تعتبر «الحالة الإسرائيلية « بكل تفاصيلها منذ منشئها وحتى هذه اللحظة حالة نادرة وليس لها مثيل فى تاريخ البشرية، إسرائيل كدولة خرجت من رحم الاستعمار البريطانى وأمضت فترة نشأتها الأولى فى كنف ورعاية أوروبا الغربية بقيادة بريطانيا العظمى والذين يدورون فى فلكها وقتئذ، فى هذه الفترة تم إجراء أول عملية فى التاريخ « لزراعة دولة كاملة فى جسد دولة أخرى « وسط تواطؤ دولى غير مسبوق، بدأت الدولة المنزرعة تتمدد على حساب الدولة الأصلية فقامت باحتلال الأرض وطرد السكان الأصليين من بيوتهم إلى أصقاع الأرض، وبعد خفوت وانحسار الإمبراطورية البريطانية حل محلها الولايات المتحدة الأمريكية داعمة وراعية وحامية ودافعة عن تلك الدولة التى نبتت وترعرعت وشبت حتى تجبرت وصارت حالة تحتاج الى دراستها بتمعن وتدقيق.
>>>
اليوم وبما أنه ليس صراعا بين سلطتين متناظرتين وليست حربا بين جيشين متكافئين فماذا يجب أن نطلق عليه إذن؟ أتحدث عن ماهية القضية الفلسطينية، وأفكر مليا وبهدوء فى تأصيل بعض مفردات القضية، البداية هو احتلال مجموعة من العصابات الصهيونية المسلحة للأراضى الفلسطينية ولكن بشكل يختلف عن كل حالات الاحتلال التاريخية المعروفة، لكن ربما يكون هناك وجه شبه بين وصول الأسبان والبرتغاليين إلى الأمريكتين عبر رحلات المكتشفين الأوائل كريستوفر كولومبوس وفاسكو ديجاما وهنرى الملاح وغيرهم وما تبع ذلك من وصول الاوروبيين وسيطرتهم على أمريكا وسحقهم للسكان الأصليين من الهنود الحمر.
>>>
عموما هذا الشبه ليس له قيمة أو دلالة إلا تفسير الاحتواء الأمريكى اللامحدود واللامشروط لإسرائيل، لكن وسط زحام التحليلات وتضارب الآراء وتناقض الرؤى يبرز أمامى سؤال أراه فى تقديرى حال الإجابة عليه ـ هو أهم نقطة فى منهج القضية، السؤال باختصار، هل القضية التى يطلق عليها البعض صراعا أو نزاعا هى فى الأساس « دينيه « أم سياسية؟ وبمعنى أبسط على الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراع ذات طابع ايديولوجي؟ أم هو صراع سياسى ويستخدم الدين لتحقيق أهدافه؟ وهنا وفى سبيلنا للبحث عن إجابة صحيحة لابد وأن نعيد الأمور إلى نصابها ونفكك المعادلة إلى مكوناتها الأولي.
>>>
فى البداية لابد وأن نذكر أن تيدور هرتزل كان علمانيا وغير متدين تماما وكانت أرض فلسطين احد الخيارات المطروحة من الأرجنتين وأوغندا وسيناء، وهذا يؤكد أن الصراع بدايته كانت سياسية حيث يوجد شعب مشتت فى اصقاع الأرض يبحث عن وطن قومى وأمامه اختيارات منها أرض فلسطين، هنا ربما جاء دور رجال السياسة الذين استخدموا أوراق الدين لتمرير مشروعاتهم السياسية، ومن الجانب الفلسطينى لم تكن المقاومة الفتحاوية ذات طابع دينى بل كان معظم قادة فتح على الطرف الآخر من نهر الراديكالية الإسلامية، لكن ظهور حماس وتصديها للمقاومة وإصباغها بصبغة دينية وغض إسرائيل الطرف عما يجرى لأنه يصب فى غير صالح منظمة التحرير الفلسطينية التى كانت تراها إسرائيل عدوا إرهابيا قبل أن تظهر حماس.
>>>
الخلاصة هنا هو ضرورة البحث عن إجابات حقيقية وغير ملونة على سؤالى البسيط مرة أخرى هل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراع دينى يتحرك فى سياقات سياسية؟ أم صراع سياسى يتحرك فى مسارات دينية؟ هذه الإجابات ستقودنا إلى تفسيرات لكل المواقف والقرارات التى نراها تحدث أمام أعيننا ولا نجد لها تفسيراً، نتنياهو يتحدث عن الأغيار والأخيار والعماليق وسفر التكوين والسبط البابلى وأهل النور وأهل الظلام ويهودا والسامرا ويحاول ان يدين الصراع السياسي، والمقاومة الإسلامية تتحدث بآيات من القرآن ـ حمالة أوجه ـ عن الصراع بين المسلمين واليهود وحتمية المعارك الكبرى إلخ، فإذا كانت الحرب دينية فلا ما لها سياسيا، وإذا كانت سياسية فيمكن الوصول إلى حل مهما كانت التحديات، أجيبونى يرحمكم الله.