درس د. محمود عبدالغفار الدكتوراه فى جامعة «ميونج جي» بكوريا الجنوبية، وعاش قرابة عشر سنوات فى مدينة كوانج ــ جو، حيث ولدت «هان كانج» كاتبة نوبل وعاشت سنواتها الأولي..
فى حوار خاص لـ»الجمهورية» .. يحدثنا أول مترجم لأعمال كاتبة نوبل عن الملامح الإنسانية لهان كانج ومكانة الأدب الكورى على الخارطة العالمية..
> لماذا وكيف جاء اختيارك لدراسة اللغة الكورية دون غيرها من اللغات؟
>> بعد حصولى على الماجستير أتيحت عدة فرص للدراسة فى أوروبا، لكن ذلك لم يكن يستهويني، لم أفضل دراسة الفرنسية أو الأدب الإنجليزى أو الألماني، لأن لدينا أساتذة كباراً كثراً متخصصون فى ذلك فى الجامعات المصرية، ولهم إنتاج علمى عظيم جدا ولم أشعر أن هناك شيئا يمكننى إضافته فى تلك المساحة.
وكنت فى ذلك الوقت أدرس لطلاب من جنسيات مختلفة فى مركز جامعة القاهرة للغة والثقافة العربية، ومن هؤلاء طلاب كوريون، كانوا يرجعون جامعتهم ويتحدثون عني، وفوجئت بزيارة من رئيس أحد الأقسام هناك جاء خصيصا للقاهرة لمقابلتى وعرض عليّ أن أدرّس اللغة العربية هناك، وأن أدرس أيضا للدكتوراة.. وقدمت لى منحة خاصة لدراسة الأدب الكوري فوافقت واعتبرتها فرصة طيبة.
> وكيف تحولت من الدراسة بالإنجليزية للتخصص فى اللغة الكورية»؟
>> أذكر أنه فى أول زيارة لى لكوريا، كنت فى مدينة فى الجنوب اسمها «كوانج – جو» وهى بالمصادفة المدينة التى ولدت فيها الكاتبة «هان كانج» وعاشت فيها سنواتها الأولي، وكذلك الشاعرة الكبيرة العظيمة جدا التى تستحق نوبل لو أن الجائزة تذهب للشعراء « كيم سينج – هي» وهى المدينة التى يطلق عليها الآن مدينة الفنون.. فى تلك المدينة وبينما كنت أبحث عن رصيف الحافلات، لاحظت بالصدفة وجود مكتبة ضخمة جدا فى المحطة، مكتبة من عدة طوابق وفيها ما يزيد عن مليون كتاب، وهى تبيع الكتب بكل اللغات.
كان ذلك فى أسبوعى الأول فى كوريا الجنوبية، وجدتنى مشدودا للتعرف على أدب هذه الثقافة، وبالفعل اشتريت عددا من دواوين الشعر وبدأت القراءة على الفور وشعرت انى وجدت كنزا.. كانت القراءة باللغة الإنجليزية ثم خلال شهرين بدأت رسميا فى المعهد الدولى للأجانب لدراسة اللغة الكورية.. ومن هناك بدأت مسيرتى لدراسة الكورية، والأدب الكوري.
«أول من ترجم لـ هان كانج»
> كنت أول من ترجم للكاتبة هان كانج فهل كان ذلك بسبب جائزة المان بوكر؟
>> فى الحقيقة نعم ولا فى آن واحد، فقد ألتقيت «هان كانج» فى العام 2013 ثم بعدها بعام فى المعهد الوطنى لترجمة الأدب الكورى الذى كان يستضيف لمدة ثلاثة أشهر نخبة من مترجمى اللغة الكورية للغات المختلفة حوالى 15 مترجما من مختلف دول العالم، وخلال هذه الفترة كنا نزور المدن الكورية المختلفة ونلتقى أهم الكتّاب فيها فى جلسة تستمر يوما كاملا، يصحبنا الكاتب خلالها لأهم الأماكن الأثرية والمهمة التى كتب عنها روايات أدبية أو قصائد، أو حدثت فيها أشياء غيرت مجرى التاريخ الأدبي، وخلال المقابلة نتحدث عن عمل أدبى نكون قد قرأناه لذلك الكاتب ونناقشه فى أفكاره ولغته.
