خبراء يطالبون بتعديل شروط تراخيص شركات خدمات التقسيط
تتسابق شركات التمويل الاستهلاكى فى تقديم خدمات البيع بالتقسيط، بإجراءات بسيطة وسريعة لدرجة تصل إلى أنه يمكن ببطاقة الرقم القومى ورخصة قيادة فتح حساب لدى أى شركة تعمل فى مجال خدمات التقسيط، لتبدأ بعدها رحلة الانطلاق نحو شراء كل ما تريده من سلع .. ومابين التسهيل على المواطن فى تلبية احتياجاته، وأثر التوسع فى القروض الاستهلاكية، تضع «الجمهورية» ملف «نشاط التمويل الاستهلاكي» على مائدة خبراء التمويل والمسئولين عن النشاط.
بحسب تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية بلغت قيمة التمويل الاستهلاكى الممنوح خلال عام 2023 حوالى 47.5 مليار جنيه بنسبة نمو حوالى 60 ٪ خلال عام واحد فقط، ووصل عدد الشركات العاملة فى نشاط التمويل الاستهلاكى 45 شركة، الأمر الذى يؤكد تنامى هذا النشاط من حيث حجم التمويل الممنوح وعدد الشركات العاملة فيه وزيادة العملاء.
يرى بعض خبراء التمويل أن التوسع فى القروض الاستهلاكية وزيادة عدد شركات التمويل الاستهلاكى أمر لابد من ضبطه فى ظل التسهيل المفرط فى إقراض الأفراد دون التأكد التام من ملائتهم المالية ، مما يوقع العديد فى مشاكل التعثر فى السداد، إضافة إلى أن خدمات التقسيط تزيد من الطلب على المنتجات المستورة ، وهنا تأتى المطالبة بتقنين نشاط التمويل الاستهلاكى وربطه بشرط استهلاك المنتج المحلي.
وعلى الجانب الآخر يرى البعض أن زيادة نشاط التمويل الاستهلاكى من الايجابيات التى تعود على المواطنين فى مواجهة ارتفاع الأسعار بتقديم خدمات البيع بالتقسيط بمرونة تتوافق مع امكانيات كل فرد، كذلك تسهم القروض الاستهلاكية فى تنشيط الاقتصاد من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات وخلق دورة اقتصادية.
الدكتور حسن الصادى أستاذ اقتصاديات التمويل يرى أن القروض الاستهلاكية لابد لها من إطار عمل منضبط يضمن تنشيط الاقتصاد وتشجع الصناعة المحلية، لافتا إلى ان التوسع فى إصدار تراخيص للشركات الخاصة بالتمويل الاستهلاكى يضغط على الدولار بطريقة غير مباشرة، من خلال اعطاء قوة شرائية أكبر للمقترض لشراء منتجات مستوردة تم شراؤها بالدولار، مما يزيد من فاتورة الواردات.
وتوقع الصادى أن تزداد نسبة المتعثرين فى سداد القروض أو السلع التى قاموا بشرائها بالتقسيط، مشيرا إلى ان التوسع فى الإقراض الاستهلاكى والذى تصل فيه أحيانا نسبة الفائدة إلى 60 ٪ يأتى على حساب إقراض الشركات التى تنشط الاقتصاد، مؤكدا انه لو تم توجيه حجم القروض الاستهلاكية للشركات الصغيرة والمتوسطة لانعكس ذلك على المواطن بصورة ايجابية ومباشرة .
وتابع أنه من الضرورى تقنين نشاط التمويل الاستهلاكى وربطه بشرط استهلاك المنتج المحلي، بحيث لا يسمح بتقسيط المنتجات المستوردة ويتم توجيه الأموال لدعم وتشجيع المنتج المحلي، لتتحول القروض الاستهلاكية إلى أداة للتنمية الاقتصادية وتنشيط السوق والتشجيع على الانتاج والتصنيع..
اقترح الصادى أن يضاف ضمن شروط الترخيص والتى تصدرها الهيئة العامة للرقابة المالية شرط التزام الشركة العاملة فى نشاط التمويل الاستهلاكى بتقديم نموذج أعمال للشركة يربط فيه نسبة التمويل الاستهلاكى بنسبة المكون المحلى فى المنتج المحلى الذى يتم إنتاجه فى الداخل مما يجبر التجار على تسويق المنتج المحلى ذى المكون المحلى بنسب كبيرة وكذلك الضغط على المصنع لزيادة اعتماده على المكونات المحلية بنسبة أكبر مما يخلق ميزة تنافسية للصناعات المحلية بتحفيز العملاء على شراء المنتج المحلى من خلال تقديم عروض وتسهيلات تمويلية محفزة لشراء المنتج المحلي..
