شاركت بكل فرحة أشقاءنا الأقباط احتفالات عيد الميلاد المجيد 6 يناير الجارى بدعوة كريمة من البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية بالكاتدرائية الجديدة بالعاصمة الإدارية بتشريف فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى راعى نهضة مصر ووحدتها الوطنية.
والواقع أن ما شاهدته يدعو لفخر المصريين جميعاً واعتزازهم بوحدتهم الوطنية من خلال مشاركة كافة الرموز المؤسسية والمجتمعية لهذا الاحتفال الذى برز فيه شعار «المحبة والأخوة والصدق» وكان نموذجاً واضحاً لواقع الوحدة الوطنية واصطفاف أبناء الوطن من المسلمين والمسيحيين فى هذا الاحتفال ترسيخاً لقيمة عظيمة نشترك فيها جميعاً هى حب الوطن.
ولا شك أن هذا المظهر لم يكن يأتى من فراغ ولا بدون مقدمات ولكنه جاء نتاج تبنى الدولة المصرية لإستراتيجية تستهدف بناء جسور قوية للمواطنة واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات وأفعال لإحداث هذا التلاحم بين أبناء الوطن والتأكيد على الدور الوطنى لأشقائنا فى الوطن الذى ظهر جلياً فى أوقات الأزمات وبرز حرصهم على دعم الدولة المصرية والدفاع عنها مهما كانت التضحيات ومهما كلفهم ذلك.
نموذج الوحدة الوطنية الذى جسده المصريون فهماً وإدراكاً ووعياً هو الركيزة الأساسية لبناء الجمهورية الجديدة من خلال وحدة الصف وتماسك جميع أبناء الوطن تحت سقف الانتماء الوطنى الذى يسمو على مختلف الانتماءات تحميهم الرغبة فى العيش المشترك والحفاظ على التعددية والتحاور والإقناع والتفاهم وصولاً للتنشئة الوطنية وقد رسخ لمفاهيم الوحدة الوطنية نصوص الدستور التى أكدت على قيمة الوحدة الوطنية والمواطنة وأكدت على معايير النزاهة والمساواة بين المواطنين إضافة إلى نصوص الشرائع السماوية.
لقد كانت الأزمات بالفعل صانعة للمعجزات فقد أبرزت أعظم ما فى المصريين «مسيحيين ومسلمين» وهو حبهم لوطنهم وانتمائهم وولائهم له ودفاعهم عنه ضد أى محاولات عدائية تستهدف النيل من مقدراته.
الشعب المصرى بقيادته العظيمة وشعبه الوطنى نبذ العنف والإرهاب والتطرف ووحد صفوفه الحب والتسامح والسلام والتعايش والتكاتف والتآخى وجمعتهم لغه الحوار وحب الوطن.. ولا شك أن الوطن ليس موقعاً على الخريطة فحسب ولكنه قيمة راسخة فى الوجدان لكل وطنى وانتماء حضارى وتراكم تاريخى ومنظومة متكاملة متعاظمة منسجمة متجانسة والحفاظ عليه وتنميته والارتقاء به هو حفاظ على الوجود الحضارى والمؤكد أن الوحدة الوطنية فى مصر خط أحمر وركيزة أساسية للبناء والتنمية والتقدم.. هذا الأمر ليس شعارات ولكنه تصرفات واقعية وإجراءات ملموسة من شعب عظيم بأبنائه «مسلمين ومسيحيين» بقيادته الحكيمة التى تقدر المسئولية وترسخ من آليات تعظيم هذا النسيج الوطنى المتميز الذى اعطى درساً للعالم أجمع.
والملفت حقاً والمثير للانتباه خلال احتفالية عيد الميلاد بالكاتدرائية هذا العام هى الكلمة المؤثرة والمعبرة للبابا تواضروس والتى أشار وأكد من خلالها على قيم عظيمة ودساتير واقعية تعالج قضايا المجتمع عندما تحدث عن القلوب الدافئة وقيمتها والقلوب الباردة وسلبياتها.. مشيراً بكل سلاسة عن إستراتيجية القلوب الدافئة فى القلب الذى يحب الله بلا حدود «البناء والعطاء والتفانى والإخلاص» من خلال مبادئ حاكمة وفاعلة وشاملة تسودها الحكمة والحب والرحمة.
مشيراً إلى أن ميلاد المسيح يدعونا أن نفحص قلوبنا إذا كنا نحمل قلوبًا باردة، فلنطلب من الرب أن «هو الأرض المثمرة التى تفرح السماء بثمرها.. يمنحنا نعمة التوبة، لأن الكلمة الطيبة تستطيع أن تحول أرضًا قاحلة إلى بستان مثمر»..
ما أحوج عالم اليوم إلى التحلى بصفات القلوب الدافئة، فالصراع الدائر فى مناطق كثيرة يحتاج الحكمة، والتحديات والأزمات المحيطة بنا والبشرية المشردة جراء الحروب تحتاج الرحمة، والعالم كله يحتاج الحب الذى أصبح يتناقص تدريجيًا ليحل محله الأنانية والظلم، فيجد الإنسان نفسه فجأة بلا ملجأ، بلا أمان، داخل حرب دائرة ليس له فيها يد أو قرار، إنها فرصة لنا جميعاً فى بداية هذا العام أن نرفع قلوبنا إلى الله سبحانه وتعالى لتطمئن القلوب، ويسود الحب فيها لتحصد البشرية الحكمة والرحمة، ولنبتعد كل البعد عن القلوب الباردة بكل سلبياتها وآثارها الوخيمة على المجتمع وليعم السلام والمحبة والأمن والأمان، ولنمتلك مقومات الحكمة والحب والرحمة ونسعى لها دائما ولنحمل جميعا قلوبا دافئة.. حفظ الله مصر وطناً للجميع حمى شعبها العظيم وقائدها الحكيم.