تعد قضية «إعادة إعمار غزة» من أهم الملفات السياسية المرتبطة باليوم التالى لانتهاء حرب الإبادة على القطاع والتى استمرت لأكثر من عام ونصف العام، كما تعتبر من أكثر القضايا التى تشغل جدول أعمال الساسة فى العواصم العالمية الهامة المرتبطة بالملف الفلسطيني.. وتحظى مصر بالحضور الأقوى من هذا الملف منذ بدء ظهوره فى العام 2014 وحتى اليوم، فهو الأكثر تأثيرا وفاعلية ونجاحا ليس فقط سياسيا بل عمليا نظرا للتجارب الناجحة السابقة للمشاركة المصرية فى إعادة إعمار العراق وليبيا وغزة.
وتتضمن ملامح الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة التنفيذ على مرحلتين، تبدأ بإزالة ورفع الأنقاض ثم بناء مجمعات سكنية وذلك خلال من 3 إلى 4 سنوات.
وتشير ملامح الخطة إلى أن بدء العملية سيكون من رفح الفلسطينية جنوب غزة إلى شمال القطاع ونقل المدنيين إلى مناطق آمنة داخل القطاع خلال أول 6 أشهر وتوفير وسائل العيش الأساسية مثل المياه والكهرباء فى المناطق الإنسانية الثلاث وإدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام إلى المناطق الآمنة للسكن لمدة 6 أشهر وإنشاء وحدات سكنية آمنة بعد عام ونصف العام وتؤكد الخطة المصرية على أن إعادة الإعمار سيكون بيد أهالى غزة دون تهجيرهم.
كما تتضمن الخطة إدخال كميات كافية من البضائع والوقود إلى غزة كما كانت قبل الحرب وقدرت الخطة مشاركة حوالى 24 شركة متعددة الجنسيات متخصصة فى البناء والتخطيط لتنفيذ الإعمار.
وتعليقاً على الملامح الأولية لخطة الطريق المصرية، أكد اللواء طيار اركان حرب دكتور هشام الحلبى مستشار الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية لـ«الجمهورية الأسبوعى» إن الدولة المصرية تعاملت بمرونة وسرعة من خلال منهج سياسى ودبلوماسى لوضع اهداف إستراتيجية أبرزها تنفيذ حل الدولتين ووقف اطلاق النار بجانب إعادة إعمارغزة دون مغادرة الفلسطينيين أراضيهم.
مضيفاً أن مصر تحركت فى محاور رئيسية على المستوى الداخلى والاقليمى والدولي، وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية التى تمر بها مصر فقد قدمت مساعدات طبية وانسانية تمثل حوالى 80 ٪ من اجمالى المساعدات على مستوى العالمى واستقبال الحالات الطبية الحرجة، واخيرا منازل متنقلة ومعدات بجانب فتح مطار العريش وميناء العريش لاستقبال المساعدات من جميع انحاء العالم وشحنها إلى قطاع غزة.. أما على المستوى الاقليمى فنجحت مصر فى حشد موقف عام لمنع تهجير الفلسطينيين الى مصر أو الاردن او أى دولة أخري».
وأضاف أن مصر تقدم خطة كاملة متكاملة لاعادة اعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين فى ارضهم، بجانب تعزيز التوافق الفلسطينى للعمل على ايجاد سلطة فلسطينية تدير شئون الفلسطينيين داخل القطاع بدلا من ان يكون هناك سلطة خارجية تدير شئونهم».. وأكد على ان هناك تعنتاً إسرائيلياً واضحاً بشأن التنفيذ الفعلى على أرض الواقع لبنود الهدنة المتفق عليها لانها لا ترغب فى مغادرة قطاع غزة لذلك تعمل مصر جاهدة فى تنفيذ خطوات الهدنة من خلال التنسيق مع جميع الاطراف لتذليل الصعوبات التى تواجهها».
تجدر الإشارة إلى أن تقييم أصدرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولي، أمس الأول، أن الاحتياجات اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة سيتجاوز 53 مليار دولار.
أكد السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق ان «المؤتمر الدولى الذى دعت له مصر منذ أسابيع لإعادة إعمار غزة وتمكين أهلها على أرضهم، فرصة لمساعدة الأسرة الدولية وتأكيدها على تقديم الاحتياجات المالية المطلوبة، للتنفيذ الفورى لانقاذ أهالى غزة من الكارثة التى يتعرضون لها فى القطاع، ونرجو ألا تخذلهم الأسرة الدولية ماديا بعد أن ربما خذتهم سياسياً».
