التغيير سنة كل الحكومات، ليس هناك مسئول مخلد في موقعه الحكومات في كل العالم تأتي وتذهب حسب ما تحققه من نجاح وما تقدمه من نتائج وما تحظى به من رضاء شعبي، وحكومة الدكتور مصطفى مدبولى على مدى السنوات الست الماضية قدمت الكثير، أحسنت وأخطأت أصابت وجانبها الصواب، من أعضائها من قدم ما يؤكد نجاحه، ومنهم من لم يستطع أن يحقق المطلوب منه أو يضع بصمة تشهد له، أو تحقق الرضاء الشعبى فى ملفه.
وهذه طبيعة العمل العام لذلك كان التغيير مطلوبًا بل ضروريًا، ليس للفشل، فما تحقق خلال الفترة الماضية كثير وإنما تغيير من أجل استمرار التطوير وتجديد الدماء بما يناسب المرحلة ومتطلباتها، المرحلة القادمة بكل تأكيد مختلفة وتحتاج إلى منهج حكومي آخر، ومستوى أداء متطور يواكب رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى، والتى تستهدف إحداث نقلة كبرى لمصر، في كل المجالات، فالتحديات ضخمة والعالم يتغير ولا مجال فيه إلا لمن يتحرك سريعا وينجز ويقدم فكراً مختلفاً وسباقًا.
ورغم الاعتراف بأن الحكومة بذلت جهودًا كبيرة، حكومة وطنية أخلصت في أداء واجبها وقدمت ما استطاعت من جهد لكن بكل صراحة عدد من الوزراء لم يستطيعوا مواكبة هذه الرؤية أو الطموح الرئاسي، ولم يظهروا خلال السنوات الماضية أن لديهم ما يستطيعون تقديمه، سواء كأفكار تقود للتطوير أو منجزات على الأرض.
يقينا كان المفترض أن يحدث التغيير الوزاري عقب أداء الرئيس السيسى لليمين الدستورية في بداية أبريل الماضي، إلا أن تحديات الأمن القومى فرضت نفسها كأولوية بسبب ما يحدث على حدودنا الشمالية الشرقية في غزة، لكن الآن أصبح التغيير ضروريًا وواجبًا، ولهذا كان التكليف الرئاسي للدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل حكومة جديدة وتحديد عشر مهام واضحة تعمل عليها كأولويات قصوى من أجل المواطن وعلى رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ووضع ملف بناء الإنسان المصرى فى المقدمة خاصة فى مجالات الصحة والتعليم، ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية وتطوير ملفات الثقافة والوعى الوطني والخطاب الدينى المعتدل على النحو الذى يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعى وفى الوقت نفسه مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى وجذب مزيد من الاستثمارات وتشجيع نمو القطاع الخاص وبذل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق وكذلك ملف الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب.
الأولويات العشر التي تضمنها تكليف الرئيس للدكتور مدبولى كمهام للحكومة الجديدة هي بالفعل ما يشغل الشارع، وأى إنجاز أو تطوير فيها سيحقق الرضا الشعبى الذى يعمل عليه الرئيس ويعتبره هدفا لا تنازل عنه، فالرئيس يعمل من أجل المواطن، وأن يعيش أمنا، وينعم بمستوى معيشي مستوى كريم، والحكومة عليها أن تعمل في هذا الاتجاه، وبكل السبل.. وبإطار جماعي وفكر متطور.
وإذا كان الدكتور مصطفى مدبولى خلال السنوات الماضية قدم أداء متميزًا في قيادة العمل بمجلس الوزراء وبذل مجهودًا ضخمًا، لكن الحكومة في النهاية ليست عملًا فرديًا، وإنما مسئولية جماعية تتطلب تناغمًا وتجانسًا فى العمل، وكفاءات فنية وإدارية وتطويرًا في الأفكار التى تؤدى إلى تحقيق الهدف الذي يسعى إليه الرئيس لبناء جمهورية مدنية جديدة ديمقراطية تمتلك عناصر القوة الشاملة.