من الكتّاب الذين ألتقيتهم فى هذا البرنامج كانت «هان كانج»، ولم تكن روايتها «النباتية» قد خرجت للنور فى ذلك الوقت.. عندما قابلناها ناقشنا رواية لها بعنوان «الصبى قادما»، وهى الرواية التى ترجمها فيما بعد المترجم محمد نجيب، حيث ترجمت تحت عنوانها الإنجليزى « أفعال بشرية».
عندما قرأتها، عزمت أن أترجم لها نصا أدبيا من خلال المعهد عندما أعود إلى مصر، وبالفعل كنت قد بدأت فى ترجمة هذه الرواية قبل حصولها على «البوكر» وعند حصولها على الجائزة تلقيت اتصالات من عدد من الناشرين عن الرواية، وبالفعل انتهيت من ترجمة النباتية خلال ثلاثة أشهر فى شتاء 2016، و»هان كانج» شأنها مثل معظم كتّاب كورية الجنوبية يتميزون بدماثة الخلق، مهذبون ومتواضعون، مستمعون جيدون للأسئلة. ومتعاونون مع المترجمين ودارسى الأدب.
> من خلال تجربتك فى ترجمة «النباتية» هل يكفى النص الأدبى ليحافظ المترجم على روح الكتابة أم يجب معرفته لثقافة البلد الذى يترجم عنه وزيارته؟
>> أتصور أن النص الأدبى لا يكفي.. فهو يحمل ثقافة، ويحمل جذورا راسخة فى الأنواع الأدبية وامتدادها، وكلما استطاع المترجم أن يعرف هذا النوع وكيف تشكل فى هذ البلد، وطبيعة التعامل اللغوى مع النصوص الأدبية وتاريخ الفن الذى يترجمه، وهى أمور يمكن تحصيل الكثير منها عبر القراءة، لكن حضور الندوات والسينمارات ولقاء الكتّاب أنفسهم يقرب المسافة بدرجة كبيرة جدا جدا، ويقصر الزمن على المترجم، ويصنع حالة جادة وعلاقة بين المترجم والكاتب.
ففى ترجمتى للنصوص، كنت اتواصل مع المبدعين أصحاب النصوص سواء بالإيميل أو الهاتف، وهى أسماء كبيرة فى كوريا.. وكانوا يستجيبون لشرح بعض التعبيرات أو الفكرة الرئيسية هنا أو هناك داخل النص.
الحياة فى المجتمع الذى تتعلم ثقافة ولغته أمر ضرورى جدا.. وافتقاد المترجم لذلك يؤثر على الإحساس بالنص، وهو الأمر الذى حدث فى ترجمة «النباتية» كان هناك تفاعل مع النص والإحساس بما شعرت به الكاتبة وما كتبته.
> ماذا عن طبيعة هان كانج كإنسانة، وماذا عن كتبها المترجمة للعربية؟
كما ذكرت هان كانج كاتبة مهذبة، دمثة الخلق، متواضعة، بسيطة، وهى مستمعة جيدة للأسئلة، لا يظهر على وجهها الامتعاض حتى وإن كان الكلام الذى يقال عن الرواية أو عن الكاتب كلاما فيه نقد أو سلبية.
وهى متعاونة مع المترجمين أو مع دارسى الأدب الكورى هذه السمات موجودة فى هان كانج وفى كل الكتّاب الكوريين.
هذه هى الصفات التى أذكرها عندما أتحدث عن شخصية إنسانية راقية مثل «هان كانج».
