فى الواقع كشفت الثورة الرقمية عن عالم غريب ومثير أهم ما يميزه حرية التعبير والإبداع وفرص الشهرة وكسب المال «فى آن واحد» كما أنه ليس له قواعد ولا روابط دقيقة تحكمه ولهذا اجتاح الكرة الأرضية وهو يدرج الأن بأكثر من مسمى إعلامى ولكن الأسم الأكثر شهرة هو «البلوجرز» انتشر فجأة فى السنوات القليلة الماضية وبسبب مميزاته الخاصة نجح فى استقطاب الجميع ليس فى مصر والوطن العربى فقط وإنما فى العالم كله رغم تعدد الثقافات والديانات واختلاف الأعمار كما أنه يجوز لأى شخص التوغل داخله ويسمح بالمشاركة فى أى وقت بأى محتوى «فيديو» سواء اجتماعى أو ثقافى أو رياضى أو سياسى أو أياً كان عبر منصات وبرامج التواصل كـ»تيك توك» والتمكن بسهولة من إيصال رسالته للملايين دون الحاجة إلى قناة تليفزيونية أو صحيفة ورقية وأسباب كثيرة جعلت هذا العالم أكثر جاذبية وتحول شغف الكثير إلى هدف الربح السريع وبالتالى صار مهنة من ليس له مهنة.
ولا شك أن «اليوتيوبرز» باتوا جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعى والإعلامى الحر الذى ساهم فى تسليط الضوء على قضايا مجتمعية هامة مثل تمكين المرأة، الصحة النفسية، ريادة الأعمال وغيرها.. هؤلاء تحول بعضهم إلى صناع رأى ومؤثرين على الرأى العام وقادرين على تغيير الأوضاع وتحويل أى مسار وأصبح كثيرون منهم صوتًا لمن لا صوت له رغم أن أغلبهم مجرد «هواة» يشاركون أفكارهم وآرائهم بطرق عامة أمام الكاميرات على سبيل المثال «كوكى» أصغر «Blogger» تتصدر اليوتيوب بملايين المتابعين والمشاهدات وهنا يبرز تساؤل هام هل هذه الظاهرة إيجابية أم أنها تحمل فى طياتها سلبيات لا يمكن تجاهلها فمثلاً لا يخضع البلوجرز لقوانين وأخلاقيات النشر وبالتالى أغلب المعلومات التى تقال غير صحيحة وهذا يفقده المصداقية والمهنية وأحياناً يلجأ بعضهم إلى الإثارة والكوميديا أو المبالغة فى اختلاق قصص لجذب الانتباه مما يؤثر سلبًيا على وعى المشاهدين ودون دراية يبعد جزء منهم عن المحتوى الهادف ويساعد فى تعزيز ثقافة «السطحية» وتهميش اللغة والقيم والمبادئ وفى المقابل يعانى الكثير منهم من ضغوطات نفسية ناتجة عن سعيهم الدائم للكمال مما يولّد حياة افتراضية منفصلة عن الواقع.
وأنا أرى أن هذا العالم يشكل الأن تهديداً ليس فقط لأنه ينظر إليه من الكثيرين كمصدر دخل سهل وثابت بل لأنه بدأ يستقطب الجميع بسبب بريق الشهرة مثل كرة القدم والتمثيل وكل هذه الآمال التى تبعد الأجيال القادمة عن المجالات الأصلية التى تأسس بها الدول مثل الطب والهندسة وكليات القمة وتهدر قيمتها الإستراتيجية فى المجتمع ويصبح الشباب القادم كله إمام عاشور وأحمد السقا وحمو بيكا و«مدونون محتوى» وليس لدينا جيل مفكر.. لذا علينا ان نوعى الجميع من إخوتنا وأبناءنا وأصحابنا ان المستقبل الواعد لن يبنى على الأحلام والأفلام والأغانى بل بالفكر والعلم والمعرفة.
فى النهـاية «عالم البلوجـرز» مثل كل شـىء يحمـل الخيـر والشـر «عمـلة ذو وجهين» يفصـل بينهم الرقـابة الذاتية من المدون المطالب بالمصداقية أو الوعى الجماهيرى للمتابع المدعو للتفكير النقدى وعدم الانسياق الأعمى خلف كل محتوى لامع.