ولهذا وفي إطار التكليفات الرئاسية أعتقد أن هناك معايير ومواصفات مهمة مطلوبة في الوزراء الجدد:
أولها:
أن يكونوا كما طالب الرئيس من الكفاءات والخبرات والقدرات المميزة حتى يكونوا قادرين على استكمال مسيرة العمل الوطنى وتحقيق السطور المرجو في الأداء الحكومي.
الثاني:
أن يكونوا مدركين لخطورة المسئولية في هذا الظرف الصعب وأن العمل الوزاري ليس تشريفًا بل مهمة قتالية في بلد لا يمتلك رفاهية الوقت بل يسابق الزمن من أجل تحقيق إنجازات كبرى، وعملية واصلاح شامل وصولا إلى الهدف الأسمى وهو البناء.
ثالثًا:
أن يكونوا من أصحاب الأفكار المبتكرة في ملفاتهم حتى يستطيعوا أن يضيفوا رؤى جديدة تناسب الظروف الحالية وتسهم فى القدرة على الإنجاز السريع وتحقيق القفزات الكبرى المطلوبة تنمويا وإداريا في كل الملفات.
رابعًا:
أن يكونوا قادرين على مخاطبة الرأى العام والحوار مع الناس وشرح أفكارهم وطرح ما لديهم من برامج وأولويات وإقناع المواطن بها لأنه في النهاية هو السند الحقيقى للحكومة والدولة، ولا يحتاج سوى للشفافية ومناقشته وإشراكه في القرار.
وهذا يتطلب أيضا وزراء يعلمون جيداً حجم التحديات كل في وزارته وملفه قريبين من الناس، يستمعون إليهم وإلى مطالبهم، ليعملوا على تحقيقها بما يتماشى مع أهداف التنمية.
خامسًا:
أن يكون التشكيل الحكومى متجانسًا بما يضمن التعاون والعمل الجماعي، وليس نظام الجزر المنعزلة، فكما أن المسئولية الحكومية واحدة فالعمل والتحرك الوزارى أيضا يجب أن يكون بنفس المستوى والفكر.
سادسًا:
أن يكون الوزراء قادرين على خلق أجيال جديدة من القادة في ملفاتهم، وأن يفتحوا الباب لكل إبداع أو أفكار مختلفة بما يثرى العمل الحكومي، وأن يمنحوا مساحة للمشاركة بعيدًا عن السيطرة الفردية على كل الملفات.
سابعًا:
تقديم رؤى وتصورات تساهم في توسيع مساحة المشاركة للقطاع الخاص، باعتباره القاطرة التي تراهن عليها الدولة في خطة التنمية خلال الفترة القادمة.
ثامنًا:
أن يدرك كل وزير في الحكومة أنه ليس موظفًا يؤدى عملًا لمدة بل صاحب مسئولية في البناء والتطوير، وأن ينظر إلى المصلحة العليا للدولة وما يحقق أمنها واستقرارها، وأن الركيزة الأساسية في كل هذا هو المواطن وما يلمسه من تغيير حقيقي، ما يجعله يمنح ثقته للحكومة وهذا لن يتحقق إلا بالشعور بالأعباء التى يتحملها المواطن والسعى الجاد لتحقيق طموحاته.
تاسعًا:
أن يدرك الجميع أن مسار الإصلاح لم يعد اختيارًا بل هو مسار لا بديل عنه ولا تراجع، لأنه يمثل الأمل لهذا الوطن في بناء مستقبل آمن للمصريين، ومهما كانت العقبات والتحديات، إلا أن الحكومة عليها أن تتمسك باستكمال هذا المسار الذي يمثل حياة أو موتًا للوطن.
الخلاصة
إن التغيير الوزارى الذى وضع الرئيس أهم ملامحه وشروط ومعايير إجرائه هدفه مزيد من الإنجاز الصالح المواطن ومواجهة جادة للتحديات وتصدى حقيقي للأزمات وليس ترحيلها وحسم وليس تهاون أو تباطؤ، وإنجاز وليس وعود وهذا ما تعودناه من الرئيس السيسي، وما سعت الحكومة السابقة إلى تحقيق ويقينا ستسير الحكومة الجديدة على نفس النهج.