تتمتع مصر بإمكانيات هائلة وثروات عديدة من خلال استغلالها اقتصاديا يمكن المساهمة فى النهوض والانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة وتحقيق الغايات التنموية المنشودة، وتتنوع هذه الثروة ما بين قطاع التعدين الذى يشهد طفرة غير مسبوقة مدفوعة بالإصلاحات التشريعية والحوافز الاستثمارية التى قدمتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، حيث يُعد هذا القطاع أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، كما تمتلك مصر احتياطيات ضخمة من المعادن الاستراتيجية والمواد الخام الصناعية التى يمكن استغلالها لتعزيز الصناعات التحويلية وزيادة القيمة المضافة.
وكذلك تمثل مصر واحدة من أكثر الدول الواعدة اقتصاديًا بفضل موقعها الجغرافى المتميز، الذى يربط بين ثلاث قارات ويجعلها مركزًا رئيسيًا للتجارة العالمية، ومنذ عام 2014 بدأت الدولة فى تنفيذ خطط تنموية كبرى تهدف إلى تحقيق نهضة اقتصادية شاملة، مستفيدة من مواردها الطبيعية والبشرية، وتعمل على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التى تعوق تقدمها.
بالاضافة إلى توجهات الدولة لاعادة صياغة شبكة الموانئ البحرية لتتكامل مع شبكات الطرق و الموانئ الجافة و المطارات و ذلك بهدف إنشاء ممرات لوجستية دولية تنموية متكاملة تربط مناطق الإنتاج سواء الصناعى أو الزراعى أو التعدينى أو الخدمى بالموانئ البحرية من خلال وسائل نقل سريعة وآمنة مرورًا بالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية المتكاملة، ورغم الضغوط الإقليمية والدولية فإن مصر تمتلك كل المقومات التى تجعلها قادرة على تحقيق نمو مستدام وتحقيق مكانة ريادية فى المنطقة والعالم.
وفى هذا السياق» الجمهورية الأسبوعي» فى السطور التالية تناقش أبرز إنجازات قطاع التعدين والموانيء والموقع الجغرافى والفرص الاستثمارية المتاحة، والتحديات التى تواجه الأستثمار فى هذه الثروات، بالإضافة إلى خطط التطوير المستقبلية التى تتبناها الدولة لتعظيم الاستفادة منها.
د.محمد البهواشى:
55 ميناء بحرياً و23 مارينا سياحية منها 9 على البحر المتوسط و14 علـــى البحر الأحمر
د.محمد البهواشى خبير الاقتصاد والطاقة قال ان الدولة وضعت لنفسها نهجا واستراتيجية لتحقيقها و من أهم مبادئها الاستغلال الأمثل للموارد و خلق قيمة اقتصادية مضافة، لذلك توسعت الدولة فى الانفاق العام على الاستثمارات المحلية فى شكل إعادة صياغة للبنية الأساسية فى كافة القطاعات من طرق و مصادر طاقة و مشروعات قومية فى كافة القطاعات الاقتصادية التى تمتلكها الدولة وذلك بغرض تهيئة البيئة الاستثمارية فى مصر لتتوافق مع متطلبات و مستهدفات المستثمر سواء المحلى او الأجنبى بما يحقق له أعلى عائد و فى اقل وقت ليكون ذلك الدعم الحقيقى و المستدام للاقتصاد المصرى و الذى يعظم من عوائد الموارد سواء بزيادة الناتج المحلى او اتاحة فرص العمل او تقليل الاعتماد على المنتج المستورد بإنتاج منتج محلى يضاهى المستورد فى المواصفة العالمية و يتغلب عليه بسعره المنافس .
وأضاف انه من هذه المنهجية ونظرا للموقع الجغرافى المتميز للدولة المصرية و الذى يتوسط دول العالم وتطل على البحرين الأحمر والمتوسط وتمتلك سواحل يبلغ طولها 3000 كم منها 2000 كم على البحر الأحمر و1000 كم على البحر المتوسط ، مع امتلاك أهم ممر ملاحى عالمى وهو قناة السويس ، فضلا عن امتلاك مصرلـ 55 ميناء بحرياً ما بين 37 ميناء تخصصيا، و 18 ميناء تجاريا، إضافة إلى 23 مارينا سياحية منها 9 على البحر المتوسط و14 مارينا على البحر الأحمر.
