أحياناً يطوى النسيان صفحات لا يجب أن تطوى بل نحتاج أن نتذكرها دائماً حتى نظل مدركين لما كانت تسير إليه مصر، وما كان سيصبح عليه مصيرها، وفى الوقت نفسه نعلم كيف تم إنقاذها بل وتصحيح بوصلتها.
من الفترات التى لا يمكن أن يطويها النسيان سنة حكم الجماعة الإرهابية التى قفزت على حكم مصر فى فترة صعبة، وكانت تقود الوطن إلى الهاوية، ليس فقط سياسياً وأمنياً، بل اقتصادياً، فقد وصل الانهيار تحت إدارتهم إلى حدود غير مسبوقة وصلت إلى شبح اقتتال الأهل بسبب عدم توافر السلع وظهور طوابير الموت سباقاً على البوتاجاز والبنزين وانقطاع الكهرباء بلا توقف، كان عاماً من الكوارث بسبب الفشل فى إدارة شئون البلاد وإصرار الجماعة على الاستحواذ والسيطرة وليس توفير الخدمات والسلع والاحتياجات اللازمة للمواطنين، لذلك تراجع معدل النمو إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفاع البطالة إلى رقم تاريخى «14 ٪» وحرمان شبه كامل من أهم الخدمات.
يجب أن نتذكر هذا الحال، وألا يغيب عنا مشهد الطوابير والغضب بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وقتها، لندرك حجم وقيمة وأهمية ما تحقق خلال السنوات العشر الماضية ومازال يتحقق حتى الآن، وكيف نجحت الجمهورية الجديدة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إصلاح ما أفسدته الجماعة الإرهابية، وتراكمات عقود من الأخطاء الكارثية، وكذلك إنقاذ الوطن من الانهيار الكامل.
لم يكن كل هذا إلا بجهد كبير تم بذله على كافة المستويات، خاصة الاقتصادى من خلال إصلاح اقتصادى جريء كان طوق النجاة للمصريين، وحصاد هذا الجهد الآن أرقام لا يمكن إنكارها سواء البطالة التى تراجعت لأول مرة إلى 6.3 ٪، والاحتياطى النقدى الذى ارتفع لأول مرة إلى «46.9» مليار دولار وغير ذلك من الأرقام، وتدفق الاستثمارات والأهم المشروعات العملاقة التى تمت على أرض مصر.. والسطور التالية تحمل تفاصيل كثيرة توضح مدى الإنجاز الذى حققه الاقتصاد المصرى رغم التحديات والعقبات التى واجهته منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية..
وفى السطور التالية التفاصيل..
رغم انهيار الاقتصاد المصري، وتعرضه لشبح الإفلاس بعد أحداث 2011، مروراً بالمخططات والمؤامرات الدولية التى تحاك ضدها نجحت مصر فى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى استهدف النهوض بالاقتصاد، والارتقاء بالظروف المعيشية للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوجيه الدعم لمستحقيه من الفئات الأكثر احتياجاً والذى لقى استحسان وإشادات من كافة مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية.
أكد خبراء اقتصاد الـ»الجمهورية الأسبوعي»، ان الإصلاحات الاقتصادية انعكست على قوة وصلابة الاقتصاد المصري، واهتمت الدولة بإقامة العديد من المشروعات الإنتاجية والصناعية والزراعية والاستهلاكية فضلاً عن تهيئة البنية التحتية الصناعية لتحقيق فرص عمل ملائمة للخريجين ضمن منظور الدولة فى إعادة تنظيم الموارد البشرية وجعلها وقود ثورة صناعية وإنتاجية حقيقية بمصر القادمة.
أضافوا ان الاقتصاد المصرى أصبح قادراً على تجاوز تداعيات الأزمة العالمية الراهنة ونجاح الإصلاح الاقتصادى ساهم فى تحجيم البطالة وجعل مصر محل ثقة المؤسسات الدولية فى شتى أنحاء العالم.