واعتبر ان «محاولة إسرائيل بالعمل على التجويع والحصار واستخدام البروتوكول الإنسانى كمدخل للتقليل لما تحتاجه المجتمعات الفلسطينية كسلاح للتهجير القسرى واضح فى أن هدفه اتمام عقاب جماعي، على عكس ما يخوله القانون الدولى الإنساني».
وأشار إلى أن «أى تصريحات تشجع على التهجير القسرى هى مستهجنة ومرفوضة على مستوى المجتمع الدولى الذى شاهد بأعينه بشاعة الموقف للأطفال والنساء وتشيد السكان وتدمير المستشفيات والمساجد والكنائس وقصف سيارات الإسعاف واستهداف العاملين فى مجال الاغاثة الإنسانية».
ولفت إلى «تدمير أكثر من 2000 مؤسسة تابعة للأونروا فى غزة و65 من مدارسها وتقل 50 ألف فلسطيني، 70 ٪ منهم من النساء والأطفال ونزوح أكثر من 2 مليون شخص متشبثين ببلدهم، وعلينا تقديم الخطة الكفيلة لتمكينهم من الأرض، والانتهاء من عملية الإعمار فى أسرع وقت ممكن عبر تضافر الجهود الدولية».
جهود الإعمار المصرية من 2014 إلى 2025
جهود مصر لإعمار غزة ممتد منذ سنوات حرصاً على إيجاد مكان آمن لأبناء القطاع عقب كل أزمة..ففى 2014 نظمت مصر واحداً من اكبر التجمعات الدولية، مؤتمر اعادة اعمار غزة بعد العدوان الإسرائيلى على القطاع بحضور 50 دولة عربية واجنبية و20 منظمة دولية، وكان الهدف منه جمع 6 مليارات دولار لاعادة الاعمار وكانت الامم المتحدة قد اعلنت عن الحاجة لبناء 89.000 وحدة سكنية و26 مدرسة وإصلاحات شاملة فى البنى التحتية.
وفى يونيه 2017: اللجنة المصرية لاعادة اعمار غزة تعلن انتهاء المرحلة الاولى من مهمتها برفع الركام وانقاض المنازل المهدمة، وتجهيز البنى التحتية اللازمة لانطلاق المرحلة الثانية التى تشمل بناء 3 مدن سكنية جديدة «دار مصر 1» فى منطقة الزهراء جنوب غزة، ودار مصر 2 غرب جباليا، ودار مصر 3 فى بيت لاهيا بعدد 117 عماة سكنية وقرابة 2500 وحدة سكنية، وتطوير الواجهة البحرية للكورنيش، وانشاء 2 كوبرى فى الشجاعة والسرايا لفك الاختناقات المرورية، وتعثر اتمام المشروع بسبب الحصار الإسرائيلى على القطاع وفرض قيود صارمة على دخول مواد البناء.
وفى مايو 2021 أعلنت مصر تقديم مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لاعادة الاعمار فى قطاع غزة نتيجة للعدوان الاسرائيلى على القطاع.
وفى ديسمبر 2024: استضافت مصر أعمال مؤتمر القاهرة الوزارى لتعزيز الاستجابة الانسانية فى قطاع غزة تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبمشاركة نائبة السكرتير العام للأمم المتحدة امينة محمد، بمشاركة 103 من وفود عدة دول ورؤساء منظمات وهيئات دولية ومؤسسات مالية واغاثية.
وفى 4 فبراير 2025 أعلن وزير الخارجية المصرى عن اتصالات تجريها القاهرة لترتيب عقد مؤتمر دولى لاعادة اعمار غزة وفقاً للمرحلة الثانية عن اتفاقية وقف اطلاق النار.
بلومبيرج: الأنقاض تكفى لملء طابور
من الشاحنات من «نيويورك» لــ «سنغافورة»!!
كشفت دراسة لمؤسسة «راند» البحثية الأميريكية أن إعادة إعمار قطاع غزة ستتكلف مبالغ طائلة وأن إزالة الأنقاض وحدها ستكلف ما يزيد على 700 مليون دولار. وقالت إن الحرب على غزة خلفت مليون طن من الأنقاض، وهو ما يكفى لملء ما يزيد على 1.3 مليون شاحنة. مشيرة إلى أن هذا التدمير يضع تحديات غير مسبوقة أمام الجهات المانحة والمؤسسات الدولية.
