التراث الأثري ليس مجرد شواهد صامتة من الماضي، بل هو سجل حي يعكس تطور الإنسان وحضاراته عبر الزمن، فمن خلال الآثار نقرأ تاريخ شعوبنا، ونتعرف على إنجازاتها، ونستلهم منها الدروس والقيم التي تسهم في تشكيل حاضرنا ومستقبلنا.
ومن هذا المنطلق، يتعاظم الدور الكبير الذي تقوم به التكنولوجيا الحديثة والرقمية في مجال حفظ وصون التراث الثقافي، وتتنوع استخدامات التكنولوجيا في مجال التراث الثقافي، بدءاً من توثيق الآثار والمخطوطات وحتى إنشاء المتاحف الافتراضية وتطوير التطبيقات التعليمية. هذا التنوع يضمن حماية التراث وتقديمه بأشكال مبتكرة تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.
التقنية الحديثة والاستشعار عن بُعد تمنح الخبراء القدرة على الكشف عن أسرار الماضي بطرق أكثر دقة واستدامة، مع مراعاة الحفاظ على المواقع الأثرية وصيانتها مما يساهم في تعزيز مفاهيم التراث المشترك وتعزيز الجهود في توثيقه وحمايته.
ولا تقتصر الاستعانة بالتقنيات الحديثة على مجال بعينه في مجال حفظ التراث وصونه، بل أصبح يشمل التوثيق الرقمي على وسائط مختلفة، من قبيل التصوير عالي الدقة والمسح ثلاثي الأبعاد لتوثيق المعالم الأثرية والمخطوطات والقطع الأثرية، حيث تساعد هذه التقنيات في إنشاء نسخ افتراضية للتراث يمكن الرجوع إليها إذا تعرضت الأصول للتلف أو التدمير.
كما أن للتقنية دورا مهما في إعادة بناء التراث المفقود، إذ يتم استخدام برامج النمذجة ثلاثية الأبعاد لإعادة بناء المعالم التاريخية التي دمرت بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب.
كما تعيد هذه النماذج إحياء التراث، وتُمكن الباحثين والجمهور من استكشافه بطريقة افتراضية.
ومن جانب آخر، تتيح قواعد البيانات الرقمية حفظ التراث الثقافي المكتوب، مثل المخطوطات القديمة، بطريقة تتيح البحث والوصول إليها بسهولة، بالإضافة إلى أن المشاريع الحديثة مثل المكتبات الرقمية تسهم في حماية التراث من الفقد والتلف بسبب عوامل الزمن.
ويتعدى دور التقنيات الحديثة هذا الدور، حيث يستفيد منها قطار التعليم ونشر الوعي بأهمية حفظ وصون التراث الثقافي، إذ تستخدم التكنولوجيا لزيادة الوعي الثقافي عبر منصات الواقع الافتراضي والمعزز، التي تمكن المستخدمين من زيارة المواقع التاريخية بشكل افتراضي وتوفير الألعاب التعليمية والمحاكاة لتجربة تفاعلية للتعرف على الثقافات القديمة.
إضافة إلى ذلك، تساعد التكنولوجيا في تتبع القطع الأثرية المفقودة أو المسروقة عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات العالمية. كما تستخدم أنظمة الأمن الذكية في حماية المتاحف والمواقع الأثرية من السرقة أو التخريب.
التكنولوجيا تجعل التراث الثقافي متاحا للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي، مما يفتح آفاقا جديدة لفهم الحضارات القديمة.