تابع: لذلك كانت توجهات الدولة لاعادة صياغة شبكة الموانئ البحرية لتتكامل مع شبكات الطرق و الموانئ الجافة و المطارات و ذلك بهدف إنشاء ممرات لوجستية دولية تنموية متكاملة تربط مناطق الإنتاج سواء الصناعى أو الزراعى أو التعدينى أو الخدمى بالموانئ البحرية من خلال وسائل نقل سريعة وآمنة مرورًا بالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية المتكاملة، وذلك بالإضافة الى ما تم إنشاؤه من حواجز للأمواج بأطوال تبلغ 15 كم وتعميق للممرات الملاحية لزيادة القدرة الاستيعابية للموانئ من 185 مليون طن سنويا ليصل إلى نحو 400 مليون طن سنويًا، ومن 12 مليون حاوية مكافئة إلى نحو 40 مليون حاوية مكافئة سنويًا، هذا بالإضافة إلى 10 ملايين حاوية ترانزيت و30 ألف سفينة عملاقة سنويًا .
وأوضح انه للوصول الى هذه الأهداف كان لزاما على الدولة التوسع فى انشاء أرصفة الموانئ البحرية و التى بلغت 100 كليو متر و من المخطط ان يتم زيادتها باجمالى أطوال للأرصفة الجديدة بـ 67 كم، وبعمق يتراوح بين 18 و22 مترًا فى بعض الموانئ على البحر الأحمر وتشمل موانئ السخنة والأدبية وبرنيس وسفاجا ونويبع على البحرالأحمر، كما تشمل موانئ على البحر المتوسط وهى ميناء العريش وبورسعيد ودمياط وأبو قير والإسكندرية وجرجوب
وقد تم تخصيص نحو 129 مليار جنيه لتطوير الموانئ البحرية، ونتيجة للتطور الهائل فى منظومة الموانئ المصرية بلغت الطاقة الاستيعابية للموانئ البحرية فى عام 2022/2023 ما يقدر بـ 184.2 مليون طن بزيادة بنحو 44.2 مليون طن مقارنًة بعام 2013/2014، و لقد بلغ إجمالى عدد رحلات السفن المترددة على الموانئ البحرية المصرية بنحو 14.4 ألف رحلة خلال عام 2023 وكل ذلك ما هو إلا خطوة على طريق طويل ولكن يتم التأسيس لهذا الطريق على اعلى المعايير الدولة لتحقيق الاستدامة و تعظيم الاستفادة من الموارد المصرية بما يعود بالنفع على كافة مؤشرات الاقتصاد المصري.
د.جمال القليوبى:
«الموقع الجغرافى» فرصة ذهبية للتحول إلى مركز لوجستى عالمى
نجلاء السيد
د.جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة قال ان مصر تمتلك موقعًا جغرافيًا فريدًا يجعلها من أهم الدول المحورية فى العالم، فهى تربط بين ثلاث قارات، وتطل على البحرين الأحمر والمتوسط، وتتحكم فى أحد أهم الممرات البحرية فى العالم، وهو قناة السويس. هذا الموقع يمنحها فرصًا غير محدودة فى مجالات النقل والتجارة والطاقة والاستثمار، وخلال السنوات الأخيرة، بدأت الدولة المصرية تنفيذ مشروعات قومية كبرى لتعظيم الاستفادة من هذا الموقع، وهناك الكثير من الإمكانيات تنتظر الاستغلال بالشكل الكافي.
أوضح ان التحديات الإقليمية والسياسية تلعب أيضًا دورًا كبيرًا فى الحد من الاستفادة الكاملة من الموقع الجغرافي، حيث إن هناك ضغوطًا دولية وإقليمية لا تريد لمصر أن تتحول إلى قوة اقتصادية مستقلة، و هناك دول ترى فى قوة مصر الاقتصادية تهديدًا لنفوذها فى المنطقة، ولهذا تعمل على عرقلة مشروعاتها الكبرى بطرق مختلفة، سواء من خلال الضغط الاقتصادى أو السياسى أو حتى من خلال الحملات الإعلامية التى تسعى إلى تشويه صورة الدولة المصرية وتقليل ثقة المستثمرين بها، ورغم ذلك، فإن الإرادة السياسية فى مصر واضحة فى السير نحو تحقيق التنمية والاستفادة الكاملة من الموارد المتاحة، وتعمل الدولة على تطوير البنية التحتية، وبناء شبكة طرق حديثة، وتحديث الموانئ والمطارات، وإطلاق مشروعات كبرى مثل القطار الكهربائى السريع، الذى سيساهم فى ربط الموانئ المصرية بشبكة تجارية عالمية، مما يزيد من قدرة مصر على أن تصبح مركزًا لوجيستيًا عالميًا.
