قال خبراء مصرفيون لـ «الجمهورية الأسبوعي»، إن رفع سعر الفائدة ليس حلاً كافياً لخفض التضخم ما لم تصاحبه سياسات مالية تدعم زيادة الإنتاجية وتقلل الفجوات الاقتصادية،مع ضرورة تنسيق السياسات المالية والنقدية والتركيز على رفع المهارات لتحقيق استقرار اقتصادى مستدام.
وأضافوا ان تخفيض حجم الانفاق الحكومى وبشكل خاص الانفاق ذى الطابع الاستهلاكى من أجل تخفيض حجم الطلب الكلى على السلع والخدمات، يؤدى الى انخفاض معدل التضخم،وفى نفس الوقت تخفيض العجز الدائم فى الموازنة العامة للدولة، مما يدعم تخفيض حدة التضخم بشكل ملموس، بالاضافة الى أن استخدام الضرائب كإحدى أدوات السياسة المالية فى مواجهة التضخم،من خلال تخفيض مُعدل ضريبة القيمة المضافة والتى يتحملها المستهلك النهائي، سيؤدى الى انخفاض اسعار السلع الغذائية الاساسية بشكل ملحوظ.
قال د. رمزى الجرم، الخبير المصرفي، إنه على مدى ثلاث سنوات مَضت تقريبا تَبنت غالبية البنوك المركزية فى كافة بلدان العالم استخدام الوسائل الكمية «سعر الفائدة – الاحتياطى الإلزامى – السوق المفتوحة»، لمواجهة شبح التضخم الذى تَسارعت وتيرته بعد اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، والتى انعكست تداعياتها السلبية بسبب تَعطل سلاسل الامداد العالمية ، على ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والكثير من المُنتجات الزراعية، إلا أن استخدام سعر الفائدة كان الأداة الأبرز استخدامًا فى كبح جماح التضخم.
آليات التسعير
أضاف أنه على المستوى المحلي، نجد أن البنك المركزى المصرى استخدم آلية سعر الفائدة لاستهداف معدلات التضخم منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية وتحديدًا فى 21 مارس 2022 وحتى الآن ، وفى احيان قليلة، استخدم آلية الاحتياطى الالزامى والذى تم رفعه بنحو 4٪، حتى أن كثيراً من البنوك المركزية الأخرى لجأت الى تخفيض اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمعدلات طفيفة فى العام الماضي، إلا أن صانع السياسة النقدية فى مصر تَبنى التثبيت فى آخر ستة اجتماعات للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى من أصل ثمانية اجتماعات خلال العام 2024، على حين تَبنت اللجنة المذكورة ،رفع اسعار الفائدة بواقع 200 إلى 600 نقطة اساس فى اجتماعى فبراير ومارس الماضيين على الترتيب، لتستقر عند مستوى 27.25٪ إلى 28.25٪ للايداع والاقراض على الترتيب.
ويرى د. الجرم أن تَبنى آلية سعر الفائدة فى تخفيض معدل التضخم فى الاقتصاد المصرى لم تنجح فى تخفيض معدلات التضخم فى الاقتصاد المصري، حتى أن الانخفاض الطفيف، ربما يرجع لانخفاض معدلات التضخم فى الاقتصاد العالمى بشكل عام، على إثر استعادة حركة سلاسل الامداد العالمية الى حدٍ ما، وليس بسبب آلية سعر الفائدة، وربما يشير ذلك بشكل جليّ إلى ان التضخم الذى يواجه الاقتصاد المصرى من نوعية التضخم التكاليفى الناتج عن صدمة فى جانب العرض وليس فى جانب الطلب، على خلفية زيادة تكلفة انتاج السلع فى السوق المحلى ، نتيجة لارتفاع أسعار النفط ومستلزمات الانتاج، وزيادة أسعار السلع المستوردة المُحملة بمعدلات التضخم فى دولة المستورد، وبما يؤكد أن استخدام آلية سعر الفائدة، يُعد إجراء غير فعال فى استهداف التضخم الذى نشأ بسبب صدمة جانب العرض.
ولذلك ربما يكون من الأفضل التَخلى وبشكل سريع عن استخدام الية سعر الفائدة لمواجهة شبح التضخم فى الاسواق المحلية ، والبدء فى اجراء تخفيضات ملموسة فى أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض فى أول اجتماع للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى فى أول العام الجاري، دون القلق من تأثير استحقاق شهادات الايداع الثلاثية ذات العائد الدائن المرتفع بداية من يناير الجارى على زيادة الكتلة النقدية فى الاسواق.