ترجمت لها روايتها الفائزة بالبوكر «النباتية»، وترجم لها المترجم محمد نجيب رواية «الصبى عائدا» وصدرت بالعربية بنفس عنوان الترجمة ا-لإنجليزية «أفعال بشرية»، ولها أيضا بالعربية رواية «الكتاب الأبيض» و»دروس إغريقية».
> هل حدث تواصل بين حضرتك وبين الكاتبة هان كانج بعد حصولها على نوبل، وهل هناك خطة لترجمة عمل جديد لها؟
الحقيقة لم يتم التواصل بيننا بعد حصول الكاتبة على نوبل، وأعتقد مسألة أن لها وكيلا أدبيا يتولى الرد عنها بعد جائزة البوكر 2016 يشكل صعوبة بالغة أمام أى مترجم يعيش خارج كوريا للتواصل السلس معها.
وهناك مشروع لترجمة ديوانها الشعرى «أريد أن أضع المساء فى الدرج» وهذه تقريبا ترجمة حرفية غير نهائية لعنوان الديوان.
> من خلال تخصصك فى الأدب المقارن ما الذى يميز الأدب الكورى ويمنحه مساحة على الساحة الأدبية العالمية؟
>> الأدب الكورى أدب جاد، يعتمد على نظام راق جدا فى اختيار الكتّاب والكاتبات، ليس متاحا لأى شخص نصف موهوب أن يصبح كاتبا فى كوريا، الأمر ليس بهذه البساطة، هناك ضوابط وشروط فى دور النشر، وفى الدوريات.. ليس هناك نشر عشوائي، هناك مراجعة من المتخصصين بشكل متعمق جدا.
«بين الأدب العربى والكروى»
> فيما يختلف الأدب الكورى من حيث الموضوعات والتناول عن الأدب العربي؟
>> أتصور أن الآداب فى العالم كله لا تختلف من حيث الموضوعات، هناك مثلا القهر والإحساس بالظلم، الرغبة فى الحرية، مشكلات العلاقات البشرية هذه الموضوعات الإنسانية فى كل الآداب العالمية، ولكن الاختلاف يكون فى طريقة التناول والمصادر الفكرية التى يستقى منها الكاتب موضوعاته، والصور التى يرسمها واللغة التى يستخدمها.
عرض الموضوعات فى الأدب الكورى فيها نوع من التفرد والخصوصية.. الكوريون يقرأون الآداب العالمية والترجمات جيدا ويسايرون الاتجاهات الأدبية والنقدية كما تحدث فى الغرب.
> مدى انتشار ووجود الأدب الكورى فى مصر؟
>> أتصور أن الفضل الأول لانتشار الأدب الكورى فى مصر يرجع للمؤسسات الكورية، والمعهد الوطنى لترجمة الأدب الكوري.
الدعم الأكبر لتأسيس أقسام اللغة الكورية، فى استقدام المدرسين وتحمل نفقاتهم مثل قسم اللغة الكورية بألسن عين شمس وفى جامعة أسوان، هو السفارة الكورية.
الكوريون يحبون مصر جدا، ويسعون من خلال القوى الناعمة لنشر ثقافتهم، ومصر دولة عظيمة، والفضل للحكومة المصرية والتعليم العالى ييسر خطوات تأسيس أقسام اللغات بالجامعات المصرية.
g;k هناك دور كبير جدا للمعهد الوطنى لترجمة الأدب الكوري، الذى ينفق بسخاء لترجمة أدب كوريا وانتشاره فى العالم كله بلغات مختلفة، فهو يقدم منحة ترجمة للمترجم وللناشر.
الأدب الكورى يأخذ الآن مساحة كبيرة من الانتشار وسط الآداب الشرق آسيوية، وأتصور أنه بعد فوز هان كانج بنوبل ستزيد هذه المساحة لها ولكتّاب آخرين.