فى الفيلم أو المسرحية أو المسلسل أو الأغنية تطل السياسة بشكل أو بآخر.. ومع إحياء البلاد لذكرى 30 يونيو المجيدة التى أعادت مصر إلى أهلها من الخاطفين وتجار الدين.
كيف ترسم صورة «الجمهورية الجديدة» فى مشاهد من واقع عشناه ولمسناه.. ونبحث عنه فى أعمالنا الفنية وقد رأينا كيف حقق مسلسل الاختيار بأجزائه والأعمال الوطنية الأخرى أعلى نسب المشاهدة على مستوى العالم العربى كله.. لكن الجمهور يحلم بالمزيد وهو يعرف ان مصرنا العظيمة تمتلك كافة الامكانات البشرية والأثرية والفنية والاجتماعية لكى تكون دائماً فى صدارة المشهد العربي.. وهو ما جعل رائد الاقتصاد طلعت حرب ينتبه إلى دعم السينما إلى جانب انشاء بنك مصر وشركاته لأنها منظومة مكتملة.. وقد كانت صناعة السينما من مصادر الدخل القومى بعد القطن.
وأهم المطالب الجماهيرية المزيد من الأعمال التاريخية والوطنية إلى جانب الأنواع الأخرى ووجوده ضرورى من أجل التنوع فلا أحد يمكن أن يتجاهل الكوميديا والقصص الاجتماعية ودورها المهم فى صناعة الوعي.. ولعل الاحتفاء بمسلسل الحشاشين ومن قبله القاهرة كابول والاختيار بأجزاءه الثلاث التى قدمت رسالة الدولة الوطنية ومعه أيضاً «هجمة مرتدة» وبطولات رجال الظل كل هذا أكبر دليل على ما أقول..وتاريخنا العربى يحتاج إلى نظرة درامية تقدمه للأجيال الجديدة صافياً نقياً.. نتجاوز فيه عن الصغائر والصراعات المذهبية إلى صميم روابطنا العربية ومع أكثرها.. بين مصر والسودان وسوريا ولبنان والجزائر والخليج والأردن والمغرب.
وهنا تلعب مصر دورها الرائد فى تقديم الأعمال العربية التى تجمع الشعب العربى من المحيط إلى الخليج كما قدمت ثورة اليمن وجميلة الجزائرية وحبيبتى بابل وغيرها.. والدراما التليفزيونية فيها المتسع للحكي.. وقد رأينا كيف أضاف نجوم سوريا ولبنان بحضورهم فى الدراما المصرية خلال السنوات الأخيرة.. وتم إعادة اكتشاف كبار نجومها هنا وأبرزهم جمال سليمان وفراس ابراهيم وباسل خياط وسولاف فواخرجى وسوزان نجم الدين وعابد الفهد وقصى خولى ونيكول سابا وإياد نصار وكندا علوش وهند صبرى وعشرات من أهل الطرب والغناء الذين عاشوا فى مصر وأصبحوا قطعة منها.. والغناء سبق الدراما.. وكسر الحواجز بين الدول العربية وهذا ما نأمله فى الفترة القادمة مع انتشار الفضائيات.
أبطالنا
تاريخنا العلمى والعسكرى والفنى والسياسى فيه عشرات الأسماء التى تحتاج إلى وقفة درامية يعرف من خلالها الشباب والكبار كيف نجح الكفيف طه حسين ابن الصعيد الفقير ان يصبح وزيراً للمعارف ورئيساً لتحرير جريدة الجمهورية والمشاهد لايزال يذكر المسلسل العبقرى الذى قدمه رئيس جمهورية التمثيل أحمد زكى من اخراج يحيى العلمي.
تقديم هذه النماذج المبهرة أعمالاً فنية تجتمع فيها الفائدة والتسلية والعبرة.. ولن نحارب الفن الهابط إلا بالجيد ولن نرفع من شأن الخير ونحاصر الشر.. إلا اذا قويت شوكة الخير ومنحنا الناس طاقة إيجابية.. وخرجنا بالكاميرات إلى المدن الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة ومزارع الأسماك ومحطات الكهرباء والقرى التى جرى إعادة تطويرها ضمن «حياة كريمة»
ومشينا فى الطرق التى ربطت البلاد بعضها ببعض بعد أن كان الوصول إلى اسطنبول أسهل من الوصول إلى الوادى الجديد.
