يمكنك عزيزى القارئ نطق كلمة «قهر» فى العنوان أعلاه بفتح القاف والهاء فى إشارة إلى جيشنا العظيم الذى استطاع هزيمة وقهر جيش الاحتلال فى حرب السادس من اكتوبر المجيدة، وكذلك يمكنك نطقها بضم القاف وكسر الهاء فى إشارة إلى الجيش الإسرائيلى الذى تجرع القهر والهزيمة النكراء على يد أبطال القوات المسلحة المصرية وباتت مقولة أو عبارة الجيش الذى لا يقهر دربا من دروب الخيال واكذوبة ووهما عاشه الإسرائيليون ست سنوات وحطمه المصريون فى ست ساعات!!.
من هذا المنطلق تحتفل مصر فى السادس من أكتوبر كل عام بذكرى هذا الانتصار العظيم الذى تتناوله العسكرية العالمية، بالفحص والدرس حتى الآن، وربما لأجيال طويلة مقبلة، نتذكر التضحيات التى بذلها رجال هانت أرواحهم، ولم تهن مكانة الوطن فى قلوبهم، يجب التأكيد على أن هذا الانتصار كانت له نتائج عميقة فى كثير من المجالات، على الصعيد المحلى لدول الحرب، والإقليمى للمنطقة العربية. كما كانت لها انعكاسات على العلاقات الدولية بين دول المنطقة، والعالم الخارجي، خاصة الدول العظمى والكبري.
أثبتت الحرب للعالم أجمع قدرة المصريين على إنجاز عمل جسور، يستند إلى شجاعة القرار، ودقة الإعداد والتخطيط، وبسالة الأداء والتنفيذ، مما أكد للجميع أن الشعب المصرى ضرب أروع صور البطولة ووقف إلى جوار قواته المسلحة.
التضامن العربى الذى ظهر بوضوح فى حرب أكتوبر دليل قاطع على بداية شعور العرب ولأول مرّة فى تاريخهم المعاصر بالخطر على أمنهم القومى والإستراتيجى ولذلك توج هذا التضامن بنصر عسكرى كبير فخر به الجميع. ومن أبرز نتائج الانتصار الكبير فى أكتوبر أيضاً إعادة تعمير سيناء وبدء مشروعات ربطها بوادى النيل والعمل على تحويلها إلى منطقة إستراتيجية متكاملة تمثل درع مصر الشرقية .
وكان لحرب اكتوبر المجيدة العديد من النتائج والآثار على كافة المستويات ، السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وسوف نركز فى السطور التالية على الآثار والنتائج العسكرية والاستراتيجية التى خلفتها تلك الحرب العظيمة لتكون عبرة ونبراسا للأجيال الجديدة، حيث أهدرت الحرب اسس الإستراتجية العسكرية لإسرائيل من خلال فشلها فى تقديرها لقوة الدول العربية بقيادة مصر، وإمكاناتها العسكرية، وفشلت ايضا فى تحليل المعلومات المتحصل عليها، بحيث لم تستطع التوصل إلى نوايا المصريين ببدء الحرب ضدها، وهى بذلك فقدت الأساس الأول لإستراتيجيتها العسكرية، بالاحتفاظ بقوة رادعة، كذلك أهدرت الأساس الثانى لإستراتيجيتها العسكرية، بقدرة استخبارتها العسكرية على اكتشاف نوايا العرب لشن حرب ضدها، فى وقت مبكر.
ثبت ايضا أن خط بارليف ما هو إلا خط دفاعى يمكن اختراقه بالتخطيط الجيد والعزم والتدريب العالى المستوى الثالث للإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، بالاستناد إلى العائق الطبيعى القوى (قناة السويس) فى خطوط دفاعية محصنة متتالية.
استطاع النظام المتكامل للدفاع الجوى المصرى رغم إنشائه تحت ضغط الهجمات الجوية الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف من تحييد القوة الجوية الإسرائيلية وحققت الخطة المصرية الهجومية مفاجأة إستراتيجية ونجحت بذلك فى شل وإرباك القيادة الإسرائيلية، على مختلف المستويات، فى المراحل الأولى من الحرب. وقد مكنها ذلك من تحقيق هدف آخر، وهو بناء رءوس كبارى شرقاً، واستقرارها وثباتها.
كما نجحت الإستراتيجية العسكرية المصرية، فى إهدار نظرية الأمن الإسرائيلي، فى معظم نقاطها، فلم تستطع العوائق الطبيعية القوية بين القوتين منع المصريين من بدء الهجوم، كما لم يحقق احتلال شرم الشيخ ضماناً للملاحة الإسرائيلية فى خليج العقبة، ولم تحقق القوات الجوية المتفوقة ردعاً للمصريين، واستطاعت مصر أن تدير أعمالا قتالية بالغة العنف ضد إسرائيل فترة طويلة من الزمن نسبياً، ما أثر على المجتمع الإسرائيلى واقتصاديات الدولة، وأدى التنسيق مع الجبهة السورية، قبل بدء القتال وفى المراحل الأولي، إلى تشتيت الجهود الإسرائيلية على جبهتين، وتمكنت خطة الخداع الإستراتيجية من تضليل القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية .
فى ذات الوقت نجحت القيادة السياسية والعسكرية، فى إعداد الدولة للحرب، على أسس علمية، وساعد ذلك على تنفيذ الحشد والفتح الاستراتيجى للقوات، طبقاً للخطة «بدر « ، ومن خلال خطة خداع إستراتيجى معقدة، دون مشاكل تقريباً، ودون أن تفطن القيادة الإسرائيلية و كان للإعداد الجيد سياسياً، أثره فى دعم الموقف العسكرى عند بدء القتال بنجاح خطة الإعداد السياسى فى عزل إسرائيل عالمياً، كذلك نجحت خطة إعداد الشعب للحرب، إذ تجاوبت الأجهزة الشعبية لتوعية الشعب، ووضح ذلك فى الدفاع عن مدن القنال الرئيسية.
اخيرا وليس آخرا استطاعت الإستراتيجية العسكرية المصرية، الاستفادة بالطاقات العربية، بقدر محدود نسبياً، سواء بالدعم المالي، أو شراء الأسلحة اللازمة أحياناً، أو الدعم بالقوات، المحدودة أحياناً أخري. وقد نجح ذلك فى تجنب كثير من المواقف الصعبة، خاصة فى الأيام الأخيرة للحرب…. وللحديث بقية ان كان فى العمر بقية.