فى البداية أؤكد تقديرى للمبادرة الفردية ودور القطاع الخاص الوطنى فى تنمية المجتمع وتطويره، والأخذ به إلى آفاق أوسع بعيدا عن البيروقراطية والروتين الحكومى الذى أحياناً ما يعطل التقدم والارتقاء فى ظل السباق العالمى المحموم فى كافة المجالات.
كما أؤكد تقديرى واحترامى للسيدة القديرة نوال الدجوى إحدى الرائدات المميزات فى مجال التعليم الخاص، وتنشئة أجيال كثيرة تشربت من تجربتها الفريدة سواء فى التربية أو التعليم الحديث، ما ساعد الكثير من الأبناء على نيل تعليم جيد أهلهم لنيل وظائف مرموقة فى تخصصات شتى سواء فى مصر أو فى الخارج.
وأتذكر تشجيع استاذنا الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محسن محمد لتجربتها فى مجال التعليم فى أواخر سبعينيات القرن الماضى.. حيث كان له رؤية سباقة فى رصد التجارب الناجحة من خلال أبواب الصحيفة فى تلك الفترة وكان منها باب «أمى الناظرة» الذى كان له مردود واسع فى مجال التعليم الذى تراهن عليه دوما كل دولة من أجل التقدم والرقى.
ولكن فى الحقيقة ليس بالضرورة أن تكون النهايات سعيدة لكل بداية جيدة واعدة، خاصة إذا خرجت عن الهدف السامى المخطط له عند بداية هذه التجربة خاصة فى مجال التعليم الذى يعد رسالة فى المقام الأول تحدث التقدم فى التعليم والمعرفة والتنوير، ولا يكون هدفها هو الربح الكثير الذى يصل إلى مرحلة التوحش والاكتناز على حساب المجتمع وفئاته الكثيرة المتطلعة إلى التعليم الجيد، ولكنها لا تستطيع الوفاء بتكلفته الباهظة التى تحبط الآمال وتعرقل التقدم المجتمعى.
>>>
ومن المفارقات الغريبة أن يكون هذا الإعلامى الشهير المتحمس فى كل حكاياته لمسألة تخارج الدولة من كل القطاعات الإنتاجية والخدمية، وفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص للدرجة التى ينتهى معها دور الدولة إلى حد الضعف والتأثير المطلوب الذى لا يحقق المصلحة العليا، والأمن القومى فى ظل الظروف والمتغيرات الطارئة، أو يراعى الغالبية العظمى من الشعب الذى هو فى النهاية مسئولية الدولة وفى «رقبتها» بحكم الدستور والقانون.
من الغريب أن يكون هذا الإعلامى هو الراصد والراوى والمحقق فى هذه النهاية غير السعيدة لتجربة أو مأساة التوحش الأسرى وصراعاته حول المال الكثير الذى تحقق فى مجال التجارة بالتعليم والمتعلمين والانحراف بها عن الهدف السامى النبيل الذى ضاع فى غياهب التكسب الزائد الذى يوصم – للأسف- كل التعليم الخاص الذى يجب أن تفتح الدولة الآن فى ظل جمهوريتها الجديدة وسعيها لتطوير التعليم بكل شفافية ومراعاة لدى إسهامه وتأثيره على حالة التعليم فى مصر.
بصراحة.. إننى أنزعج من تلك الأرقام الفلكية التى نسمع عنها هذه الأيام فى مصروفات المدارس والجامعات الخاصة والدولية والتى تستقطب طبقات بعينها فى المجتمع، ولكنها ترهق وتعرقل طبقات أخرى من حقها أن تحصل على تعليم جيد، لا تستطيع المدارس أو الجامعات الحكومية أن توفره بحكم إمكانات الدولة والزيادة السكانية الهائلة التى تسبب فى كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى نعانى منها.
>>>
باختصار.. إن الدولة التى تسعى الآن لتطوير التعليم بل ولا تردد من الاستعانة بالخبراء المخلصين من التعليم الخاص لابد أن تكون هى المسيطر والحاكم والموجه فى كل جنبات التعليم سواء الحكومى أو الخاص.. ولا يجب أن نسمح لكائن من كان أن يتكسب إلى حد التوحش والاكتناز على حساب التعليم هذا الهدف القومى الذى بدأ مع عصر محمد على وقاده رفاعة الطهطاوى ثم طه حسين الذى أراده كالماء والهواء حق لكل المصريين.. وساهم فى تخريج أجيال كثيرة حققت لمصر ريادتها ومن بينها دورها فى نشر التعليم فى أمتها العربية.. لابد أن تكون يد الدولة هى الأقوى فى هذا الملف الحيوى.