هناك زاوية مهمة يتجاهلها الكثيرون خلال تحليلاتهم السياسية الخاصة بالقضايا الكبرى التى تقلق العالم، بدءاً من قرارات الإدارة الأمريكية وصولاً إلى حرب غزة والصراع العربى الإسرائيلي، هذه الزاوية هى «المكون الدينى فى المعادلات السياسية»، لذلك لفت انتباهى الكثير من المواقف والتصريحات المحيطة بالرئيس ترامب وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والتى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين قولاً وفعلاً، ففى أكتوبر الماضى نظمت جامعة أطلانطا مؤتمر الإيمان الوطنى فالتف رجال الدين حوّل ترامب وصلوا جميعاً من أجله وخرج أحدهم يقول: نحن نحبك يا يسوع، ونحب بلدنا أيضاً، ونشكرك لأنك رفعت دونالد جيه ترامب، ليكون محاربا من أجل كلمة الله، ونحن نصلى لك بينما ترفعه مرة أخرى الآن ليكون رئيسنا، وندعوك أن تمنحه القوة والحكمة والفرح فى الرحلة».
>>>
وكانت حركة الإصلاح الرسولى الجديد والتى تسعى لوجود حكومة مسيحية للولايات المتحدة ترغب فى تمكين المسيحيين المحافظين فيما تسميها «الجبال السبعة» للمجتمع الأمريكي: الأعمال التجارية، والتعليم، والترفيه، والأسرة، والحكومة، والإعلام، والدين.
هذه الحركة تعمل على ربط وصول ترامب للحكم وقضية الخلاص وتبرهن على ذلك بقراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس على أنها رسالة ربانية وأمر يسوعي، وجاء أيضاً فى كتاب «الاستعداد للحرب» لمؤلفه برادلى أونيشى قوله: إن «الكثير من النبوءات والكثير من المفاهيم حول ما سيحدث فى المستقبل تستند إلى ترامب كأداة اختارها الله».
>>>
يقول ترامب نفسه «أنا أؤمن حقا بأنه لا يمكنكم ان تكونوا سعداء بدون الدين، بدون ذلك الإيمان، دعونا نعيد إحياء الدين، دعونا نعيد تذكر الله فى حياتنا.
من هذه الزاوية أفكر فى حقيقة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وبما أنه ليس صراعا بين سلطتين متناظرتين وليست حرباً بين جيشين متكافئين فماذا يجب أن نطلق عليه إذن؟ أتحدث عن ماهية القضية الفلسطينية، وأفكر مليا وبهدوء فى تأصيل بعض مفردات القضية، البداية هو احتلال مجموعة من العصابات الصهيونية المسلحة للأراضى الفلسطينية ولكن بشكل يختلف عن كل حالات الاحتلال التاريخية المعروفة، لكن ربما يكون هناك وجه شبه بين وصول الإسبان والبرتغاليين إلى الأمريكتين عبر رحلات المكتشفين الأوائل كريستوفر كولومبوس وفاسكو ديجاما وهنرى الملاح وغيرهم وما تبع ذلك من وصول الأوروبيين وسيطرتهم على أمريكا وسحقهم للسكان الأصليين من الهنود الحمر، عموماً هذا الشبه ليس له قيمة أو دلالة إلا تفسير الاحتواء الأمريكى اللا محدود واللا مشروط لإسرائيل، لكن وسط زحام التحليلات وتضارب الآراء وتناقض الرؤى يبرز أمامى سؤال أراه فى تقديرى – حال الإجابة عنه – هو أهم نقطة فى منهج القضية، السؤال باختصار، هل القضية التى يطلق عليها البعض صراعاً أو نزاعاً هى فى الأساس «دينيه» أم سياسية؟ وبمعنى أبسط على الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراع ذات طابع ايديولوجي؟ أم هو صراع سياسى ويستخدم الدين لتحقيق أهدافه ؟ وهنا وفى سبيلنا للبحث عن إجابة صحيحة.
>>>
لابد وأن نعيد الأمور إلى نصابها ونفكك المعادلة إلى مكوناتها الأولي، فى البداية لابد وأن نذكر أن تيدور هرتزل كان علمانيا وغير متدين تماماً وكانت أرض فلسطين إحدى الخيارات المطروحة من الأرجنتين وأوغندا وسيناء، وهذا يؤكد ان الصراع بدايته كانت سياسية حيث يوجد شعب مشتت فى أصقاع الأرض يبحث عن وطن قومى وأمامه اختيارات منها ارض فلسطين، هنا ربما جاء دور رجال السياسة الذين استخدموا أوراق الدين لتمرير مشروعاتهم السياسية، ومن الجانب الفلسطينى لم تكن المقاومة الفتحاوية ذات طابع دينى بل كان معظم قادة فتح على الطرف الآخر من نهر الراديكالية الإسلامية، لكن ظهور حماس وخروجها من رحم حضانات الإخوان وتصديها للمقاومة وإسباغها بصبغة دينية للدق على أوتار القلوب فى مشارق الأرض ومغاربها أمام غض إسرائيل الطرف عما يجرى لأنه يصب فى غير صالح منظمة التحرير الفلسطينية التى كانت تراها إسرائيل عدوا إرهابياً قبل أن تظهر حماس.
>>>
الخلاصة هنا هو ضرورة البحث عن إجابات حقيقية وغير ملونة على سؤالى البسيط مرة أخرى هل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى صراعاً دينياً يتحرك فى سياقات سياسية؟ أم صراعاً سياسياً يتحرك فى مسارات دينية؟ هذه الإجابات ستقودنا إلى تفسيرات لكل المواقف والقرارات التى نراها تحدث أمام أعيننا ولا نجد لها تفسيراً، نتنياهو يتحدث عن الأغيار والأخيار والعماليق وسفر التكوين والسبط البابلى وأهل النور وأهل الظلام ويهودا والسامرا ويحاول ان يدين الصراع السياسي، والمقاومة الإسلامية تتحدث بآيات من القرآن – حمالة أوجه – عن الصراع بين المسلمين واليهود وحتمية المعارك الكبرى إلخ، فإذا كانت الحرب دينية فلا حل لها سياسياً، وإذا كانت سياسية فيمكن الوصول إلى حل مهما كانت التحديات، أجيبونى يرحمكم الله.