تحدثنا طويلاً عن النهضة الأوروبية وكتبنا تفصيلاً عن النمور الآسيوية وأعجبنا كثيرا بالتجربة اليابانية ومن بعدها الصينية لكننا غفلنا عما بين أيدينا ولم نتعلم من التجربة الدمياطية.
تقدم دمياط نموذجا للتجارب الاقتصادية الناجحة ترتفع فيها قيم العمل والإنتاج والإتقان التى تمثل مثلث النجاح لأى تجربة اقتصادية والقانون الأعظم فى الاقتصاد يتجدد على ضوء الإنتاج والاستهلاك إذا تفوق الأول تحقق الربح والرواج وإذا حدث العكس تفشى الكساد والإفلاس ولا مكان فى دمياط للكسالى والخاملين أو السائلين والمتسولين أو العاطلين والمتسكعين.
يقصدها الباحثون عن عمل من البلاد المجاورة للبحث عن عمل فى محلاتها وورشها ومعاملها ومصانعها ومصايفها.
دمياط باختصار خلية نحل بشرية.. عمل دائم وإنتاج غزير وإتقان وابتكار.
والمواطن الدمياطى إذا امتلك 500 ألف جنيه اشترى سيارة بمائة ألف وتاجر بالباقى واستخدم سيارته فى خدمة تجارته أو صناعته وربما ينتظر يشتريها من أرباحه.
وقيل إن يهوديا فى الماضى البعيد حاول أن يختبر أهل المدينة قبل أن يستثمر أمواله بها فأعطى قرشاً لطفل دمياطى وطلب منه أن يشترى له شيئاً واحداً يأكله ويتسلى به ويطعم حماره فاشترى له بطيخة ونصحه أن يأكل قلبها ويتسلى بلبها ويعلف الحمار بقشرها وعاد الرجل الغريب من حيث أتي.
والطفل الدمياطى يحمل فى شفرته الوراثية جينات الجد والعمل تجده يبحث عن عمل حتى ولو كان والده من الأثرياء.
وفى دمياط مئات المصانع للأثاث والآلاف من الورش وتعد دمياط قلعة الصناعات المتميزة التى لها شهرتها فى العالم بالاضافة إلى النشاط التجارى الواسع فى صناعة الحلوى شتى المجالات.
وكلمة «الدمياطي» تمثل علامة الجودة إذا وضعها صاحب مطعم أو محل أو مخبز أو معمل أو بقالة أقبل الناس عليه بلا تردد.
ارتبطت دمياط مع مدن فى الشام وتركيا واليونان بعلاقات تجارية قوية وصدرت لهذه البلاد منتجاتها الشهيرة خاصة الحرير الدمياطى «الكريشة» والفخار والأرز والأسماك المملحة والأثاث والفاكهة والخضرة والآن تصدر إنتاجها لعدد كبير من الدول العربية والأوروبية والآسيوية.
حاولت الصين فى أوائل القرن الحالى أن تفعل مع دمياط ما فعلته مع دول العالم كله وتصدر الأثاث إلى بلد الأثاث لكن الثمن القليل تراجع أمام الجودة والفن والإتقان.
ردت دمياط الحملات الرومانية خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين وتعرضت لغزو الصليبيين خلال القرن الثالث عشر مرتين.
دخلها يوحنا بريين ملك إمارة بيت المقدس 1219 – 1221 وردهم عنها الملك الكامل «1218 – 1238» والمرة الثانية خلال حملة لويس التاسع ملك فرنسا 1249 – 1250 التى انتصر فيها المصريون فى معركة المنصورة وأسر فيها لويس التاسع فى دار ابن لقمان واطلق سراحه مقابل فدية كبيرة وعادت الحملة الصليبية من حيث جاءت.
كانت دمياط واحداً من أقاليم مديرية الدقهلية وأصبحت محافظة مستقلة 1955 وتضم مراكز دمياط وفارسكور وكفر سعد والزرقا يضاف إليها مدينة وميناء دمياط الجديدة وبها لجامعة فرع آخر لجامعة الأزهر وهذا يعنى أن دمياط بلد العمل والعلم معاً .
ومن أعلامها القدامى أحمد الدمياطى الفقيه المعروف .. ومن مؤلفاته منتهى الأمانى والمسرات فى علوم القراءات.