أضاف «د. الجرم» أن البدء فى تخفيض ملموس فى أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، يُعد أول الاجراءات الضرورية التى تُستهدف التضخم، بالتزامن مع استخدام آليات السياسة المالية للحد من الضغوط التضخمية التى تواجه الاقتصاد المصري، من خلال تخفيض حجم الانفاق الحكومى وبشكل خاص الانفاق الحكومى ذى الطابع الاستهلاكى من أجل تخفيض حجم الطلب الكلى على السلع والخدمات، مما يؤدى الى انخفاض معدل التضخم، وفى نفس الوقت تخفيض العجز الدائم فى الموازنة العامة للدولة، مما يدعم تخفيض حدة التضخم بشكل ملموس.
بالاضافة الى أن استخدام الضرائب كإحدى ادوات السياسة المالية فى مواجهة التضخم ، من خلال تخفيض مُعدل ضريبة القيمة المضافة والتى يتحملها المستهلك النهائي، سيؤدى الى انخفاض اسعار السلع الغذائية الاساسية بشكل ملحوظ، وهذا من شأنه تخفيض حدة التضخم من خلال التأثير المباشر على أسعار السلع والخدمات ، مع تعويض نقص الحصيلة الضريبية، عن طريق زيادة معدل الضريبة الجمركية المفروضة على السلع الاستفزازية المستوردة وكذا السلع الكمالية بشكل مؤقت لحين استقرار الأوضاع الاقتصادية فى البلاد ، كما أن تراجع قيمة الانفاق الحكومى سيعوض بشكل كبير اى انخفاض فى الحصيلة الضريبية جراء ذلك.
سياسة تشددية
ويرى د. أحمد شوقى الخبير المصرفى انه فى ضوء توجه الاقتصاد المصرى لاحتواء التضخم مستخدما أدوات السياسة النقدية وتطبيق سياسة تشددية من خلال المركزى المصرى وتوجه المركزى بتعديل مستهدفات التضخم فى ضوء ارتفاع معدل التضخم فى الفترة الحالية، ولتحقيق الاستمرار فى خفض معدلات التضخم المرتفعة يجب الاستمرار فى تكاتف السياسات المالية والنقدية بشكل كلى لخفض التضخم بمعنى أن خفض الضغوط على الموازنة العامة من خلال تقليل حجم ملف الدعم للمواد البترولية وغيرها فهذا من الناحية المالية يؤثر بشكل طردى فى التضخم وارتفاعه بالرغم من ما يحمله خفض ذلك الدعم من إيجابيات.
ومن جانب آخر أهمية الاستمرار فى ملف الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتى لها أثر مباشر فى الحفاظ على زيادة الموارد الدولارية بعد انخفاض حصيلة قناة السويس، وتقديم المزيد من التسهيلات للمستثمرين الأجانب والمحليين للقطاعين الصناعى والزراعى لتوفير منتجات محلية ذات جودة مقبولة للمواطن المصرى لتحل محل المنتجات المستوردة،ومن أبرز التسهيلات توفير الأراضى والمبانى والخدمات للمستثمر مع منح إمكانية سداد قيمتها على آجال طويلة.
وكذلك عدم التوسع فى ملف الإقراض الخارجى وتفعيل أدوات مالية بالعملة الأجنبية كالصكوك بالعملات الأجنبية فى الأسواق العالمية وهيكله ملف الدين الخارجي، وابرام عقود آجلة لاستيراد السلع الأساسية ذات سعر منخفض للتحوط من ارتفاع الأسعار العالمية وتغيرات سعر الصرف ولكونه من العوامل المؤثرة فى ارتفاع التضخم فى ظل فجوة الميزان التجارى والبالغة 39 مليار دولار امريكى بميزان المدفوعات.
ويرى أن هناك ضرورة لتحرك سريع لتوظيف استثمارى للمدخرات الصغيرة لدى المصريين، وأنه آن الأوان لتشجيع إنشاء كيانات منتجة من خلال البورصة خاصة فى مجالات الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وتحويل المدخرات فى شكل أسهم بضمانات مشجعة لأصحابها إلى رافد استثمار محلى ضخم بما يعود بالنفع على الدخل المحلى الإجمالي، وكذلك إيجاد وتشجيع دور الصناديق الاستثمارية وتوسيع القنوات التى تحول المدخرات إلى استثمارات.