الإصلاح الاقتصادى الذى تقوم به مصر حاليًا، يعد تحديًا كبيرًا، والإقدام على خوض هذه التجربة منذ «نوفمبر 2016»، بداية حقيقية للدولة المصرية على الطريق الصحيح، فرغم الحرب الشعواء التى خاضتها مصر ضد الإرهاب والتى ما زالت حتى الآن، فإن خوض معركة الإصلاح الاقتصادى على الجانب الآخر، يعد أمرًا بالغ الأهمية ولا يقدر على ذلك سوى شعب واعٍ قوى صامد يريد أن يتخلص من كل الأزمات والبلاوى التى تعرض لها طيلة سنوات طويلة قبل 30 يونيو.
ولذلك فإن بداية مصر الحقيقية قد بدأت منذ ثورة 30 يونيو، والدخول فى معركة الإرهاب والإصلاح الاقتصادي، الذى تأخر كثيرًا لم تجرؤ أية حكومة سابقة على الدخول وخوض معركته، رغم أن هذه الحكومات السابقة كانت على يقين تام وكامل بأن كل تأخير فى الإصلاح له تكلفة أكثر وأشد وطأة على الشعب المصرى الأصيل.
قد رفضت الدولة المصرية الجديدة بعد ثورة يونيه، أن تخضع الناس لسياسة المهدئات والمسكنات التى لا تجدى ولا تنفع، ولا تحل أو تزيل المشاكل والأزمات، وإنما تتسبب فى استفحالها وانتشارها بشكل بشع، وهذا ما حدث حتى أقدمت الدولة على خطوة الإصلاح وتبنى برنامجًا مصريًا خالصًا لهذا الإصلاح، يراعى ظروف وأوضاع المصريين، وهذا البرنامج الإصلاحى ليس مستوردًا من الخارج أو مفروضًا على البلاد كما يدعى أهل الشر الذين يروجون الشائعات والأكاذيب، فهذا البرنامج يراعى ظروف المصريين ويتضمن مظلة حماية اجتماعية واسعة لمواجهة الآثار المترتبة على تنفيذه، ومراعاة لظروف محدودى الدخل والفقراء والطبقات المتوسطة.
وجاءت التوجيهات الرئاسية وتوجيهات مجلس الوزراء بضرورة الاهتمام بضبط الأسواق والقضاء على فوضى الأسعار، وانتفاضة الحكومة ممثلة فى وزارات الداخلية والتموين والتنمية المحلية ضد التجار الجشعين، إلا أن التفعيل ما زال ضعيفاً. وجهاز حماية المستهلك يجب أن يؤدى الدور الذى يجب عليه القيام به. فالمواطنون يجأرون من الشكاوى بسبب ارتفاع الأسعار الجنونى الذى تسبب فيه التجار الجشعون الذين يصطادون فى الماء العكر. ولذلك انتفضت الدولة المصرية ضد هؤلاء الذين لا يتقون الله فى هذا الشعب العظيم بقرارات وإجراءات حاسمة.
رغم أن هناك خفضاً فى بعض أسعار السلع، تحقق بالفعل خلال الأيام الماضية وأعلنه رئيس الوزراء وهذا يبشر بالخير، لأنه من الطبيعى بعد الإجراءات الحكومية الأخيرة أن يحدث خفض فى الأسعار. ورغم قيام الحكومة بطرح العديد من السلع الغذائية بأسعار تنافسية أمام الجهات الأخري، ما زالت أسعار السلع لم يطرأ عليها الخفض الحقيقى لسببين رئيسيين، الأول: هو أن التجار الجشعين ما زالوا يصرون على عرض السلع بأسعار مبالغ فيها، ودائماً ما يكون ردهم الوحيد «اللى عاجبه يشتري.. واللى مش عاجبه يخبط راسه فى الحيط». وتفكير التجار بهذا الشكل يعد كارثة بشعة تستوجب الوقوف أمامها ملياً لإيجاد الحلول السريعة لها. وصحيح أن الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات الصارمة لوقف جشع التجار ويأتى على رأسها تعديلات فى قانون منع الاحتكار وتشديد العقوبات ضد جشع التجار.
الثاني: هو وجود تفاوت واضح وصريح فى أسعار السلع. فنجد على سبيل المثال لا الحصر أن سلعة واحدة فى مكان واحد بأكثر من سعر، رغم أن الجودة واحدة، وهذا لا تفسير له سوى أن بعضاً ممن يعرضون هذه السلعة يبيعون بأكثر من المطلوب. والسؤال إذن: هل الإجراءات المشددة التى أعلنت عنها الحكومة يتم تنفيذها أو تفعيلها؟! .. والإجابة ليست غائبة على أحد فالجميع يعلم تمام العلم أن المشكلة ما زالت سائدة فى الأسواق، ويتجرع ويلاتها المواطنون بلا استثناء فى ظل الارتفاع الحاد فى الأسعار الذى شهد هبوطاً ضعيفاً خلال الأيام الماضية.
أعتقد أن الأمر يحتاج تكشير الأنياب من الأجهزة الرقابية بشدة ضد التجار الجشعين، ليرحموا المواطن من هذا الارتفاع فى الأسعار، وليس من المعقول أو المقبول أن تغطى وزارة التموين الفارق من خلال المعارض التى تقوم بها. ولذلك يبقى ضرورة أن يكون هناك دور إيجابى للمواطن فى هذه القضية، وهذا الدور ينحصر فى أمر واحد لا ثانى له وهو الامتناع عن شراء السلعة التى يرى المواطن أن التاجر يزيد من قيمتها بأزيد من اللازم، والمعروف أن فكرة الامتناع عن شراء السلعة تصيب التاجر الجشع فى مقتل وتجعله يراجع نفسه ألف مرة قبل أن يحتكر السلعة أو يزيد من ثمنها.
على كل حالٍ لابد من مواجهة حقيقية فيما يتعلق بضبط الأسواق والتصدى لجشع التجار، ولا أحد ينكر أن الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات لكنها للأسف الشديد لم يتم تفعيلها على أرض الواقع؟!.. نحن فى حاجة شديدة لهذه المواجهة الشرسة مع جشع التجار.