منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما صدر لى كتاب بعنوان «مستقبل وطن» وكان عبارة عن سلسلة حوارات معمقة مع مجموعة من النخب المصرية فى جميع المجالات ومن جميع الاتجاهات، كان السؤال الرئيسى فى هذا العمل هو هل نحن قادرون على صناعة التقدم ؟ وكيف السبيل للخروج من المأزق الراهن ؟ وما هو جدول الأعمال المقترح من جانب كل شخصية ؟ وجاءت خلاصة هذا الكتاب ومن خلال ما يزيد عن أربعين حوارا مع شخصيات لها قيمتها مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل والفريق سعد الدين الشاذلى والفنان نور الشريف والكاتب الكبير سلامة احمد سلامة والكاتب الكبير محسن محمد والوزير منصور حسن والكاتب المبدع أسامة انور عكاشة والأديب الكبير ثروت عكاشة والدكتور يحيى الجمل والدكتور محمد غنيم وآخرين لم تسعفن الذاكرة لذكرهم أجمعين، ربما اختلف هؤلاء من حيث توصيف المشهد حينها وفقا لمكان ومكانة ورؤية كل منهم، لكنهم اتفقوا جميعا على أن حل كل مشاكل مصر تبدأ من « التعليم » وبأن الجسر الوحيد الذى يمكن أن نعبر منه إلى التقدم المنشود هو التعليم، واتفق الجميع على أن التعليم يحتاج إلى من ينفق عليه بسخاء لأننا أمة فقيرة وليس أمامنا إلا ذلك، بعد عام واحد من صدور هذا الكتاب والذى فاز بجائزة افضل عمل سياسى على 2009 فى المسابقة التى أقامتها مؤسسة دار التحرير، وتسلمت عنه شهادة تقدير وشيك بمبلغ 15 الف جنيه من السيد صفوت الشريف وكان الأستاذ على هاشم رئيس مجلس ادارة دار التحرير وقتها نموذجا فريدا فى الادارة الهادئة المنجزة، بعد هذا الحفل الكبير والإشادة بالكتاب وفكرته، همس فى أذنى الأستاذ على هاشم وكان رئيس تحرير كتاب الجمهورية ايضا فى هذا التوقيت وقال لى «يا ابنى اعمل حاجة عن التعليم» وبدأت فى البحث عن أصل المشكلة وفقا لرؤى وآراء النخبة المصرية، استرجعت خطط وآراء وتصريحات كل وزراء التعليم السابقين من طه حسين وآرائه الواردة فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» وصولا إلى خطط الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم وقت إعداد الكتاب، اكتشفت أن جميع وزراء التعليم يعرفون المشكلة بدقة وكل مفرداتها من المعلم والمنهج والمدرسة والتمويل ودور الاسرة والمجتمع والحكومة وتجارب الدول المتقدمة والدول الشبيهة وأهم التحديات، والغريب ان الجميع ايضا يعرف الحلول كاملة وربما بشكل متطابق! إذن أين المشكلة ولماذا لم نبدأ ؟ فكان كتابى «التعليم وسنينه» الذى صدر 15 سنة تقريبا والذى بدأته بسؤال مفصلى وبسيط «لماذا لم نبدأ» ووضعت بين صفحات الكتاب حزمة من الخطط والأفكار التى تصلح للمجتمع المصرى الذى يحترم الشهادات لكنه لا يؤمن بالتعليم، المجتمع الذى يردد احاديث وايات قرآنية تتحدث عن الأمانة والشرف والضمير ويشجع الغش الجماعى على سبيل المثال، خرجت وقتها بخلاصة الخلاصات وهى «ملف التعليم أخطر من أن يترك ادارته لوزير .. أى وزير بمفرده مهما كانت قدرته، التعليم يحتاج إلى مجلس أعلى للتعليم يضع الاستراتيجية التى يلتزم اى وزير بتطبيقها دون فلسفات شخصية» واليوم أتذكر كل هذا وانا أتابع ما يدور من جدل «صحى» حول شخصية وشهادات وزير التعليم الجديد، وبمنتهى التجرد ودون معرفة أى تفاصيل عن حقيقة هذه الشهادات وان كانت مزورة أو سليمة، معتمدة أم غير معتمدة، ورغم تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى التى حاول من خلالها طمأنة الناس على مستقبل أبنائهم، ورغم احتمالية ان يكون الرجل لديه خبرة ويمتلك القدرة على صناعة ما لم يصنعه طه حسين وأحمد لطفى السيد وصولا إلى طارق شوقى ورضا حجازي، رغم كل هذا وذاك وبمنطق المدافع الصلب عن الدولة المصرية ومؤسساتها ومشروعها الوطنى وانعكاسا لاحترامى وتقديرى وحبى وإيمانى بإخلاص وصدق وتجرد السيد الرئيس المصلح عبدالفتاح السيسى أطالب الوزير نفسه أن يقدم اعتذارا عن عدم القدرة على الاستمرار بعد كل هذا اللغط المثار حول شهاداته والتى ستترك آثارا سلبية عميقة على اكثر من 30 مليون طالب وطالبة فى مختلف مراحل التعليم مع كامل احترامى لشخص الوزير، اللهم بلغت اللهم فاشهد.