«أنت فى نفسك دولة.. وما رأسك إلا ديوان الحكم، فيه تلتقى شتى الوزارات.. والفارق بينك وبين حكومات الأمم أن مجلس الوزراء فيها غير وطيد الدعائم فإنه لتعصف به الريح بين عشية وضحاها طوعا لتقلبات السياسة وطوارئ الأحداث.. على حين أن مجلس وزرائك دائم وثيق ولد معك وسيلازمك ما حييت!» لا أدرى لماذا تذكرت تلك العبارة الرائعة التى كتبها الأديب الكبير محمود تيمور صاحب المكتبة التيمورية الشهيرة وابن شقيق الشاعرة العظيمة عائشة التيمورية مؤخرا، وصرت أستخدم هذه العبارة كثيرا لأنهى حوارات عقيمة بينى وبين البعض ممن أدمنوا أحاديث النميمة حول التغييرات الوزارية المرتقبة أو موضوعات ذات صلة بالدولة، كنت وما زلت أقول لهؤلاء لا تشغل نفسك إلا بنفسك فأنت فى نفسك دولة، ودولتك هى التى تحتاج إلى تعديل وتغيير وتبديل وتطوير، فانظر فى نفسك واعتن بدولتك الصغرى وقم بعمل كل ما يلزم حتى تكون دولتك فى القمة وتصبح راضيا عنها، عندما يصل كل منا الى هذا المستوى حتما ستتحول دولتنا الكبرى الى المستوى الذى نحلم به جميعا، هذه ليست دعوة للسلبية والانطواء والانكفاء على ذواتنا، وانما هى دعوة لإصلاح وإدارة ذاتك بنفس الطريقة التى تنشدها من الدولة، الأديب محمود تيمور كان يقصد من كلماته دعوة الناس إلى الانشغال بأنفسهم بانتقادها أولا ولإصلاحها ثانيا، وانا أستعير هذا التعبير العبقرى من العظيم محمود تيمور وأهديه إلى كل الاصدقاء المشغولين والمهمومين بقضايا ربما ليست من واجباتهم الاساسية، لقد تحولت فكرة الاهتمام المطلوب بالشأن العام إلى حالة من العشوائية والتخبط فى فهم الدور الحقيقى لكل منا، لقد اختلطت الأوراق وصارت الأمور حيص بيص، فالناس باتوا خبراء فى كل الملفات، بدءا من كرة القدم وتشكيلة المنتخب والتغييرات التى يجريها المدرب الوطنى حسام حسن مرورا بمحمد صلاح وعلاقته بليفربول، وصولا إلى مفاوضات سد النهضة وصفقة وقف إطلاق النار وضرورة إصلاح وهيكلة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقى وصفقة تبادل الاسرى والدور المصرى والقطرى فى إقناع حماس بقبول المقترح الأمريكي، وفى صدارة الاهتمامات يأتى التغيير الوزارى الجاري، هنا وحتى لا يسئ البعض فهم الفكرة، ما أقصده هنا ليس انكار تلك الاهتمامات وانتقاد الناس على اهتماماتهم، لا بالتأكيد فهذا أمر محمود ومطلوب وهو عين الإيجابية وقلبها، لكن تحول هذا الاهتمام إلى ما يشبه «المتلازمات المرضية» فمشجع الكرة يعتبر نفسه لاعبا ومدربا وحكما، والناشط السياسى يظن نفسه وزيرا ورئيسا وزعيما يجب أن ينصاع الجميع لرؤاه وآرائه، وكذلك ماسح الأحذية وصانع القهوة ومقدم الطعام يتحدثون عن ضرورة الانتباه لمخاطر الذكاء الاصطناعى فى نفس الوقت الذى لا يتقنون فيه أعمالهم البسيطة، لذلك أقول للجميع عليكم بأنفسكم وأعمالكم وواجباتكم أولا ثم تعالوا معا نشكل الحكومة.