عندما ظهرت جائحة كورونا نهاية العام 2019، وبدأت تتفشى مع بداية 2020، انقلبت أمور الحياة رأسا على عقب، ومع اجتياح الفيروس العالم ووقوع مئات الآلاف من الإصابات والوفيات، دفع انتشار العدوى الحكومات لتعطيل الكثير من الوظائف النظامية، والعمل من المنازل للحد من انتشار الوباء، ورغم أن التجربة كانت قسرية، إلا أنها أعطت دفعة للعمل عن بُعد.
ومع الإنترنت ظهر «التعلم الإلكترونى»، وأصبح نظاما قائما بحد ذاته ومعتمدا عليه فى عدد كبير من المدارس والجامعات فى العالم، وأحد رموز التطور الحضارى وسمة للارتقاء بالعلم والوصول إلى أعلى درجات التفوق والنجاح، ومن وسائل التعليم الحديث التى انتشرت فى عصرنا، وإيصال المهارات والمفاهيم للمتعلم بما يتيح له التفاعل مع المادة العلمية والزملاء والأساتذة، اعتمادا على الأجهزة الإلكترونية مثل الكمبيوتر، والهواتف، والأجهزة اللوحية.
ويتيح النظام إمكانية التعلم من أى مكان، وإيصال المعلومة بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة، والوصول إلى المحتوى، وعدم تضييع الوقت بين وسائل النقل؛ حيث يتميز التعليم الإلكترونى بالمرونة والإمكانيات، ويسمح بتطوير المهارات فى مجالات مختلفة، ويجعل المتعلمين أكثر تأهيلاً لسوق العمل ويمنحهم فرصا أوسع للتقدم فى حياتهم المهنية وتعلم مهارات جديدة.
وساهمت جائحة كورونا أيضا فى الاعتماد أكثر على هذا النوع من التعليم، مع إغلاق المدارس والجامعات، ولكن ظهرت بعض السلبيات، ومنها قلة التواصل والتفاعل المباشر، وظهور مشاكل التقنية من الاتصال بالإنترنت؛ والتركيز على الجانب النظرى أكثر من العملى، وارتفاع تكلفة التطبيقات، وقضاء الكثير من الوقت أمام شاشات الكمبيوتر والمواقع، والأهم انخفاض مستوى الإبداع والابتكار فى الإجابات بالامتحانات، وعدم مناقشة الإجابة أو فهمها بطريقة مختلفة، فالنظامٌ يحتاج إلى دراسة وذكاء فى التنفيذ والتطبيق.
وبعد كل هذه السنين وانتشار هذا النوع من التعليم، والتركيز على التكنولوجيا فى الفصول الدراسية، وفى الوقت الذى يرى فيه كثير من الدراسات والنتائج ضرورة الانتقال إلى الأساليب الحديثة للنهضة بالمستوى التعليمى، يفضل الكثير من الدول الطرق التقليدية والأساليب القديمة، والعودة إلى الماضى والكتب والدفاتر الورقية والأقلام، بعد تقييم تأثير التكنولوجيا على التعليم، وتراجع مستوى ومهارات القراءة والكتابة لدى الطلاب.
ومن ذلك ما أعلنته السويد، من إلغاء استخدام الشاشات الذكية فى الفصول والعودة إلى الأساليب التقليدية القائمة والتفاعل المباشر داخل الصفوف، بعدما أثبتت دراسات التأثيرات السلبية للاعتماد المفرط على التكنولوجيا فى التعليم، خاصة فى المراحل الأساسية، وكشفت عن أن قدرة الأطفال على القراءة ساءت، وضعفت مهارات الكتابة، وأن الإشعارات والتطبيقات تُشتّت انتباههم وتُبعدهم عن التركيز فى الدروس، وأظهرت الاختبارات أن الطلاب السويديين فى سن العاشرة أصبحوا أسوأ فى القراءة والكتابة، بعد أن كانوا يحتلون المرتبة الأولى فى العالم سنة 2001.
وترى السويد أن الحلول فى العودة للكتب الورقية واستخدام الطلاب للدفاتر الورقية والأقلام، واعتبر الخبراء أن القرار جرىء وغريب، وإن كان يتعارض مع التطور التكنولوجى حول العالم، لكنه عودة جزئية لتحسين المهارات، بعدما ظهرت مؤشرات مقلقة حول تراجع مستويات الفهم، وانخفاض التركيز، وضعف المهارات الحركية واللغوية والكتابية لدى الأطفال، لأن الكتابة باليد عملية عقلية تعزز نشاط الدماغ، وتنشط الذاكرة وتساعد على الفهم العميق وتحليل المعلومات.
ويلعب الحضور إلى المدرسة، والتفاعل بين الطالب والمعلم، دورا كبيرا فى بناء شخصية الطالب، وتنمية مهارات التواصل، والانضباط، والتفاعل الاجتماعى، وهى أمور لا توفرها بيئة التعليم الذكى، القائمة على العزلة والانفراد بالشاشة.
وتعيد التجربة السويدية الجديدة، بناء عقول مفكرة وشخصيات متوازنة، ولم تكن السويد وحدها التى عادت إلى الأساليب القديمة فى التعليم، فقد قالت وزارة التعليم الهولندية إن الهواتف الجوالة تشتت انتباه التلاميذ وتقلل قدرتهم على التركيز وتؤثر على الأداء التعليمى، وحظرت استخدام الهواتف فى الصفوف كافة، وكذلك قررت اليونان وإيطاليا.
وبعيدا عن الإفراط أو التفريط فى الأساليب التعليمية، يجب استخدام التكنولوجيا والأدوات التقليدية معا والاستفادة من كليهما، وعدم استسهال أى من الوسيلتين.