التاريخ قد يكون قارئا جيداً للحاضر والمستقبل، وبقراءة متأنية فى تاريخ الدولة العبرية نجد أن إسرائيل منذ نشأتها، لم تكن إلا مشروعًا استعماريًا مغلفًا بشعارات دينية وسياسية، مدعومًا من قوى كبرى تسعى إلى الهيمنة على الشرق الأوسط، لكن فى عالم يتحول سريعًا ومع تغير موازين القوى، يظل السؤال مفتوحًا: هل ستظل إسرائيل تحظى بالدعم ذاته، أم أن لحظة الحقيقة تقترب فى ظل عالم جديد لا يقبل بالحقائق التى فرضت بالقوة؟
فالتاريخ يشهد على أن نشأة دولة إسرائيل عام 1948م لم تكن صدفة أو مجرد استجابة لمطالب الحركة الصهيونية التى طالبت عام 1897م بضرورة وجود وطن قومى لليهود فقط، بل كانت تتويجًا لمشروع استعمارى طويل الأمد، بدأ بوعد بلفور عام 1917، حين أعطت بريطانيا، التى لم تكن تملك فلسطين، وعدًا للحركة الصهيونية بمنحها وطنًا قوميًّا على أرض لا تملكها.
وفى ظل الوضع الحالى يتبادر إلى الذهن السؤال المركزى: لماذا كانت بريطانيا، ثم فرنسا لاحقًا، ثم الولايات المتحدة، على استعداد لدعم هذا الكيان الوليد، ثم حمايته ورعايته حتى اللحظة؟ الإجابة ببساطة تكمن فى معادلة السلطة والمصالح الاستعمارية التى لم تتغير، وإن تغير اللاعبون.
وحتى نحلل الواقع ونرى المستقبل القريب، دعونا نروى القصة من البداية.. فبعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت بريطانيا القوة الحاكمة فى فلسطين تحت مظلة الانتداب، وسعت إلى تحقيق وعد بلفور عبر تسهيل هجرة اليهود، وإضعاف المقاومة العربية.. ومع دخول فرنسا إلى المشهد فى الشرق الأوسط، خاصة فى سوريا ولبنان، تشكلت معادلة استعمارية غربية تدعم الصهيونية.
ومع تحوّل مركز الثقل العالمى إلى واشنطن، وجدت إسرائيل حليفًا أقوى وأكثر نفوذًا فى الولايات المتحدة، وأصبحت واشنطن الراعى الرئيسى لإسرائيل اعتماداً على الاعتبارات التالية:
أولا: اعتبارات جيوسياسية: إسرائيل تمثل حليفًا مضمونًا فى منطقة غنية بالنفط وقريبة من ممرات التجارة العالمية.
ثانياً: اعتبارات إيديولوجية: وجود لوبى صهيونى قوى داخل الولايات المتحدة.
ثالثا: اعتبارات عسكرية: استخدام إسرائيل كرأس حربة فى مواجهة التيارات المناوئة للنفوذ الأمريكى.. ما سجله التاريخ يجعلنا نقرأ الحاضر خاصة فى ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية، حيث تتجه موازين القوة نحوعالم متعدد الأقطاب، فقد دخلت الصين وروسيا والهند فى اللعبة.. هذا الواقع الجديد يفرض تحديات غير مسبوقة على إسرائيل، منها:
>> تراجع الهيمنة الأمريكية التى لم تعد قادرة على فرض إرادتها، وهو ما ظهر أخيرا فى أوكرانيا وغزة.
>> صعود القوى المنافسة.. وأهمها الصين، التى تنتهج سياسة براجماتية.