الثورات لا تموت.. تظل محفورة فى وجدان الشعوب.. مسطورة بحلوها ومرها فى سجل التاريخ.. تتوارث أساطيرها ومشاهدها الأجيال جيلاً بعد جيل.. وكأن أحداثها تدور أمام الأعين فى التو واللحظة.. ولا أعتقد أن هناك أعظم من ثورة 23 يوليو 1952 التى تنفست فيها الأرض المصرية نسيم الجمهورية.. وأرخت فيها العدالة الاجتماعية سدولها وظلالها على الجميع.. فسكنت القلوب سريعا وعاشت فى الوجدان طويلا.. وقطعا.. نختلف أو نتفق هذا شيء مفطور لدى البشر منذ خلق آدم إلى يوم الدين.. بل إن الابناء أنفسهم قد تختلف آراؤهم حول أبيهم الذى رباهم.. وليس جديدا أن ندلل على اختلاف البشر حول هذا وذاك.. فتلك من طبائعنا لكن كنت محظوظاً أنا وأبناء جيلى مواليد ما بعد ثورة يوليو وبداية الستينيات.. فالتحقنا بمدارس الثورة.. وعولجنا فى مستشفيات الثورة.. وكان الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصربالنسبة لنا هو الهواء الذى نتنفسه.. والاسطورة التى تشغل كل جلساتنا.. ولأننى من أبناء حى العباسية.. هذا الحى العريق الذى يجسد مصر الحضارة والعراقة بكل جوانبها.. فهو يجمع بين أثرياء المجتمع لحد الرفاهية.. والفقير الذى يفترش الرصيف.. ونجوم الكرة والفن من عبدالحميد الجندى إلى حسن الأسمر..فقد كانت ثمار الثورة وتداعياتها فى كل مكان. حتى معقل الكرة الذى كنا نستمتع ونحن صغار بالذهاب إليه لمشاهدة المباريات من مدرجات الثالثة التى تهز جبالاً.. كان «ستاد ناصر» الذى صار فيما بعد «ستاد القاهرة».
وقد تقرأ كثيرا عن ثورة يوليو.. والايجابيات والسلبيات.. وحول الزعيم جمال عبدالناصر.. والنهضة الصناعية الكبرى التى قادها الدكتور عزيز صدقي.. وكيف كانت مصر تصنع سيارات «نصر» و «رمسيس» وكيف غزت منتجات المحلة القطنية الفاخرة الأسواق الأوروبية.. وكان ارتداء ملابس المحلة فخر ودليل ثراء ونقاء.. ومصانع الألومنيوم التى كانت تصدر أجود إنتاجها للخارج وصلب حلوان والمصانع الحربية.. ثم الهيئة العربية للتصنيع..و.. و.. لن نعدد ايجابيات ثورة يوليو.. لكن الحقيقة التى عشناها نحن جيل ما بعد ثورة يوليو والأجيال اللاحقة أن الزعيم جمال عبدالناصر حقق العدالة الاجتماعية فى اسمى صورها لأبناء الشعب المصرى فسكن قلوبهم وعاش فى وجدانهم.. وكان زعيماً وطنياً فريداً.. ساند حركات التحرر والاستقلال فى أفريقيا وآسيا.. فتجاوز نضاله وكفاحه الحدود ليبقى زعيما عالميا خلدت اسمه كثير من دول القارتين الأفريقية والآسيوية باطلاق اسمه على شوارع ومؤسسات فى بلدانهم.
>>>
ومن أهم القطاعات الخدمية التى تجسدت فى أدائها سمات العدالة الاجتماعية قطاع الصحة.. فكان المريض يتوجه إلى المستشفى بتذكرة رمزية.. يفحصه المختص ويعرف علاجه.. وإذا كانت الحالة تستدعى إجراء عملية يتم حجزه على الفور ويجرى الجراحة دون أعباء تذكر.. والكل سواء فى حجرة الكشف وعنبر الحجز والعناية وداخل غرفة العمليات.. وهذا ما يوجه به دوما الرئيس عبدالفتاح السيسى من خلال المبادرات الصحية العديدة التى قدمت خدماتها المجانية للملايين.. لأن الصحة كما يؤمن الرئيس هى أساس بناء الإنسان المصرى بجانب منظومة التعليم.
وتبذل الدولة المصرية لأن جهدا كبيراً لتقديم أفضل الخدمات للمواطن.. كما كان يحدث قبل اللجوء إلى تقارير العلاج على نفقة الدولة.. وما حدث من ضياع الملايين على الدولة من خلال استيلاء البعض على ملايين الجنيهات من خلال قرارات العلاج على نفقة الدولة ومازالت واقعة نواب القرارات فالرجل المسن.. والسيدة العجوز.. من أين لها القدرة الصحية والمالية على الذهاب والإياب لعمل قرار من اللجنة والاعتماد من الوزارة.. و.. و.. فإذا كان المستشفى تابعاً للصحة.. والميزانية ميزانية الصحة.. فما الحاجة إلى اللف والدوران.. وقرارات العلاج وهل يمكن لطبيب أن يقرر مثلاً إجراء جراحة لشخص سليم.. البساطة وتيسير الخدمة الصحية للمريض أهم لديه كثيرا من الطعام والشراب.. فقد يصبر الإنسان على قلة طعام أو شراب.. لكن كيف يصبر على آلام المرض!