لقد اجتمع أهل الفكر والفلاسفة على ان الفن يستطيع ان يغير المفاهيم ويمنح الطاقة الإيجابية التى تعين الإنسان على التصالح مع الحياة وهمومها ،وما أحوجنا فى الجمهورية الجديدة ان تنظر الدراما إلى الوطن والمواطن والعروبة نظرة تليق بهذا التحول العظيم ومتى نفعلها ونحن لها!!
ارفع رأسك أنت البطل
فى المصطلح السياسي.. قد يقال الثورة الأولى أو الثانية.. وقد توصف الجمهورية بالأولى أو الثانية.. لكن الوضع اختلف فى مصر 30 يونيو.. لأن السيمفونية كانت لحن الشعب وعزف الجيش واختلطت الأحلام والمشاعر والطموحات بين العازف والمعزوف فإذا بقطعة موسيقية.. وقف العالم أمامها يسأل مندهشاً عن سرها الابداعى العظيم المتفرد لكن العالم ببواطن الأمور والذى يدرك جيداً كيف ان لمصرنا من الملامح والسمات ما لم تعرفه العديد من شعوب العالم.
فهل بالغ العبقرى جمال حمدان عندما قال واصفاً شخصية مصر فى رائعته الخالدة.. إنها صاحبة المكان والمكانة.. التى جمعت خصائص التاريخ وقوة الجغرافيا فى آن واحد.
وهى الأمة التى جاءت فى فجر الإنسانية بمعجزة الأهرامات.. وحضارتها.. وهى القادرة أن تأتى بمعجزات أخرى فى عصورها المختلفة لأن مخزونها الحضارى يتجدد ذاتياً من جيل إلى جيل فهى أقدم وأعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم غير قابلة للقسمة على اثنين مهما كانت قسوة الضغط والحرارة لأنها قدس أقداس السياسة العالمية.
والقائد الذى رأت فيه القوات المسلحة انه ابن المرحلة بعد ان جرى اختطاف المحروسة وبدأت عملية تغيير جلدها.. وهويتها على يد إخوان الشر.. تجار الدين وبعض القوى الداخلية والخارجية.. التى مارست لعبة لا نتركها تغرق ولا نتركها تطفو وتصل إلى بر الأمان حتى تكون دائماً أبداً سهلة المنال منزوعة الارادة.
وفى ذروة الغليان والفوضي.. كانت العيون الحارسة المخلصة تراهن على شعبها فهو القلب وهى صمام أمنه وقوته وثروته لأنها قطعة غالية فهى منه وإليه بمثابة الرأس من الجسد وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى فى لقاءات مع الصحافة والإعلام أشار إلى ما وجد فى كتابات جمال حمدان المفكر العبقري.. وأحلامه لبلده فى ثنايا ما سطره بكلماته البليغة الكاشفة البصيرة.
وكانت إشارة لمن يدرك ويعى أن مصر غير قابلة للبيع أو المساومة.. والفئة الضالة مهما ارتفع صوتها لا يمكن أن تكون صاحبة الحل والربط ومالكة الزمام لتقرير المصير وتوجيه البوصلة إلى حيث مصالحها وسلطانها باسم الدين على حساب الجموع العظيمة.
الصورة الخالدة
والصورة الخالدة لمشهد 3 يوليو عندما اجتمعت رموز الأمة بأطيافها كلها.. والقائد العام للقوات المسلحة يلقى بيانه التاريخي.. لكى يعدل الحال الذى مال ويتطلع إلى الشعب الذى كان يتابعه بكل الثقة والتقدير لكى تعود الأمور إلى نصابها المعتدل الذى لا يهدد بالخراب والتفجير والدمار والقتل وليذهب كل شئ إلى الجحيم.. لأنهم فقط أهل الجنة.. وأفعالهم وأجنداتهم تقول بغير ذلك.
فهل رأيت قتلة السادات فى استاد القاهرة وقد جمعهم المعزول مرسي.. فى احتفال يخص جيش مصر وهم من اغتالوا فرحته بنصره فى عيد انتصاره واغتالوا قائده الأعلى على مرأى ومسمع من العالم.. إنها قمة المهزلة.
صورة مشهد بيان 3 يوليو لا يمكن ان تكتمل إلا إذا قدر لك أن تقف على مفترق الطريق عند شارع رمسيس فى تلك النقطة التى تجمع القادم من شبرا متجهاً إلى ميدان التحرير عندما خرجت الملايين فى ذلك المشهد المهيب.. وقد أدركت ان حلم الجمهورية الجديدة لن يتحقق إلا بعقليات وقلوب آمنت بالوطن وقدست ترابه ودفعت الغالى والنفيس من الشهداء والأبطال فى معاركها المتواصلة للدفاع عنه.. جيلاً بعد جيل.