وبالنسبة لرؤيته فى مواجهة التحديات التى تعوق الاستفادة الكاملة من الموقع الجغرافى قال يجب التركيز على تطوير التعليم والبحث العلمي، لأن النهضة الاقتصادية الحقيقية تبدأ من العقل البشري، وإذا تم إعداد جيل جديد قادر على التفكير الابتكارى والإنتاج الصناعى والتكنولوجي، ستتمكن مصر من إنشاء قاعدة صناعية قوية تستفيد من موقعها الجغرافي، بدلاً من أن تظل معتمدة على استيراد التكنولوجيا من الخارج، كمايجب دعم الاستثمار المحلى والاعتماد بشكل أكبر على القطاع الخاص المصري، فالدول الكبرى لم تنهض بالاعتماد فقط على الاستثمارات الأجنبية، بل كان لرواد الأعمال والمستثمرين المحليين الدور الأكبر فى تحقيق التنمية الاقتصادية، وتقديم تسهيلات حقيقية للمستثمرين المصريين، وكذلك دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة سيساعد فى تحقيق تنمية اقتصادية متكاملة.
وأشارالى أهمية الترويج السياحى لمصر بطريقة أكثر فعالية حيث لدينا واحدة من أقدم وأغنى الحضارات فى العالم، ولدينا شواطئ ومناطق طبيعية فريدة، و لم يتم حتى الآن استغلال هذا القطاع بالشكل الذى يليق بحجم مصر وإمكاناتها، ويجب التركيز على السياحات الثقافية والترفيهية والعلاجية، واستهداف أسواق جديدة لجذب مزيد من السياح من دول مثل الصين والهند وأمريكا اللاتينية، كمايجب تعزيز التعاون الإقليمى والدولي، بحيث تصبح مصر شريكًا اقتصاديًا أساسيًا فى المشروعات الكبرى التى تربط بين القارات، ومبادرة «الحزام والطريق» الصينية على سبيل المثال توفر فرصة كبيرة لمصر لتكون نقطة ارتكاز فى التجارة بين آسيا وأوروبا، ولدينا بنية تحتية قوية وسياسات اقتصادية مرنة قادرة على الاستفادة من هذه الفرص.
ويري» د. القليوبى «ان مصر تحتاج إلى تطبيق البحث العلمى وتوجيهه نحو الصناعات المحلية وتحفيز الابتكار، مع ضرورة إصلاح منظومة التعليم وتطوير المناهج لتناسب سوق العمل، والاهتمام بالمهارات التقنية والتكنولوجية. يجب أيضًا تعزيز الاستثمار والصناعة المحلية من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والحد من الاعتماد على الواردات وزيادة الإنتاج المحلي. من المهم كذلك ترسيخ الوعى والثقافة الوطنية، من خلال نشر ثقافة العمل والإنتاج وتعزيز الانتماء الوطني، موضحا ان مستقبل مصر يعتمد على مدى قدرتها على تحقيق نهضة اقتصادية حقيقيةإذا تمكنت الدولة من تطبيق سياسات اقتصادية قوية، والاستثمار فى التعليم والصناعة، والاستفادة الكاملة من مواردها الطبيعية والبشرية، فسنرى مصر فى مكانة مختلفة تمامًا خلال العشرين عامًا القادمة.
د. تامر أبو بكر:
التعدين المصرى.. قفزة نوعية وفرص استثمارية غير مسبوقة
نجلاء عبدالعال
أكد الدكتور تامر أبو بكر، رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات المصرية أن قطاع التعدين المصرى شهد تحولات كبيرة خلال السنوات الأخيرة بفضل الإصلاحات التشريعية التى سهلت جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، حيث شهد القطاع زيادة فى حجم الاستثمارات، سواء من الشركات العالمية التى شاركت فى المزايدات التى طرحتها الدولة مؤخرًا، أو من خلال التوسع فى المشروعات القائمة مثل منجم السكرى للذهب، الذى تجاوز إنتاجه السنوى 450 ألف أوقية، مما عزز من مكانة مصر على خارطة الدول المنتجة للذهب عالميًا.
