بعيدًا عن القرارات الأخيرة بشأن الثانوية العامة والمواد التى خرجت نتيجتها من النتيجة النهائية مثل مادة اللغة الثانية وبعض المواد المكملة للمواد الدراسية.. وبعيدًا عما أثير حول هذه القرارات التى اعتبرها البعض تطويرًا فى التعليم واعتبرها آخرون قرارات غير مدروسة وكانت تحتاج لدراسة أعمق.. وبعيدًا عن صحة أو خطأ هذا أو ذاك فإن العملية التعليمية ليست مادة تحذف من المجموع أو مادة تضاف وليست بحجم المادة طولاً أو قصرًا.. بل القضية أكبر من ذلك بكثير بل لعل قرارات سابقة بإلغاء مادة التربية الوطنية من المجموع ثم إلغاء مادة التربية الدينية من مجموع درجات الطالب فى الشهادات العامة خاصة الثانوية والإعدادية أخطر وأهم لأن المادتين: التربية الوطنية والتربية الدينية الأكثر تأثيرًا فى هوية الطالب وبالتالى أكثر تأثيرًا وأعمق فى تحديد الهوية والأمن القومى بشكل عام.
العملية التعليمية لا تعتمد فقط على المناهج بل إن المناهج مجرد عنصر واحد من عناصر عديدة لهذه العملية.. والمناهج بشكل عام تعتمد على الأهداف الأساسية للتعليم فى كل مرحلة من المراحل.. والقدرة على تحدى الواقع لتصل بنا إلى هدف أساسى وهو تنمية الطالب وتأهيله للمرحلة التالية ولعل من أهم عناصر العملية التعليمية هو المعلم الذى كان محور الحديث عبر السوشيال ميديا ورد فعله على القرارات الأخيرة لدرجة أن أخبارًا تم تداولها عن معلمين ماتوا حزنًا وتأثرًا بقرار إلغاء المادة الثانية من المجموع فى الثانوية العامة ومعلمين خسروا مئات الآلاف بسبب إلغاء موادهم من المجموع وخسائر «سناتر الدروس الخصوصية» وهذه الأخبار تعتبر استكمالاً لأدوار خفية فى أفلام ومسلسلات أساءت للمعلم وقدمته باستهزاء مما يستدعى ضرورة العودة إلى الاهتمام بالمعلم ودوره ومكانته ويكفى أن تذكر البيت الشعرى الشهير عن المعلم وقيمته لأمير الشعراء أحمد شوقى وهو:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا..
ولابد من إعداد المعلم إعدادًا جيدًا وعودة دور كليات التربية وأكاديميات تدريب وتأهيل وتطوير المعلم وتأهيله تأهيلاً حقيقيًا على المستوى العلمى والتربوى والنفسى لهذه المهمة الجليلة.
والمدرسة التى تضم الطالب والمعلم ليست مجرد مبنى يضم الفصول والحجرات والملاعب والحدائق.. بل هو معنى ومغزى أهم بكثير.. والمدرسة وهى الأصل والأم الحقيقية للعملية التعليمية تضم الطالب والمعلم والأنشطة والفصول وإذا كان الفصل الدراسى وإعداده الإعداد الجيد هو أساس دور المدرسة فإن ما يعيب مدارسنا حاليًا هو الكثافة العددية للفصول مما يعوق العملية التعليمية وأذكر أن دولاً عربية تسمح لشركات أو أشخاص ببناء مدارس يتم تأجيرها لوزارة التربية والتعليم بمقابل سنوى مجزى لحل هذه الأزمات لأن الاعتماد على المدارس الخاصة وحدها لا يكفي.. كما أن مستوى الأنشطة فى المدارس خاصة الأنشطة الثقافية والعلمية والتربوية والرياضية يساهم فى تحديد الهوية وبالتالى تعد سلاحًا حقيقيًا للأمن القومى اليوم وغدًا.. فهؤلاء الطلاب هم نواة الغد وهم حرس اليوم وهم روح الأسرة المصرية بشكل عام.
ومن العناصر الأساسية للعملية التعليمية أيضًا الطالب الذى أصبح عرضة للتأثر بعوامل عديدة فى المجتمع خاصة السوشيال ميديا وإذا كانت هناك أصوات قد علت فى الفترة الأخيرة تطالب بمنع برامج التيك توك فى مصر لأنها تسيء إلى القيم وتسهم فى زرع قيم سلبية عديدة لدى الأطفال والتلاميذ الصغار فإن كثيرين يرون أنه من الممكن استغلال برامج التيك توك وغيرها بأسلوب علمى تربوى فنى راق لخلق أجيال مميزة والمساعدة فى العملية التعليمية بشكل جيد وخلق حوافز قوية لدى الطلاب.
ولاشك أن عودة الاهتمام بالأنشطة الطلابية خاصة الثقافية والرياضية والفنية والعلمية والاهتمام بالدين والأخلاق والمعاملات يخلق جيلاً جديدًا ويساهم بفعالية فى نجاح العملية التعليمية.
خبراء التربية والتعليم وأساتذة التربية اتفقوا على عناصر كثيرة للعملية التعليمية واختلفوا فى الأولويات لكنهم اتفقوا جميعًا على أن التخطيط لما يتم تقديمه فى المدرسة والتخطيط لبناء جيل مميز من خلال العملية التعليمية هو الأولى بالاهتمام ولاشك أن ذلك يجعلنا نتساءل عن حقيقة وجود مجلس أعلى للتعليم ودوره الفعال فى تحديد المناهج ودوره أيضًا فى تحديد الأولويات بحيث أنه يمكنه أن يفسر لنا بسهولة أسباب ودوافع وزارة التعليم فى القرارات الأخيرة الخاصة بمواد درجات الثانوية العامة مثلاً.. وكيفية النهوض بالتعليم الفنى بشكل إيجابى يساهم فى بناء الشخصية السوية للطالب وكذلك التخطيط لمرحلة ما بعد التعليم الأساسى وكيفية بناء الإنسان السليم لأنه أساس بناء الوطن وهو أساس الأمن القومى للوطن وهو الهدف الأسمي.