بحسب «بلومبيرج»، فإن هذه الأنقاض تكفى لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، وقد يستغرق إزالة كل تلك الأنقاض سنوات بتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار.
المراحل الفنية لإعمار غزة
المرحلة الأولى:
إزالة الأنقاض وإعادة تدويرها لاستخدامها كجزء من خرسانة البناء أو كجزء من أرضيات عملية البناء
المرحلة الثانية:
تشمل البدء في مد البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء ومحطات التحلية وخطوط الاتصالات
المرحلة الثالثة:
التخطيط العمراني للقطاع ثم بناء الوحدات السكنية وتوفير الخدمات التعليمية والصحية والثقافية المختلفة
بدء دخول شاحنات إعادة الإعمار والكرفانات إلى القطاع
شهد معبر رفح أمس مواصلة دخول شاحنات إعادة الاعمار والمساكن الجاهزة (كرفانات) إلى قطاع غزة، فيما استقبل ميناء رفح البرى الدفعة الـ 17 من المصابين والمرضى الفلسطينيين ومرافقيهم قادمين من غزة للعلاج.
من جانبه قال محافظ شمال سيناء، الدكتور خالد مجاور، إن الفترة الماضية شهدت دخول عدد كبير من الخيام إلى قطاع غزة، مقدمة من مصر والإمارات وتركيا.
أضاف الدكتور مجاور – فى تصريح له أمس – أن الإتفاق الذى تم توقيعـــه بين حمـــاس وإسرائيل ينص على دخول 60 ألف كرفان و200 ألف خيمة خلال المرحلة الأولى من إتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، والسارية حاليًا، مشيرًا إلى دخول عدد كبير من الخيام فى الأيام الماضية، بينما يتبقى إدخال الكرفانات.
صرح مصدر مسئول بميناء رفح البرى بمحافظة شمال سيناء بأنه سيتم استكمال إدخال شاحنات إعادة الإعمار والكرفانات إلى قطاع غزة خلال الأيام المقبلة.
قال المصدر إن ميناء رفح البرى استقبـل 64 مصــابا ومــريضــا و78 مرافقا من الفلسطينيين حيث تم نقل الجرحى بواسطة سيارات الاسعاف إلى المستشفيات فى شمال سيناء وغيرها بمحافظات الجمهورية لتلقى العلاج والرعاية الطبية اللازمة.
الرئاسة الفلسطينية:
«لن نقبل بالتهجير ولا بالوطن البديل»
أكد الناطق الرسمى باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة،أن الشعب الفلسطينى لن يقبل بأى مخططات سواء بالتهجير أو الوطن البديل، محذرا من أن تهديد الشعب الفلسطينى لن يكون مفيداً لأحد، بل سيؤدى إلى دمار واسع هنا أو فى المنطقة.
حذر أبوردينة، فى تصريح أمس، وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» من مواصلة سلطات الاحتلال حربها الشاملة على الشعب الفلسطينى والأراضى فى الضفة الغربية، خاصة فى محافظة جنين ومخيمها، ومحافظة طولكرم ومخيميها، مرتكبة المزيد من جرائم القتل والتهجير وتدمير الممتلكات، مبينا أن قوات الاحتلال تشن حملة تدمير ممنهج للمنازل، وتهجير للمواطنين، ما أدى إلى استشهاد عشرات المواطنين ومئات الجرحي، فى ظل صمت دولى عن مخططات الاحتلال الرامية إلى تنفيذ مخطط الضم والتوسع العنصري، استكمالا لجرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها فى قطاع غزة والتى أدت إلى استشهاد وجرح وفقدان أكثر من 200 ألف مواطن.
طالب أبوردينة، بتدخل الإدارة الأمريكية لوقف العدوان الإسرائيلى المتواصل على الشعب الفلسطينى وأرضه، وعدم تشجيعه على التمادى فى عدوانه الذى سيؤدى إلى تفجر الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وسيدفع ثمنه الجميع.
كما أدان الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، إقدام سلطات الاحتلال على طرح مناقصات لبناء 974 وحدة استيطانية استعمارية جديدة فى مستعمرة «إفرات»، واعتبرها امتدادا لمخططات الاحتلال الرامية إلى فرض سياسة الأمر الواقع، مؤكدا أن الاستعمار جميعه غير شرعى ومخالف لجميع قرارات الشرعية الدولية التى أكدت وجوب إزالته.