداء والأصدقاء ..تخلق منه النموذج الإنسانى الذى يدخل فى دائرة خير امة أخرجت للناس..يحدث هذا مع الصلاة الركن العظيم المتكرر خمس مرات فى اليوم فرضا وعدد ما شئت حبا وفضلا.وكذا الزكاة قوة التطهير الظاهرة والباطنة ضمان التآلف والرحمة وتقوية أواصر الحب والمودة والاحساس بالآخر فى كل أحواله ضيقا وفرجا عسرا ويسرا..السلاح الامضى فى مقاومة الفقر وانتشال الفقراء والقضاء على العوز والحاجة ومحاربة شح الانفس اذا غلبها الشيطان..ومارس مهمة اللعب على الحبال المهترئة عندما تضعف النفس الإنسانية فى لحظة ما..
الحج عبادة العابدين..طريق النجاة والخلاص..وهو موضوعنا اليوم..هو رسالة الرسائل ليس للمسلمين بل للعالمين..الباب الملكى فى الإخلاص والتجرد والارتقاء الى السماء بعيدا عن أى اغراءات ومغريات فى الحياة الدنيا.. رسالة رب العباد الى كل العباد..عبادة إسلامية ولكنه الرسالة الإنسانية العظمى لكل البشرية..
ولذا قيل ان الحج والزكاة هما الركنان الاجتماعيان من أركان الدين يقوم عليهما الأمر بين الفرد والفرد وبين الفرد والجماعة كما يقوم على الثلاثة الأركان الأخرى الأمر بين المرء وربه وبين المرء وقلبه فالزكاة تقيم نظام المجتمع على التعاطف والرحمة والحج يقيمه على التعارف والألفة فيحقق الأول معنى الإخاء بنفى العقوق ويحقق الآخر معنى المساواة بمحو الفروق والإخاء والمساواة شعار الإسلام وقاعدة السلام وملاك الحرية ومعنى المدنية الحق وروح الديمقراطية الصحيحة.
ويمكن القول بكل فخر لن يجد المسلمون نموذجا يقدمونه للعالم عن الإنسانية والرقى الحضارى بل وكل اشكال وأسماء الرقى فى ابهى معانيها اعظم من الحج..
واضح ان مسلمى اليوم لم يفهموا ولم يستوعبوا بعد الرسالة الحقيقية للحج مؤتمر المسلمين الدائم سنويا بلا انقطاع وبلا اعذار للتخلف او الغياب..يحدث هذا رغم ان الرسائل واضحة وقوية ومباشرة لاتحتاج الى مزيد عناء او فلسفة..المعانى مطروحة على قارعة كل طريق وفى صلب وهوامش كل كتاب وفى اشعاعات كل ضياء من الأرض والسماء..
الحج يستصرخ الجميع فرادى وجماعات يستحثهم على الطريق الأمثل والقوى الى العزة والنصر على الأعداء وضد كيد الكائدين وحقد الحاقدين
الرسالة بلا شعارات ولا أعلام أو إعلان ولا شركات علاقات عامة للتسويق والترويج وما شاكل ذلك.. بوضوح شديد تقول الرسالة : قوة الأمة فى وحدتها..اذ لايزال الحج رمزا لوحدة المسلمين ومصدرا أكيدا وحيويا على مكامن القوة والعزة وإمكانية بل وضرورة وحتمية الاجتماع .الحج هو الصرخة الحانية والنداء الدائم للوحدة واللقاء بصفاء وتجرد وحب خالص لله ورسوله.. الحج مشروع التواصل الإسلامى المستمر لايقدر احد على إيقافه او تعطيله مهما كانت الأسباب لا علاقة له بجاهزية طرف او عدم جاهزيته او بأى علة من العلل فمن سحر فريضة الحج انها عبادة تقل فيها الخلافات المذهبية وتكثر دائما المواقف الجامعة لا وقت ولا مجال لفرقة او مشاحنة لارفث ولا فسوق ولاجدال انه عبادة نعم ..افعل ولا حرج..
تنبه أعداء الأمة منذ العصور الأولى للاسلام للقوة الكامنة فى الحج والدور الذى يقوم فى نهضة الأمة واكتسابها مناعة حقيقية ضد محاولات العبث والاختراق واعترفوا بذلك صراحة بعد دراسات مستفيضة ومتابعة لاعمال الحج وسجل علماء الاستشراق والمنصرين ذلك فى دراسات شهيرة لهم عن الإسلام ومنها كتاب الألمانى باول شيمتز بعنوان:الإسلام قوة الغد العالمية وترجمه الى العربية الدكتور محمد شامة الأستاذ بجامعة الازهر..
وكانوا يسمونه اجتماع الكعبة ومؤتمر عرفات وعدوه من اعظم الاجتماعات التاريخية حيث تعجز أى دولة عن القيام به او الوقوف امامه وتعطيله والتقليل من اثره..
فالحج اكبر قوة لإحباط كل محاولات تفريق الأمة وزعزعة وحدتها وهو ابلغ رد على دعاة الفردية والانهزامية امام التحديات والتهديدات التى تواجه المسلمين فى أى مكان واصدق دليل على ان من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم.
وذهب البعض الى ان أداء فريضة الحج وتعاظم شانها كل يوم يعد اكبر هزيمة نفسية لاعداء المسلمين لما تحدثه من تغيير فى قناعتهم بمدى نجاح خططهم لتفكيك المسلمين وتفريقهم فضلا عن انه يدخل الرعب فى قلوبهم ويخوفهم منة هذا الجمع الغفير الذى يتوحد فى كل شيء رغم تفرق البلدان وتعدد اللغات واللهجات والألوان..
الحج جرس انذار كبير ضد محاولات ونظريات التفكيك والتفتيت للامة.. ينادى الأمة افرادا وجماعات عودوا الى رشدكم لاتنسوا وحدتكم ..
لذا فالأمة كلها فى حاجة ماسة الى ان تحج بصدق واخلاص تجأر بالدعاء لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ..حتى تتطهر وتولد وتبعث من جديد وتعود كما أرادها الله خير أمة أخرجت للناس..
والله المستعان..