لم تكن جريدة الجمهورية منذ 71 عاماً.. يوم صدور أول أعدادها.. بالتحديد فى يوم الإثنين 7 ديسمبر 1953 الموافق 30 ربيع الأول 1373، وحتى اليوم.. لم تكن مجرد مبنى من الحيطان.. يضم مطابع وأخباراً وورق جرايد.. وحروف رصاص وسيارات.. إنما هى روح ومعني.. وما زالت.. فالروح تتمثل فى الإنسانية التى تحكم علاقات وسلوك كل من ينتمى إليها.. واما المعنى فتجسد فى حرص الجميع على تقديم وجبه متميزة يلتهمها القارئ بكل رضا واقتناع.. والمهم ان يجد القارئ آلامه وهمومه وآماله وطموحه.. وأيضاً اهتماماته على صفحات جريدته.. بدون تهويل أو مجاملة.. فحقيقة المعنى ان يجد القارئ نفسه على صفحات الجريدة.. تصوروا.. عندما يتولى المفكر والأديب الكبير د.لويس عوض.. مسئولية رئاسة صفحة الأدب فى «الجمهورية».. تحت عنوان: « الأدب فى سبيل الحياة».. كتب الأستاذ د.لويس عوض فى افتتاحية أول صفحة يقدمها.. قائلاً: نحن نكتب الأدب فى سبيل الحياة.. ولا نكتب الأدب للأدب.. مضى زمن كان فيه الأدب ينزوى فى قصره المسحور.. ويحيا منعزلاً عن تيار الحياة.. انتهى الأدب الاناني.. وان لم يكن قد انتهى فسوف نعمل على انهائه.. فنحن على أعتاب عصر جديد.. ونحن نكتب الأدب فى سبيل الحياة الجديدة.. فلقد ورد فى الأساطير ان العنقاء تحرق نفسها كل مائة عام كلما ادركتها الشيخوخة.. لتخرج من رمادها العنقاء الجديدة.. ومصر هى العنقاء.. والعنقاء لا تموت.. ومصر لا تموت.. ومن يكتب الأدب فى سبيل الحياة.. يلتزم بالواقع.. ونحن نلتزم بالواقع والخيال.. وبالجديد والقديم.. نحن نلتزم بالحياة.. حيث يتداخل ألف شريان وشريان.. نلتزم بالحرية فهى الأدب الحى بمثابة الشمس والهواء.. وهذه الجريدة هى الرئة التى سيتنفس بها الكتاب الأحرار.. والحرية عندنا أوفياء للحق.. نلتزم بالمبادئ الإنسانية العليا.. وفوق كل هذا وذاك نلتزم بمصر.. أم الحضارات.. مهد الديانات.. المجد لك يا مصر.. هذا كلام المفكر الكبير د.لويس عوض فى أول عدد لـ»الجمهورية».. منذ 71 عاماً.. وكأنه يصنع ميثاق عمل الجريدة.. اما د.طه حسين فكتب فى نفس العدد يقول: محنة الأدب تشتد.. أصبحت من أنصار القديم !.. وفى نفس العدد الأول لـ»الجمهورية».. كتب زكى طليمات.. مقال الصفحة الأخيرة بعنوان طغيان الأفلام الأجنبية.. كان معترضاً على استيراد 386 فيلماً أجنبياً من الخارج فى العام الماضى «1952» بينما لم يتجاوز إنتاج السينما المصرية 71 فيلماً فقط.. اما العدد الثانى لـ»الجمهورية» فقد حمل خطاب جمال عبدالناصر فى هيئة التحرير بالوايلى قوله: إن جمال زائل.. ولكن المبادئ والأهداف باقية.. يجب أن نحقق حكماً ديمقراطياً دستورياً سليماً.. ومن العجيب ان تنشر «الجمهورية» فى عددها الثانى خبر زيارة تشرشل للولايات المتحدة الأمريكية.. وحرصه على زيارة برنارد باروخ السياسى اليهودى المعروف وقضاء ليلة معه فى قصره بولاية كارولينا الجنوبية.. قبل لقاء تشرشل بترومان رئيس أمريكا.. وقالت الصحافة العالمية والمحلية.. إن تشرشل لم يخطئ.. لأنه بدأ بزيارة رئيس أمريكا الحقيقي.. والمعروف ان تشرشل باع مذكراته التى صدرت فى 6 كتب إلى يهود أمريكا والعالم كله.. محققاً منها أكثر من مليونى دولار.. عام 1957، وخصصت «الجمهورية» بابا يومياً.. لرأى مواطن.. كمقال رأى للمواطنين.. ومساحة مماثلة بعنوان: وراء شكواك.. وعمود يومى بعنوان: نهر الحياة.. للأديب الكبير د.محمد مندور.
نجحت «الجمهورية» فى تحقيق معجزة صحفية بكل المقاييس فى يوم 9 ديسمبر 1953، فلأول مرة تصل جريدة صباحية «الجمهورية» إلى قارئ الصعيد فى نفس يوم صدورها.. حيث تم الاتفاق مع شركة مصر للطيران.. ان تقوم بنقل أعداد الجمهورية فجر كل يوم.. إلى مطار أسيوط.. لتنطلق سيارات التوزيع إلى اهل الصعيد شمالاً وجنوباً.. بقى ان أقول إننى عثرت على مجلد يحتوى على اعداد «الجمهورية» للعام الأول لصدورها «عام كامل» ضمن المتعلقات الثمينة التى كان يحتفظ بها المرحوم والدى عبدالرءوف عدس.. كواحد من مؤسسى «الجمهورية» وصحفييها الكبار.. ولأننا من أبناء الإسماعيلية.. فقد تولى عبدالرءوف عدس مسئولية مكتب «الجمهورية» فى منطقة القناة.. قام بتغطية جميع الحروب.. التى خاضتها مصر فى منطقة القناة.. كما شارك فى تغطية المؤتمرات الصحفية العالمية بالإسماعيلية.. وكان ضمن الوفد الصحفى المرافق للرئيس الراحل أنور السادات على ظهر المحروسة من بورسعيد إلى الإسماعيلية ايذانا بإعادة فتح القناة للملاحة العالمية فى عام 1975 وكام معهم الكاتب الصحفى الكبير المرحوم عبدالمنعم الصاوى رئيس مجلس الإدارة وتحرير «الجمهورية» فى ذلك الوقت.. وتبقى الجمهورية عشقا تتوارثه الأجيال.. ولابد ان اعترف بأن الجيل الحالى يستحق التحية.. فهو يتولى المسئولية فى ظروف صعبة.. يقودها رئيس التحرير الأستاذ أحمد أيوب.. المهنى الذى وضع الجمهورية على الطريق الصحيح.. ومعهم المهندس طارق لطفى رئيس مجلس الإدارة.. ولتبقى «الجمهورية» روحاً ومعنى.. فى ايدى القارئ.. بعد مرور 71 عاماً.. أقول إن صاحب الفضل هو القارئ.. الداعم الحقيقى لنجاح «الجمهورية».