المتأمل للمشهد فى التعليم الجامعى سيدرك أنه فى حاجة ماسة لإعادة صياغة بشكل يتناسب مع متطلبات سوق العمل خاصة بعد ظهور العديد من الوظائف المرتبطة بالبرمجة والذكاء الاصطناعى وهو ما فرض فى الأونة الأخيرة بعض التخصصات الجديدة التى استدعت افتتاح كليات جديدة أو أقسام متخصصة داخل كليات قائمة لتظل بعض الكليات أو الأقسام القديمة فى حاجة لإعادة صياغة.
فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة وهى القلعة الأولى لصناعة الإعلام فى مصر جاء التحاق الطلبة بالأقسام المتخصصة هذا العام من خلال المجموع التراكمى لمواد التخصص بعيداً عن رغبات الطلبة كما كان يحدث فى الماضى وربما كان هذا من أجل الحفاظ على تواجد عدد من الدارسين فى بعض الأقسام التى جاءت بعيدة عن رغبات الطلبة والتى كانت تحظى بإقبال كبير فى الماضى مثل قسم الصحافة ولا جدال أن هذه الحالة خلقها المشهد العام فى مجال الصحافة واختفاء التعيينات من بعض الصحف الكبرى وحتى إن تمت فإنها لا تشترط أن تكون لخريجى كليات الإعلام بشكل عام أو الصحافة بشكل خاص.
جاء قرار وزير التربية والتعليم بجعل مادتى الفلسفة والمنطق واللغة الفرنسية كمادتين غير أساسيتين تضاف درجاتهما للمجموع فى ابتعاد الكثيرين عن الالتحاق بهذين القسمين على الرغم من وجود عدد كبير من المدارس التى تعد اللغة الفرنسية مادة تدريس أساسية فيها إلا أن هذا لم يحرك ساكناً خاصة أن الالتحاق بالتدريس لم يعداً قاصراً على خريجى الكليات المتخصصة وبات الأمر يحتاج إلى شخص يجيد اللغة فقط.
مثل هذه الأمور تؤكد أن التعليم الجامعى يحتاج لإعادة صياغة ليتماشى مع متطلبات الوضع الحالى واحتياجات المرحلة فلم تعد الكثير من المناهج قابلة للتطبيق فى الوقت الحالى فعلى سبيل المثال عندما كنت أدرس الصحافة فى بداية الألفية الثانية بكلية الإعلام كان مقبولاً أن نتعمق فى تاريخ نشأة الصحافة الورقية والاهتمام بكيف عالجت الصحف الورقية الكثير من قضايا الوطن فى حقب تاريخية مختلفة ووقتها لم يكن للصحافة الإلكترونية تواجد يذكر لذا كنا نتطرق لها على استحياء لكن فى الوقت الراهن باتت الصحافة الإلكترونية هى المتصدر الرئيسى للمشهد ليس هذا فحسب بل امتد الأمر لوسائل التواصل الاجتماعى ..كذلك صحافة الانفوجراف وكيف تحولت لأداة فى توصيل المعلومات فى ظل قدرتها السريعة لذا لم يعد من المقبول دراسة نفس المناهج التى تدرس على مدار عقود متتالية نفس الحال فى كليات الأسنان التى باتت تعتمد على التكنولوجيا فى تصنيع التركيبات على عكس ما كان يحدث فى الماضي.
الأمر يحتاج لتضافر الجهود وتشكيل لجنة على مستوى وزارى تضم مجموعة من الوزراء المعنيين وبعض الخبراء وأساتذة الجامعات على أن يتبعها لجان فرعية تشكل داخل كل جامعة لإعادة تقييم الكليات وما تضمه من أقسام وتحديد حاجة سوق العمل فمن غير المقبول أن نظل متمسكين بماض لم يعد له وجود.
علينا مصارحة أنفسنا والبعد عن سياسة دفن النعامة لرأسها فى الرمال فلم يعد هناك وقت فى ظل التطور التكنولوجى الرهيب الذى يشهده العالم والذى ألقى بظلاله على الكثير من الوظائف فاختفت بعضها وظهرت أخرى وهو ما سيمتد فى السنوات القادمة ويعيد تغيير المشهد تماماًً فى سوق العمل لذا علينا أن نكون أكثر استعداداً لذلك حتى لا نضطر لاستقدام العديد من الوظائف لمواكبة هذا التحول وهو ما سيكلفنا الكثير إذا لم نستعد له من الآن