د.محمود السعيد نائب رئيس جامعة القاهرة وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابق قال إن الفترة التى أعقبت يناير 2011 بداية لمرحلة جديدة من التغيرات السياسية والاقتصادية التى هزت أركان الاقتصاد المصري، ومع تعاقب أربع حكومات خلال ثلاث سنوات، ظهرت حالة من عدم الاستقرار أثرت بشكل مباشر على مناخ الاستثمار وثقة المستثمرين، كما أدت الإضرابات والمطالبات الفئوية إلى توقف تام لعجلة الإنتاج، وصاحب ذلك تراجعات كبيرة فى العديد من القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى حالة ركود كاملة فى كثير من الشركات، ونتيجة لذلك، تكبد الاقتصاد المصرى خسائر بمليارات الجنيهات.
الأوضاع صعبة
عن تلك الفترة أشار إلى أن مصر كانت فى خضم اضطرابات سياسية واقتصادية حادة، وتراجع الاستثمار الأجنبى إلى مستويات غير مسبوقة، حيث انخفض إلى أقل من 4 مليارات دولار سنويًا، فى وقت كان الاقتصاد فى حاجة إلى ضخ استثمارات ضخمة لتجاوز التحديات، ومع تعمق الأزمة، انخفض معدل النمو الاقتصادى إلى 2.1 ٪ سنويًا فى المتوسط، وهو ما أدى إلى تفاقم البطالة التى بلغت ذروتها عند 13.4 ٪ بحلول عام 2014، مع معاناة أكبر بين الشباب الذين وصلت معدلات البطالة بينهم إلى 30 ٪، كما أن الأوضاع تفاقمت بسبب الانخفاض الحاد فى إيرادات السياحة بنسبة 70 ٪، حيث سجلت خسائر سنوية تزيد على 5 مليارات دولار، موضحاً ان البلاد شهدت أزمات حادة فى الطاقة، مع انقطاعات متكررة للكهرباء ونقص فى الوقود، مما أثر على النشاط الصناعى والخدمي، ولم تكن هذه المشكلات اقتصادية بحتة، بل كانت جزءًا من مشهد عام يعانى فيه الاقتصاد من عدم استقرار سياسي، مما جعل الحكومات المتعاقبة غير قادرة على اتخاذ قرارات إصلاحية جذرية.
انطلاقة جديدة
د.محمود السعيد، قال إنه مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم فى 2014، دخلت مصر مرحلة جديدة من الإصلاح والتنمية والمشروعات القومية 2015-2025 وكانت البداية عبر اطلاق برنامج إصلاح اقتصادى شامل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، تضمن تحرير سعر الصرف فى 2016، وإعادة هيكلة الدعم الحكومي، مع التركيز على المشروعات القومية الكبري، ونجحت الحكومة فى وضع رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي، حيث ركزت على تحسين البنية التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية، وكان تحرير سعر الصرف خطوة جريئة، ورغم تأثيره السلبى المؤقت فى رفع معدلات التضخم إلى 30٪، فإنه أسهم فى تعزيز قدرة الاقتصاد على جذب العملة الصعبة.
أشار إلى أنه بفضل هذه الإصلاحات، ارتفع معدل النمو الاقتصادى إلى متوسط 4.5٪ سنويًا، وبلغ ذروته عند 6 ٪ فى 2019، كما تراجعت البطالة إلى 7.3٪ بحلول عام 2024، ثم إلى 6,7 فى الربع الثالث من العام مع توفير ملايين الوظائف من خلال المشروعات القومية الكبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات الإسكان الاجتماعى التى تجاوزت 1.2 مليون وحدة سكنية، وما يميز هذه الفترة هو الاعتماد على مشروعات قومية ضخمة لتحفيز الاقتصاد، وقناة السويس الجديدة على سبيل المثال لم تكتفِ بزيادة إيرادات القناة من 5.4 مليار دولار فى 2014 إلى 9.4 مليار دولار فى 2023، بل عززت مكانة مصر كمحور ملاحى عالمي، وسجلت الموازنة العامة للدولة، عجزاً متتالياً فى السنوات التى أعقبت يناير 2011، ليصل مستوى العجز بالموازنة العامة للدولة نسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية 2011- 2012، إلى 12.5 ٪، ثم إلى 13,8 ٪، فى السنة المالية 2013- 2014.
