كتبت هنا منذ شهور قليلة متسائلا عن «الثقافة العامة للدولة» وهل تحظى بما تستحقه من اهتمام؟ وكان سؤالى الأبسط هو من يرسم الثقافة العامة للدولة؟ بيد أننا جميعا نتحدث عن ثقافة المجتمع وثقافة الفرد دون محاولة لإيجاد صيغة أو آلية ما لتشبيك وتوصيل تلك الدوائر الثقافية لنصنع منها دائرة ثقافية كبيرة وواسعة تستوعب كل المفردات والمنمنمات الثقافية المبعثرة، فالثقافة ليست مرادفا للمعرفة وليست مضاداً للجهل، الثقافة حالة تتكون من تراكمات الوعى والفهم الناتج من ارهاصات المجتمعات المعرفية، نعرف جميعا أن هناك سياسة عامة للدولة ويعرف الكثيرون كيف يتم وضع ورسم تلك السياسة على جميع المستويات خارجيا وداخليا، لكن ربما لا أحد يعرف على وجه اليقين أن هناك «ثقافة عامة للدولة» وطالما لا توجد مدونة ثقافية تعكس المكون الثقافى المستهدف فى المجتمع فبالتالى لن يتمكن أحد من قياس وتقييم وتقويم المخرجات الثقافية على المستوى الجمعي، وبعيدا عن فلسفة الينبغيات الشائعة لمن يمسكون بأقلامهم ويكتبون فى مسائل تبدوا نظرية دون ضجيج او اشتباك، اسأل ببساطة هل هناك من يرسم «الثقافة العامة للدولة المصرية»؟ وهنا وجب التفرقة والتمييز بين ادارة المؤسسات والهيئات ذات الصلة بقطاعات الثقافة مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة والمركز الثقافى القومى والجهاز القومى للتنسيق الحضارى وصندوق التنمية الثقافية والمركز القومى للترجمة ودار الوثائق القومية والأكاديمية المصرية للفنون وأكاديمية الفنون وغيرها، وبين صناعة الثقافة العامة بمفهومها الشامل والحقيقى والتى تتخطى الدور الوظيفى لوزارة تحمل اسم الثقافة، فى ظنى ان الأديب الكبير ثروت عكاشة الذى أسس وادار وزارة الثقافة ومن قبله فتحى رضوان ومن بعده عبدالقادر حاتم ومنصور حسن ويوسف السباعى وعبدالحميد رضوان وأحمد هيكل كانوا جميعا يهدفون إلى أن تكون تلك الوزارة مركزا للإشعاع الفكرى والمعرفى الحر والذى يساهم فى بناء الشخصية المصرية على قواعد ثقافية مصرية هجين بين الأصالة والمعاصرة دون إفراط أو تفريط، اليوم باتت كل قضايانا مرتبطة ارتباطاً وثيقا بالثقافة، والثقافة التى أقصدها ليست الرواية والشعر والموسيقى والسينما والدراما والمسرح والفنون الأخرى وليست كذلك الصحافة والكتب والنشر والطباعة، الثقافة التى أنشدها وأشير اليها هى ثقافة المجتمع على مستواه الجمعى فى ضوء تأثير كل تلك الألوان الثقافية على سلوكه العام والخاص وتفاعله وتعاطيه مع القضايا القومية، أبحث هنا عن تأثير الألوان والأدوات الثقافية على أفراد المجتمع سلبا وايجابا، لدينا فى مصر عدد من الثوابت والأدبيات الثقافية والمعرفية والعادات الراسخة والمستقرة من أزمان بعيده ولم تنجح الثقافة العامة للدولة فى تغييرها ولم تحاول حتى الاشتباك معها فى سلسلة من المعارك الثقافية، فثقافة «العزوة والخِلفة»وثقافة «الاستهلاك القاتل والكرم الحاتمى المدمر» وكذلك ثقافة الشهادات بلدنا «بلد شهادات»وثقافة الوظيفة الحكومية وثقافة الفهلوة وثقافة التدين الشكلي، إلى آخر تلك الحزمة من الثقافات السلبية التى تحتاج معارك ثقافية حقيقية على مستوى شامل ومتناغم ودون إبطاء، وهذا لا يعنى ان هناك ثقافات متزنة تحتاج إعادة ترسيخ وترسيم وتأكيد، ثقافة التكافل والتسامح وثقافات وعادات القرية الريفية والحى الشعبى والجدعنة المصرية الشهيرة، كذلك ثقافة النكتة وخفة الظل وروح الدعابة، كلها ثقافات نحتاج خططاً وبرامج تستخدم من خلالها كل فنون وصنوف وفروع الثقافة كأدوات ناجعة لإحداث حالات التغيير المجتمعية، فالمجتمع يحتاج عمليات إفاقة عاجلة واستنهاض همم جماعية من اجل الانطلاق إلى المستقبل ومواجهة التحديات الراهنة والتى يأتى على قمتها «محاولات العبث فى ثوابتنا وقيمنا الاسرية عن طريق ضرب اللبنة الأساسية للمجتمع وهى الأسرة المصرية والتى تحتاج منا جميعا المشاركة الحقيقية فى انقاذها من هذه المؤامرات التى لم ولن تتوقف».