وجوه خرجت مستبشرة مؤمنة بأن الكيل قد فاض وان خلاص البلد مرتبط بالخلاص من الفئة الضالة التى لعبت بأكثر من قناع لكى تخفى نواياها وشرها وأطماعها وأكاذيبها لكن هذا الشعب بجيشه.. وهذا الجيش بشعبه.. لا يمكن التلاعب والضحك عليه.. وهو الذى قهر التتار والفرنساوية والانجليز والعثمانية.. لم تخدعه عمامة نابليون.. ولا سلام أوباما فى جامعة القاهرة باللغة العربية.. ولا نفاق المماليك.
عند القناة
فى الجمهورية الجديدة لا تبدأ الأحلام بذلك القالب الذى يتم وضعه فى بداية تدشين المشاريع بقليل الأسمنت ويرتفع هذا الشاهد وقد تم تسجيل الساعة والتاريخ والاسماء على جداره.. لكن المشروع نفسه قد لا تقوم له قائمة.. لكن فى الجمهورية الجديدة لا يرفع الستار إلا وقد اكتمل الحلم حتى يسأل القاصى والدانى متى بدأ وكيف.. ويضحك «المنقذ» ابن الجمالية فى مناسبات عديدة وهو يقول: ليس كل ما يعرف يقال.. وليس كل ما نصنع يبان.. إلا وقد اكتمل البنيان وسطع البنيان وعندها.. تكون الصورة أقوى من كل لسان.
وعند افتتاح قناة السويس الجديدة وهو الحلم الذى راهن فيه ابن المرحلة على أهله ونجح الرهان بالثقة والاقبال قبل المال الذى تدفق كأنه قناة ثالثة بخلاف الأولى القائمة والثانية الجديدة «المعجزة» فى انجازها ومغزاها ومعناها.
فى 6 أغسطس 2015.. وأمام مجموعة من ملوك ورؤساء دول العالم.. وعلى مرأى ومسمع من الجميع.. كان الرئيس السيسي.. الذى تولى أمر البلاد بأمر الشعب وقد اصطفاه قبلها بعام وعدة أسابيع يعلن فى خطابه التاريخى عن ميلاد الجمهورية الجديدة من وحى ما قرأ وعاش فى كتابات المفكر جمال حمدان وأحلامه العظيمة التى رسمها لمصر قبل رحيله اللغز فى عام 1993.. وقد كرمته الجمهورية الجديدة عام 2020 باطلاق اسمه على دورة معرض القاهرة الدولى للكتاب.. وهو الذى قال انقذوا مصر من القاهرة.. فكانت العاصمة الادارية الجديدة.. قال إن الأرض الزراعية تتآكل.. فكانت مشاريع المليون ونصف.. وقال إن الوادى قد ضاق بأهله.. فكانت المدن الجديدة.. وحذر من أن مصر سيدة النيل قد ظهر لها من ينازعها فى النهر العظيم.
السيسى الذى قرأ جيداً التاريخ وفكر حمدان وأحلامه بأنه لا مجال فى الجمهورية الجديدة للفهلوة والعشوائية فى الفكر والمعنى والمبنى والإنسان.. وقد تشرف كاتب السطور بان تشمل رباعيته عن 30 يونيو كتاباً عن «شخصية مصر الحديثة» أو ملامح الجمهورية الجديدة إلى جانب الثلاثة كتب الأخرى «المؤامرة والمتآمرين- من الانفلات إلى المعجزات – شهادة ميلاد مصر».
السؤال المهم
إذا كانت هذه هى الجمهورية الجديدة التى تسابق الزمن فى أحلامها وطموحاتها وتبنى وتعمر فى كل محور.. فهل أنت أيها المواطن فى طبعتك وطباعك الجديدة.. تعيش الحلم.. وتكون على مستواه وايقاعه وسرعته.. ذلك هو السؤال الذى ينبغى أن يكون أمام كل واحد منا آناء الليل وأطراف النهار؟
وهل تأخذنا الدراما مرة أخرى إلى هذه المشاهد الخالدة فى تاريخنا الحديث.. وكيف أنقذت ثورة 30 يونيو العالم العربى من المؤامرة الكبرى أعتقد أن دراما الوعى مازالت مطلوبة، ونريد منها المزيد لأننا أشد الحاجة إليها ؟!