اقتصاد يستقر
أوضح «د.السعيد» ان الاقتصاد بدأ يستقر ككل فى الأعوام 2016 و2017 و2018، وكاد الاقتصاد يجنى ثمار الجهود المبذولة لإعادة هيكلته، إلا أن سلسلة من الأزمات العالمية والإقليمية بدأت تؤثر على الدخل القومى المصري، أبرزها جائحة كورونا التى أثرت على حركة التجارة والسياحة والتحويلات الخارجية، وأدت إلى زيادة كبيرة فى تكاليف تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتلا ذلك التوترات الجيوسياسية والحرب الروسية- الأوكرانية التى نتج عنها ارتفاع كبير فى أسعار القمح والزيوت وغيرهما من السلع الغذائية التى تعتمد عليها مصر، ولولا الإصلاحات الاقتصادية التى سبقت هذه الأزمات، والإجراءات التى تلتها، لكان التأثير أكبر مما يحتمله الاقتصاد، وقد يصل إلى مستوى كارثي.
لفت إلى أنه تاريخيًا، ليست الأزمة الأخيرة، هى الأعنف التى مرت بها مصر، فقد شهدت البلاد أزمات كبري، ومر الاقتصاد بفترة أقرب للكساد بين عامى 67 و73، حيث واجه الاقتصاد تحديات هائلة ولم يكن هناك توفر للسلع بالأساس، ورغم الارتفاع الكبير فى أسعار السلع حاليًا، فإن السلع ما زالت متوفرة، على عكس الأزمات السابقة التى شهدت نقصًا حادًا فى الموارد.
توقع» د.محمود السعيد» أن يكون العام الجديد 2025 عامًا مميزًا للاقتصاد المصري، مع عودة إيرادات قناة السويس إلى مستوياتها السابقة، وتعافى حركة السفن بعد الأزمات الإقليمية الأخيرة. وتكاتف الشعب المصرى ودعمه للحكومة يظل العامل الأهم فى تجاوز هذه التحديات، بما يضمن عبور الأزمات بأقل الخسائر.
تراجع وأزمات
د.أيمن غنيم، الخبير الاقتصادى والقانوني، قال إن الفترة من 2011 إلى 2015 تعكس سنوات من التراجع والأزمات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر انخفاض قدرة الشبكة الوطنية للطاقة بنسبة 20 ٪ تقريبًا بين 2012 و2014، مما أدى إلى انقطاعات كهرباء يومية، لكن نجحت مصر خلال العقد الأخير فى تحقيق نهضة شاملة بفضل رؤية واضحة وإصلاحات جريئة. ومع استمرار التحديات، يبدو أن الاقتصاد المصرى يمتلك الآن قاعدة أكثر صلابة تمكنه من مواجهة المستقبل بثقة.
أضاف أن استعادة هيبة الدولة وترسيخ دولة المؤسسات والقضاء على الإرهاب قد مكّن الدولة من إصدار حزمة من التشريعات لتشجيع الاستثمار، وأبرزها القانون رقم «72» لسنة 2017، والخاص بالاستثمار والقانون رقم «152» لسنة 2020، والخاص بالمشروعات المتوسطة والصغير ومتناهية الصغر، والقانون رقم «194» والخاص بالجهاز المصرفى والبنك المركزي، وأن الاستقرار قد مكَّن الدولة من القيام بإصلاحات هيكلية، لخفض عجز الموازنة من 13.8 ٪، من الناتج المحلى فى العام 2013 إلى 6 ٪ فى العام المالى الحالي، الذى ينتهى فى 30 يونيو 2025، مما كان إحدى الدعائم التى مكنت الاقتصاد المصرى من عبور 3 أزمات عالمية فى الأربع سنوات الأخيرة، وهى جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقد كان لتلك المرونة، التى أبداها الاقتصاد المصرى فى مواجهة الأزمات، تقدير لافت من المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف الائتمانى ومجتمع الأعمال الإقليمى والعالمي.