وقال الدكتور محمد راشد استاذ الاقتصاد إن التمويل الاستهلاكى يقصد به توفير المال اللازم لشراء سلع وخدمات بغرض استهلاكها وسداد ثمنها على فترة زمنية متفق عليها مسبقا، لافتا إلى أن السباق بين شركات التمويل على تقديم خدمات البيع بالتقسيط عبر المنصات الالكترونية، دفع إلى تقديم برامج متنوعة لنظام السداد تتميز بالمرونة وسهولة الاجراءات وسرعة التنفيذ تلبية لاحتياجات المستهلك، مما قد يورط العديد من العملاء فى زيادة عمليات الشراء مما يعنى زيادة فى الدين المفترض دفعه. وحذر راشد من استنزاف المواطنين فى عمليات الشراء السهلة بمغريات التقسيط التى قد تتحول فيما بعد لديون بفوائد مركبة لا يستطيع المستهلك سدادها.
وأضاف ان مغريات التقسيط تدفع العديد من المستهلكين إلى التسرع فى اتخاذ قرار الشراء من خلال المواقع الالكترونية لتقوم شركة التمويل بالدفع المباشر وتتحصل فيما بعد على قيمة الدفع من عميلها بنسبة فائدة متفق عليها، لافتا إلى أن سهولة التعامل واتمام عمليات الشراء من أهم أسباب الاندفاع نحو زيادة المشتريات، منوها ان هناك زيادة ملحوظة فى أعداد عملاء التمويل الاستهلاكى ليصلوا إلى 8 ملايين عميل طبقا لتقرير الرقابة المالية.
من جانبه أوضح سعيد زعتر، رئيس الاتحاد المصرى للتمويل الاستهلاكي، أن التوسع فى نشاط التمويل الاستهلاكى ودعم الشركات العاملة فى المجال من شأنه تنشيط ودعم الاقتصاد مشيرا إلى أن ما توفره شركات التقسيط والتمويل الاستهلاكى من أنظمة دفع مرنة ومتعددة تتناسب مع ظروف العملاء المالية يسهم فى خلق وزيادة الطلب على مختلف المنتجات والخدمات، الأمر الذى يخلق حالة من النشاط ويزيد من حجم المبيعات والانتاج وبالتالى يحقق نموا اقتصاديا.
وأشار إلى أن الاتحاد المصرى للتمويل الاستهلاكى يعمل لتعزيز دور التمويل الاستهلاكى من خلال دعم الشركات العاملة فى المجال، بتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز مهارات الشركات وتطوير قدراتها فى تقديم خدمات تمويلية مبتكرة تلبى احتياجات السوق، مضيفا أن الاتحاد يسعى من خلال تواصله المستمر مع الجهات التنظيمية لتطوير السياسات الداعمة لنمو القطاع، وتحسين بيئة العمل، وتابع انه تم إطلاق العديد من حملات التوعية لتثقيف المواطنين حول فوائد التمويل الاستهلاكى وكيفية استخدامه بشكل مسئول.
وتابع أن تقرير الهيئة العامة للرقابة المالية أظهر أن قيمة التمويلات الممنوحة للعملاء زادت بنسبة 18.9 ٪ فى الربع الأول من 2024 لتصل إلى 12.1 مليار جنيه مقارنة بـ 10.2 مليار جنيه فى الفترة المماثلة من العام السابق، وهذه الأرقام تعكس زيادة الطلب على التمويل الاستهلاكى وزيادة اعتماد العملاء الحاليين على قروض أكبر لتلبية احتياجاتهم.. وأوضح رئيس الاتحاد أن مقترح ربط التمويل الاستهلاكى بالتشجيع على شراء المنتج المحلى وتفضيله على المنتج المستورد، قد يضر بالمنافسة. فى سوق حر، حيث يجب أن تتم المنافسة فيه بناءً على الجودة وليس عبر فرض شروط قد تقيد السوق، مشيرا إلى أن التصنيع يجب أن يتنافس مع المنتجات المستوردة على أساس الجودة والقيمة التى يقدمها، وليس عبر التسهيلات التمويلية التى قد تخلق ميزة غير عادلة لبعض المنتجات، مؤكدا اننا فى بيئة تنافسية تتطلب أن تنافس الشركات المحلية بنجاح من خلال تحسين منتجاتها وخدماتها، متابعا أن دعم الصناعة المحلية يجب أن يأتى من تحسين قدراتها التنافسية بدلاً من فرض شروط قد تؤثر سلباً على المنافسة والابتكار فى السوق.
وأكد أن شركات التمويل الاستهلاكى تعتمد فى نهجها تحليل السوق بعمق، وتقييم المخاطر المحتملة بشكل مستمر، مما يجعلها قادرة على تطوير الحلول التمويلية بشكل تتماشى مع المتغيرات الاقتصادية.