تبنت الدولة المصرية مفاهيم الزراعة المستدامة الذكية مناخيًا، استجابةً لدراسة نشرتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) عام 2016. وقد كشفت الدراسة أن 32 دولة من أصل 189 دولة أدرجت الزراعة الذكية مناخيًا كأولوية في مساهماتها الوطنية. تسعى مصر من خلال هذا التوجه إلى تحقيق التوازن بين التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها، مع التركيز على تحسين إنتاجية الغذاء.
مشروع المليون ونصف فدان: نموذج رائد للزراعة الذكية مناخيًا
تجسد هذا التوجه في تطبيق نموذج متطور في مشروع المليون ونصف فدان في الصحراء المصرية. يقوم هذا المشروع على أسس راسخة تشمل توليد المعارف وتبادلها، تنمية القدرات، ودعم تنسيق السياسات بين مختلف المؤسسات المعنية. وقد شكل هذا المحور جوهر ندوة نظمها المرصد المصري للتقنيات البيئية، بهدف تسليط الضوء على هذه الجهود الرائدة.
تنمیة محورھا الناس
الدكتور هانى الشاعر المدير الاقليمى للاتحاد الدولى لحماية الطبيعة باليونيسكو يقول: من الضروري السعى إلى إیجاد حلول عملیة لأھم التحدیات البیئیة والتنمویة وأكثرھا إلحاحاً من خلال دعم الباحثین البیئیین لإدارة المشاریع المیدانیة وتطویر الأنظمة والقوانین وأفضل الممارسات العالمیة في مجال البیئة والتنمیة المستدامة.
وخلق عالم يقدر الطبيعة ويحافظ عليها وتشجيع المجتمعات ومساعدتهم والتأثير عليهم للحفاظ على سلامة وتنوع الطبيعية والتأكد من أن يتم استخدام الموارد الطبيعية بشكل عادل ومستدام بيئياً خصوصاً وأن المنطقة تواجه العدید من التحدیات الحساسة منھا تدهور التربة وجفافها والتصحر.
واستخدام المياه واستخراجها بشكل غير مستدام وفقدان المواطن والتنوع الحيوي وانقراض الأنواع وتهديد البيئات البحرية الحساسة من خلال التلوث وتدهور المواطن البحرية والأنواع الغريبة الدخلية بالإضافة الى التنمية الساحلية غير المخططة.

يضيف الشاعر أن الاتحاد الدولي لحمایة الطبیعة یدعم موضوعات رئيسية تعاني منها المنطقة وتتمثل في:
- تشجیع الحوكمة الرشیدة للمیاه والتغیر المناخي حیث یساعد الدول على تقویة قدراتھم الوطنیة من أجل مراجعة الأطر القانونیة الموجودة أو تبني أطر جدیدة لإدارة موارد المیاه بطریقة مستدامة والمساعدة في إدارة الموارد الطبیعیة.
- إدارة المحميات والحفاظ على مواقع التراث العالمي الطبیعي وحمایة التنوع الحيوي.
- الإدارة المتكاملة للأراضي الجافة وإحیاء نظام الحمى لضمان دمج التنوع الحیوي في المراعي في نشاطات الإنتاج الاقتصادي.
- وتعزيز الإدارة المستدامة لموارد البيئات البحرية والمناطق الساحلية من خلال منهجيات النظم الإيكولوجية التي تشجع الاستخدام العادل للأراضي والمياه وموارد الحياة.
- وتعمیم فكرة النوع الاجتماعي وإدارة الموارد الطبیعیة وهو ما یعد تحديا عندما ترتبط الأولویات البیئیة ارتباطاً وثیقاً بالفقر والعدالة والأمن والنزاعات.
- وعلينا العمل بشكل داعم جنباً إلى جنب مع أعضائنا وشركائنا في المنطقة بما فیھا المنظمات غیر الحكومیة والحكومات لتحقیق نموذج جدید للتنمیة المستدامة بناءً على مفھوم التنمیة التي محورھا الناس.