«فرص استثمارية واعدة»
وحول أبرز الفرص الاستثمارية المتاحة فى القطاع، أوضح الدكتور أبو بكر أن مصر تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن الاستراتيجية التى لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل حتى الآن. وأضاف أن خريطة الاستثمار التعدينى تضم العديد من المشروعات الواعدة، مثل مشروع إنتاج خام التلك فى منطقة جبل الجرف، والذى يتميز باحتياطى جيولوجى كبير يُقدر بنحو 75,333 متر مكعب، ويُستخدم فى العديد من الصناعات مثل الورق والبلاستيك والمطاط والدهانات، مشيرا الى مشروع إنتاج خام الكبَر فى شرق العريش، الذى يحتوى على احتياطى جيولوجى يبلغ 13 مليون طن، ويُستخدم فى صناعات متعددة تشمل الدهانات، والقوالب الفخارية، والإضافات الأسمنتية، ومعالجة التربة الزراعية. وأكد أن هذا المشروع يُعد فرصة استثمارية مهمة لدعم الصناعات الإنشائية والزراعية فى مصر.
وأضاف، انه بالنسبة لرواسب الألومنيوم فى مناطق أسوان وأبو سمبل، تُعد من أهم الخامات التى يمكن استغلالها فى صناعة السيراميك والدهانات والورق، مشيرًا إلى أن الاستثمار فى هذه الرواسب يمكن أن يسهم فى إنشاء مصانع جديدة تدعم الصناعات التحويلية وتعزز من الصادرات المصرية.
«خطط التطوير والتحديات»
وقال «د.أبوبكر» إن الحكومة المصرية تعمل وفق رؤية واضحة تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من الموارد الطبيعية، وذلك من خلال تحديث البنية التحتية وتطوير سلاسل القيمة المضافة للصناعات التعدينية. وأوضح أن هناك اهتمامًا خاصًا بتطوير الطرق والموانئ لتسهيل عمليات النقل والتصدير، بالإضافة إلى توفير التكنولوجيا الحديثة لزيادة كفاءة الإنتاج وتقليل الفاقد من الخامات.
وفيما يتعلق بأفكار غرفة التعدين المقترحة لتطوير القطاع، شدد على أهمية تحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية مستقلة تحت إشراف وزارة البترول، بما يمنحها المرونة الكافية لدعم المستثمرين واتخاذ قرارات أكثر فاعلية، كما دعا إلى وضع استراتيجية واضحة لزيادة عدد تراخيص البحث والتنقيب، لجذب استثمارات جديدة وضخ المزيد من رؤوس الأموال فى الاقتصاد المصري.
مشيرا إلى أهمية تحديث الخريطة الاستثمارية للموارد التعدينية، بحيث تتوفر بيانات دقيقة حول مواقع المعادن وتتاح للمستثمرين عبر منصة إلكترونية حديثة، ما يسهل من عمليات التخطيط والاستثمار، كما أكد على ضرورة تشجيع الصناعات التحويلية، بحيث لا يتم تصدير المواد الخام كما هي، بل تتم معالجتها محليًا لإنتاج منتجات نهائية ذات قيمة اقتصادية أعلي، وهو ما سيزيد من مساهمة القطاع فى الناتج المحلى الإجمالى ويوفر المزيد من فرص العمل.
«توقعات مستقبلية مشجعة»
وأعرب عن تفاؤله بمستقبل قطاع التعدين فى مصر، مشيرًا إلى أن التوسع فى الصناعات التحويلية والتكنولوجيا الحديثة سيساهم فى خلق المزيد من فرص العمل وتحقيق عائد اقتصادى كبير للدولة، كما أكد أن مصر تمتلك كافة المقومات التى تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا لصناعات التعدين، بفضل مواردها الغنية، وإصلاحاتها التشريعية، وبيئتها الاستثمارية الجاذبة، موضحا ان قطاع التعدين فى مصر أمامه فرص هائلة للنمو، والمستقبل واعد إذا استمررنا فى تنفيذ الإصلاحات والتطوير بالشكل الصحيح. نحن على الطريق الصحيح، ونتطلع إلى رؤية مصر فى مصاف الدول الرائدة فى هذا المجال خلال السنوات المقبلة».