عرفنا البقرة الصفراء من قصص القرآن عن سيدنا موسى وبنى إسرائيل، وعرفنا أن السرايا الصفراء هى مستشفى الأمراض العقلية التى كانت عبارة عن سرايا لأحد الباشوات فى أطراف العباسية طلاؤها باللون الأحمر ثم حرقت ورممت وتم تغيير الطلاء إلى اللون الأصفر وتم تخصيصها كمستشفى للأمراض النفسية، وعرفنا ايضا الصحافة الصفراء من خلال التركيز على موضوعات الابتزاز والجنس والفضائح، عرفنا كل ذلك، لكننا لا نقف على حقيقة.
«الثقافة الصفراء» وما هو تعريفها ومدلولاتها.
>>>
فى تقديرى ان تلك الثقافة هى باختصار ثقافة السلبية الجمعية تجاه امر ما، «مليش دعوة» و»أنا مالى» مفردات حصرية لقواعد الثقافة الصفراء السلبية التى تستشرى فى اى مجتمع خامل، لكن المجتمع المصرى الذى يتميز بالحيوية الدائمة والوعى الحقيقى المختبئ وراء تفاصيل ومنمنمات صغيرة، يجب أن يودع تلك العبارات والمفردات، التى تمثل فيما بينها خطوط الثقافة الصفراء إننى أبغض عبارة «مليش دعوة» وأطلقت عليها كثيرا مصطلح «الماليشية» ويشتد غضبى عندما اسمع عبارة «وأنا مالى» واطلقت عليها مصطلح «الأنا مالية».
>>>
إنها تمثل حركات غير منظمة لكنها تنتج ثقافة صفراء رديئة، لقد ظهرت هذه الحركات على أنقاض التجمعات الكلاسيكية التى طفت فوق سطح تلك البحيرات الراكدة، والمستنقعات العفنة التى استمرت عقودًا طويلة تستقبل كل أنواع الصرف السياسى غير المعالج فكريًّا واجتماعيًّا. اعتمد قادة هذه الحركة على نوعية الشائعات الخبيثة التى ينخفض مع تداولها منسوب الأمل لدى الأمة، ويسود الإحباط والقلق لدى النخب المختلفة، وبدأت كوادر هذه الحركة تتمدد وسط الجماهير، معتمدين على أدوات سطحية، وأفكار ضحلة، مستهدفين فقط «وعى الأمة»؛ فضرب أى مجتمع فى الصميم يبدأ وينتهى بالسيطرة على مراكز الوعى الجمعى؛ ومن ثم التلاعب فى المزاج العام، ثم الوصول إلى التحكم فى السلوك المجتمعى؛ لإصابته بحالة سيولة شاملة، يختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وتصبح الخيانة وجهة نظر، أما العمالة فتتحول إلى وظيفة مرموقة، ومصدر للثراء الفاحش. لا أدرى مَن يخطط لهذا المشهد، لكننى على يقين من نجاحه بامتياز خلال العقود الماضية؛ فالمجتمع صار صاحب مزاج حاد وعصبى فى القضايا السطحية كقضية طلاق فنانة شهيرة، أو اعتزال راقصة، وتكون الشماعة أن الاهتمام العام بالشخصيات العامة حق وواجب! فى حين نجد المجتمع نفسه قد انزوى بعيدًا، ولم يهتم بالقضايا العميقة الجادة، كقضية السكان، أو الإدمان، أو الأمية على سبيل المثال. ولأن الإعلام مرآة الأحداث؛ فإننا نجده يسير خلف تلك الاهتمامات، ولم ننجح كثيرًا كمثقفين فى تحقيق تلك الاستدارة المطلوبة على مدار عقود طويلة مضت. استغل نشطاء «الماليشية الجديدة» و»الانامالية العفنة» هذا المناخ، وبدأوا بالطرق على نوافذ القلب والعواطف، وابتعدوا تمامًا – عن عمد – عن أبواب العقل؛ لئلا يستيقظ مجددًا ويفسد كل خططهم، ومع الأسف نجحت الحركة فى استقطاب الملايين فى أكثر من مليونى مقهى وكافيه فى عموم البلاد، ليرددوا شعار هذه الحركات المدمرة «ما ليش دعوة»، وهو التطور النوعى لشعار حزب «الأنامالية» التاريخى (أنا ما لي)، وتحولت شعارات هذه الأحزاب إلى ورقة عمل لكثير من الناس يرفعونها دومًا عندما تحدثهم عن قضية الوعى، وضرورة المشاركة بايجابية فى الشأن العام؛
>>>
لذلك أدعو الجميع إلى العمل على الخروج السريع من مستنقع الثقافة الصفراء وطبعاتها الأنيقة من «الماليشية»، و»الأنامالية» لمصلحة هذه الأمة.