التكنولوجيا لمواجهة التصحر
ويضيف الدكتور عمر البدوى خبير البيئة الدولى ومدير إدارة الأراضى بمركز سيدارى إذا كان التصحر يقاس بزحف الرمال او فقدان الانتاجية فإن مواجهته تقاس بسرعة تبني التقنيات ولدينا في مصر كل المقومات مثل الذكاء الاصطناعي: من خلال تحليل الصور الفضائية للتنبؤ ببؤر التصحر قبل تفاقمها.
- التكنولوجيا الحيوية: باستنباط سلالات نباتية تتحمل الملوحة والجفاف
- المشاركة المجتمعية: بتدريب أبناء القرى على استخدام تطبيقات مراقبة التربة أن معركتنا ضد التصحر ليست مجرد تقنيات نبتكرها بل هي معركة وعي وعي بأن حبة الرمل التي تزحف اليوم على قرية قد تبتلع غدا مدينة بأكملها
- لذا من الضروري أن نعمل معا كعلماء وقادة وإعلاميين لتحويل وطننا إلى نموذجٍ يحتذى حيث تسخر التكنولوجيا فيه لحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية من أجل الأجيال القادمة.
ولطالما كانت القرية المصرية ساحة للمعركة بين الحياة والتصحر لكن قرية الكرام اختارت أن تكون نموذجا مختلفا هذه القرية التي بنيت على مساحة ٥٠٠ فدان عام ١٩٩٧ لم تكن مجرد تجربة معمارية صديقة للبيئة بل كانت مختبرا حيا لدمج التكنولوجيا بالتراث فقد شهدت تطبيق أنظمة ري ذكية تعيد تدوير مياه الأمطار بكفاءة عالية مما يمثل حلا مستداما كما اعتمدت على ألواح شمسية صممها ونفذها مهندسون مصريون بمهارة وكفاءة فائقة تجسيدا للقدرات الوطنية.
وتبنت الزراعة العضوية التي حولت الكثبان الرملية القاحلة إلى حقول قمح ذهبية دلالة على إمكانية تحويل التحدي إلى فرصة.
ولذلك لم يكن مفاجئا أن تمنحها اليابان جائزة “أفضل مشروع تنموي مستدام” عام ٢٠٠٣ أو أن تدرجها الأمم المتحدة عام ٢٠٢١ كـ”أول قرية خضراء متكاملة في العالم النامي”.

الزراعة الذكية لتحقيق الأمن الغذائي
أكد الدكتور أحمد حجازي أستاذ العلوم البيئية بجامعة القاهرة أن التحول نحو الزراعة الذكية يتطلب نهجا شاملا يعتمد على بناء القدرات وتوفير بيئة تنظيمية محفزة وتشجيع الاستثمار والبحث العلمي والابتكار من تحقيق الأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي ومكافحة آثار تغير المناخ.
كما دعا إلى تعميم نموذج قرية الكرام على مشروع المليون ونصف فدان حيث تجسد مفاهيم الزراعة المستدامة الذكية من خلال تحقيق التوازن بين الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية وتوظيف مخرجات البحث العلمي مع تطبيقات المزارعين بالشراكة بين الأكاديميين والقطاع الخاص بما يضمن دعم الأمن الغذائي في المناطق الصحراوية عن طريق استخدام بذور عالية الجودة وتنويع المحاصيل والأعلاف والإدارة المتكاملة للآفات والحفاظ على صحة التربة وكفاءة إدارة المياه مما يساهم في تحقيق إنتاجية عالية وتقليل الأثر البيئي، والأعتماد على نظم الإنتاج المتكاملة حيث يتم استغلال مخلفات المحاصيل كعلف للماشية واستخدام الروث كسماد عضوي.
مراعاة الحزام المناخي
أشار الدكتور جمال مختار رئيس مجموعة الكرام للتنمية المتكاملة إلى ضرورة مراعاة الحزام المناخي في نوع الزراعات وتربية الحيوانات لتحقيق أعلي إنتاجية ودراسة التربة ونوعية المياه المناسبة للمحاصيل المختلفة حتى لا تؤثر على الإنتاجية مع ربط مواقع الأنتاج الزراعى والحيوانى بنظم الإنتاج المتكاملة التى تراعى البعد البيئي وإعادة تدوير المخلفات الزراعية للحفاظ على صحة الإنسان خاصة إن العمالة الزراعية تستوعب 40 % من الأيدى العاملة في مصر.